عاد الجدل في البحرين حول جمع الأموال والتبرعات وأموال الخمس من قبل الجمعيات الدينية إلى الواجهة من جديد، بعد إغلاق الحكومة لعدد من الجمعيات، بسبب تهم تتعلق بجمع أموال بطرق غير مشروعة، وغسيل أموال، بالإضافة إلى توجيه تهم مشابهة إلى المرجع الديني عيسى قاسم، والذي رفض ما اعتبره مساساً من الحكومة البحرينية بـ"ممارسة الحرية المذهبية" في ما يتعلق بأموال الخمس.
وكان رئيس مكتب قيد طلبات تراخيص جمع المال للأغراض الدينية، محمد طاهر القطان، قد أكد، يوم أمس السبت، أن "مهمة المكتب هي التأكد من مشروعية جمع الأموال، ومشروعية صرفها، لا أكثر"، مشدداً، في تصريح لوكالة الأنباء البحرينية، على أن "الغرض الأساس من مرسوم جمع المال هو التحقق من مشروعية مصدر هذه الأموال، وكذلك مشروعية أوجه الصرف التي يقوم بها من يتولّون هذا النشاط".
وأضاف القطان: "الأغراض الدينية المشروعة التي تناولها المرسوم، والتي تشمل الزكاة والصدقات والخمس، لا يتدخل المكتب في كيفية الصرف أو تحديد أولوياتها، إذ إن ذلك مناط بالقائمين بهذا النشاط"، موضحاً أن مهمة المكتب تتوقف عند "التحقق من مشروعية وسيلة الجمع وطريقة الصرف فقط".
وختم القطان تصريحه بدعوة "الأفراد الراغبين في جمع المال إلى الالتزام بحكم القانون في إطار من الشفافية والعلنية، إذ إن ذلك يشجع الناس على التبرع والاطمئنان إلى مشروعية أوجه صرف أموالهم".
في المقابل، تتهم جهات معارضة السلطات باستغلال قضايا تمويل "الإرهاب" للتضييق على نشاطاتها، بحيث أصدر المرجع الديني البحريني، عيسى قاسم، بالإضافة إلى ثلاثة رجال دين آخرين، هم عبد الله الغريفي، وعبدالحسين الستري، ومحمد صالح الربيعي، بياناً أمس، أكدوا فيه أهمية "فريضة الخمس" في المذهب الشيعي الإمامي، وأنهم ليسوا بصدد "التفاوض" مع أي جهة في شأن "أموال الخمس".
وجاء في البيان أنَّ "فريضة الخمس من مُسلَّماتِ المذهب الشيعي الإمامي، ومنذ عصر الأئمة من أهل البيت عليهم السَّلام، والشيعة يمارسون هذه الفريضة، واستمرت عبر التاريخ، وما زالت قائمة برعاية وإشراف الفقهاء الأمناء"، مضيفا أن الفقهاء "لم يألوا جهدًا في توظيف أموال الخمس في خدمةِ أهداف الدِّين، ومصالح المسلمين، والابتعاد بها عن كلِّ ما يضر بهذه الأهداف والمصالح".
ورفض الموقعون على البيان ما اعتبروه استهدافا لـ"فريضة الخمس" و"استهدافا للمذهب، واعتداء صارخا على حرية الممارسة المذهبية المكفولة وفق الميثاق والدستور، ووفق كل المواثيق الدّولية".
وختم البيان برفض "أيّ مساسٍ بهذه الحرية (حرية ممارسة المذهب)"، ورفض التفاوض مع أي جهة "في هذا الشأن (الخمس) المحسوم فقهيًا ومذهبيًا"، مع تأكيد أن موقعي البيان لن يفرطوا في "توظيف أموال الخمس توظيفًا يخدم أهداف الدِّين ومصالح المسلمين".
من جهته، أعلن رئيس النيابة البحريني، محمد المالكي، الخميس الماضي، أن النيابة تحقق في جرائم منسوبة إلى "رجل دين"، لم يذكر اسمه، متهم بجمع الأموال بطرق غير مشروعة، وغسيل أموال، وأن النيابة أمرت بالتحفظ على ما يعادل 10 ملايين دولار في أحد حساباته البنكية.
وأكدت صحف بحرينية أن رجل الدين المقصود هو المرجع الديني عيسى قاسم، والذي تتهمه السلطات البحرينية بأنه مقرب من الجمعيات السياسية الشيعية المعارضة.
وكان المرجع الديني قد أكد رفضه مضاعفة الحكم بالسجن على الأمين العام لـ"جمعية (الوفاق) الوطني" الإسلامية المعارضة، علي سلمان، في محكمة الاستئناف، من 4 سنوات إلى 9 سنوات.
وتتهم السلطات البحرينية الأمين العام لجمعية "الوفاق" بالمساس بالنظام، والدعوة إلى إسقاطه، والتحريض على العنف.
وقد أعلنت النيابة البحرينية، يوم الخميس الماضي، أنها استكملت التحقيقات في "جمع أموال بطرق غير مشروعة على خلاف أحكام القانون"، في ما يخص جمعيتي "الرسالة الإسلامية" و"التوعية الإسلامية"، بالإضافة إلى مكتبة "دار اليقين"، في الوقت الذي أصدرت وزارة العمل والتنمية الاجتماعية، الأسبوع الماضي، قراراً بإغلاق الجمعيتين وتصفية ممتلكاتهما.
وقد وجهت النيابة البحرينية إلى الجمعيتين تهماً تتعلق بـ"جمع أموال بغير ترخيص وعلى خلاف أحكام القانون، وغسل تلك الأموال بالتصرف فيها، وإجراء عمليات مصرفية بغرض إخفاء مصدرها وإضفاء المشروعية عليها".
وتشهد المنطقة إجراءات واسعة النطاق للتحقق من مصادر الأموال وأوجه صرفها، خصوصاً ما يتعلق بالتبرعات الخيرية، خشية أن تصل إلى جماعات مسلحة تتهم بـ"الإرهاب"، أكان تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، أو "حزب الله"، المصنف كمنظمة إرهابية في الخليج، أو غيرهما.
وفي السياق، أعلنت دول مجلس التعاون الخليجي عن دعمها الإجراءات البحرينية الأخيرة، والتي وصفتها بـ"المهمة لحماية أمن واستقرار المملكة".
وأكد الأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربي، عبد اللطيف الزياني، أن دول مجلس التعاون تساند "مملكة البحرين في ما اتخذته من إجراءات بحق الجمعيات والتنظيمات التي دأبت على ارتكاب ممارسات تتعارض مع القوانين المرعية، وتؤجج الطائفية، وتثير الفتنة والعنف، تحقيقا لأهداف قوى خارجية لا تريد الخير للبحرين وأهلها، وتسعى إلى زعزعة الأمن والاستقرار فيها".
وكانت البحرين قد أعلنت، قبل أيام، عن تجميد نشاطات "جمعية الوفاق الوطني" الإسلامية المعارضة، حتى النظر في الدعوة القضائية المتعلقة بحل الجمعية، والتي رفعتها وزارة العدل والشؤون الإسلامية والأوقاف البحرينية، باعتبار أن "ممارسات الجمعية السياسية تقوم على الطائفية"، بالإضافة إلى الاتهامات التي توجهها الحكومة إلى الجمعية بالتشجيع على العنف، والاتصال بقوى خارجية، الأمر الذي ترفضه الجمعية، وتعتبر أن ما يحدث في البحرين هو "تراجع عن إصلاحات ميثاق العمل الوطني، والذي ينظم العمل السياسي في المملكة منذ 2001".