تبنّت مملكة البحرين تعديلات قانونية ترسّخ التمييز بين العمل الديني والنشاط السياسي من دون أن يمس هذا الفصل تشريعات الدولة. وتأتي هذه الخطوة، بحسب مراقبين، كنتيجة للاستغلال السيئ للمنابر الدينية من قبل الجمعيات السياسية في البحرين، وسط اتهامات من الحكومة البحرينية لجمعيات سياسية معارضة بتبني توجهات طائفية. في المقابل، تتهم المعارضة المنامة بالرغبة في إخماد أي احتمال لعودة الروح إليها، خصوصاً المعارضة التي تعبّر عن المكوّن الشيعي في المملكة.
وتستهدف التعديلات القانونية الأخيرة الجمعيات السياسية الشيعية المعارضة التي استمرت في دعم الاحتجاجات ضد النظام السياسي في البحرين منذ انطلاق ثورات الربيع العربي عام 2011. البحرين ليست الأولى عربياً في تبني رؤية تميّز ما بين العمل الديني والسياسي، إذ بدأ هذا التوجه في المغرب منذ 2003، بعد تفجيرات الدار البيضاء، ثم رُسّخ من خلال خطة "إصلاح الحقل الديني" المغربية، والتي تتضمن التمييز بين العمل الديني والنشاط السياسي. وبدأ العمل عليها بعد منتصف 2014. هذه الخطوة لاقت تأييدا بين الأحزاب السياسية المغربية، خصوصاً المحسوبة على تيارات الإسلام السياسي، مثل "العدالة والتنمية".
دعوات التمييز بين العمل الديني والسياسي لم تكن حكراً على حكومتَي المغرب والبحرين. فقد تبنّت حركة النهضة التونسية، بزعامة راشد الغنوشي، هذا التوجه، في مؤتمرها العاشر التاريخي، الشهر الماضي. وحسمت "النهضة" فصل العمل الديني عن السياسي، وتحوُّل الحركة إلى حزب سياسي، لترسيخ استقلال العمل السياسي، وتتويج لدعوات الحركة السابقة، لإبعاد المنابر الدينية عن السياسية، حفاظاً على المنابر الدينية والمجال السياسي، على حدّ سواء.
بالعودة إلى البحرين، أصدر العاهل البحريني، الملك حمد بن عيسى آل خليفة، في 11 يونيو/حزيران الحالي، قانوناً يمنع الجمع ما بين العمل السياسي والديني. ونصّ القانون الذي ينظم عمل الجمعيات السياسية، على ألا يتم الجمع ما بين "الانتماء للجمعية واعتلاء المنبر الديني".
وأكد القانون أن "طريقة وإجراءات تكوين أجهزة الجمعية واختيار قياداتها على ألا يكونوا ممن يعتلي المنبر الديني أو الاشتغال بالوعظ والإرشاد والخطابة ولو من دون أجر، ومباشرتها نشاطها، وتنظيم علاقاتها بأعضائها على أساس ديمقراطي، وتحديد الاختصاصات السياسية والمالية والإدارية لأي من الأجهزة والقيادات، مع كفالة أوسع مدى للمناقشة الديمقراطية داخل هذه الأجهزة". كما تم تعديل مادة أخرى من مواد قانون الجمعيات السياسية في البحرين، ينص على "ألا يجمع العضو بين الانتماء للجمعية واعتلاء المنبر الديني أو الاشتغال بالوعظ والإرشاد والخطابة ولو من دون أجر، وفي جميع الأحوال لا يجوز الجمع بين المنبر الديني والعمل السياسي".
ما يميّز هذه الخطوات، وفقاً لمراقبين، أنها لا تتعلق بتبني رؤية علمانية صريحة تفصل ما بين الدولة والدين، وإنما تهدف إلى منع إقحام المنابر الدينية في المجال السياسي، من خلال منع الجمع بين وظائف دينية وأخرى سياسية، في الوقت الذي يمكن لتشريعات الدولة أن تعتبر الدين مصدراً من مصادر التشريع في الدولة.
ويرى أحد المراقبين أن القانون يهدف في الدرجة الأولى إلى "منع الجمع بين العمل السياسي والمنبر الديني بشكل مباشر، فلا يمكن أن يجمع عضو مجلس النواب أو عضو جمعية سياسية بين نشاطه السياسي وبين كونه خطيبا في مسجد أو حسينية". ويعتبر هذا المراقب أن للقانون بُعداً تنظيمياً، بالإضافة إلى البعد السياسي، إذ يُتوقع أن يتم تطبيق القانون أولاً، من خلال "منع أن يكون خطباء المساجد، أو شاغلو الوظائف الدينية، ومَن في حكمهم، من أن يكون لهم صفة سياسية".
ويشكّك المراقب ذاته في أن القرار "نواة لنظام علماني" بالبحرين، على اعتبار أن القانون "يتعلق بالممارسة السياسية، لا أنظمة وتشريعات الدولة"، لكنه لم يستبعد أن تتم محاسبة "من يشغل المنبر الديني لطرح قضايا سياسية". ويرى أن هناك "أوساطا سياسية في البحرين دفعت باتجاه القرار، ومؤيدة له، خصوصاً في مجلس النواب الحالي". ويضيف أن "الخلط بين المنبر الديني والعمل السياسي أثّر في الدين والسياسة، ووصل إلى مستويات مبالغ فيها، حتى تحوّلت كل المناسبات الدينية إلى سياسية".
وأكّد وزير العدل والشؤون الإسلامية والأوقاف، الشيخ خالد بن علي آل خليفة، في تصريحات سابقة، أن منع الجمع بين العمل الديني والسياسي يأتي لمنع "طأفنة السياسة"، أي إدخال البعد الطائفي على الممارسة السياسية. كما اعتبر أن رجال الدين "استُخدموا في الانتخابات النيابية، والناس دخلت الانتخابات بفتوى وخرجت بأخرى".
ونفى وزير العدل والشؤون الإسلامية والأوقاف البحريني، في أحد تصريحاته، أن يكون القانون يعني فصل الدين عن السياسة، مؤكداً أن البحرين "مملكة عربية إسلامية، لا يمكن فصل الدين عن السياسة فيها". واعتبر أن القانون يهدف إلى "عدم الخلط بين المؤسسات السياسية والدينية". وأكد وزير العدل أمام مجلس النواب البحريني، في 17 مايو/أيار الماضي أن "رجل الدين عليه أن يختار بين أمرَين، إما أن يعمل في الوعظ والدين، أو في السياسة".
وكان من أبرز المعارضين للقانون، عضو مجلس الشورى، عادل المعاودة، وهو من أبرز مؤسسي جمعية الأصالة الإسلامية، الممثلة للتيار السلفي في البحرين. واعتبر المعاودة أثناء المداولات حول القانون في مجلس النواب، مايو/أيار الماضي، أن القانون مقدمة لـ"فصل الدين عن السياسة"، مؤكداً أن القانون "يتعارض مع الدستور والميثاق"، في إشارة إلى ميثاق العمل الوطني الذي ينظم العمل السياسي في البحرين منذ 2001. ولم تصدر تعليقات من الجمعيات السياسية المعارضة في البحرين حول القانون الجديد، في الوقت الذي نشطت فيه المطالبة بالإفراج عن الأمين العام لجمعية الوفاق المعارضة، علي سلمان.