16 نوفمبر 2024
البحرين.. العنف أسوأ بديل عن الحوار
على الرغم من أن محكمة التمييز العليا في البحرين قد صادقت، في التاسع من يناير/ كانون الثاني الجاري، على قرار قضائي سابق بإعدام ثلاثة شبان بحرينيين، إلا أن تنفيذ هذه العقوبة يوم 15 يناير الجاري بحق الثلاثة بدا مفاجئاً وغير مألوف، ويخالف قيم الحياة السائدة، وعلى الأقل منذ عشرين عاماً، تاريخ آخر حكم إعدام نفذ هناك. وكان الثلاثة، وهم عباس السميع وسامي مشيمع وعلي السنكيس، قد أدينوا في العام 2015 بقتل رجلي شرطة وضابط إماراتي في العام 2014. ولم تنل محاكمة الشبان الثلاثة تغطيةً إعلامية كافية، ولا استغرقت وقتاً يتناسب مع حجم الجريمة التي وقعت، والاتهام المسند للثلاثة.
وفيما شككت منظمات حقوقية، أبرزها منظمة العفو الدولية، في سلامة إجراءات المحاكمة، واعتبرت أن تنفيذ الحكم بالإعدام يمثل يوماً حزيناً لحقوق الإنسان، فإن ردود الفعل شملت المعارضة الشيعية في الداخل، والنظام الإيراني وحزب الله ذراع إيران في لبنان، وجاءت البيانات الصادرة تحمل نبرة تنديد قاسية، وكذلك نبرة تهديد شبه صريحة للسلطات البحرينية التي امتنعت عن التعليق على أصداء هذا الحدث. ولم يقتصر الأمر على صدور بيانات ومواقف لفظية، فقد أعلنت المراجع الشيعية في البحرين الحداد ثلاثة أيام، فيما تجمهر عشرات الشبان في مسيراتٍ متنقلةٍ شملت أنحاء مختلفة من العاصمة المنامة، وتم إحراق ممتلكاتٍ، منها مبنى للبلدية. وتثير هذه التطورات، في مجملها وفي إيقاعها الحاد المتوتر، القلق، بشأن مآل الوضع المحتقن في هذا البلد، والأجواء الضاغطة التي يتعرّض لها في الداخل، ومن طرف الجوار الإقليمي. ولا شك أن هذا التطور لا يطفىء القلق المُخيّم، بل يزيد جذوته. والواضح أن مصدر التهديد هو الجانب الإيراني الذي قطعت مملكة البحرين العلاقات الدبلوماسية معه، أسوة بدول الخليج الأربع الأخرى (باستثناء سلطنة عمان)، فطهران تتصرّف باعتبارها مرجعيةً سياسيةً للمعارضة البحرينية، علاوة على مرجعيتها الدينية، فيما تستمرئ المعارضة هذا الوضع، وتعتبر التدخلات الإيرانية مظلةً واقية لها. وقد كان أمراً غريباً ومثيراً للتأمل أن يحتجّ البلد الأكثر ممارسةً لعقوبة الإعدام على تنفيذ هذه العقوبة بشكل ضيق وآني في بلد آخر، ما يدلل على أن الاعتراض الإيراني ليس ذا طابع قانوني، ولا علاقة له بالحقوق الثابتة لحقوق الإنسان، بل هو من طبيعةٍ سياسيةٍ صرفة، حيث يجري استغلال هذا الظرف الطارئ والتطور المقلق من أجل إدامة سياسة التدخل، وتغذية التوترات، وتعميق الاستقطاب الطائفي في الداخل البحريني.
وبينما ندّدت منظماتٌ حقوقيةٌ، منها هيومن رايتش ووتش، بهذا التطور، وهو أمر كان متوقعاً، إذ ترفض هذه المنظمات الغربية عقوبة الإعدام من حيث المبدأ، إلا أن ما جرى لم يثر ردود
فعل رسمية تُذكر في أرجاء مختلفة من العالم. ربما لأن مسرح العنف والقتل في منطقتنا، المسرح الشاسع والدائم النشاط، لا يترك كبير فرصةٍ لالتقاط تطوّراتٍ جزئية وآنية مقلقة في البحرين. ومن المعلوم أن هذا البلد يتمتع بعلاقاتٍ دوليةٍ واسعةٍ مع دول الشرق والغرب. وما رد الفعل التحريضي والتدخلي الصادر عن الخارجية الإيرانية سوى موقف روتيني، دأبت طهران على اتخاذه، لكي يخدم مسعاها للحصول على موطئ قدم ما في هذه الجزيرة التي ما زالت تجتذب الاستثمارات والسياحة إليها من دول مجلس التعاون، كما من دول أخرى.
الخشية الكامنة في هذا التطور المؤسف هي في إشاعة مناخ من العنف، وإطلاق نزعات التحدي الصفريّة، بما ينقل الوضع من مدار أزمة سياسية إلى مسرحٍ لصراع أهلي ومناطقي، وطائفي بالطبع، ترتفع فيه الحواجز بين شرائح المجتمع، وتتبدّد اللغة الوطنية المشتركة. وهو أمرٌ يجد المرء شبيهاً له في بلد عربي آخر، هو العراق. لكن أحداً لا يتمنى، من قريب أو بعيد، أن يتعرقن النزاع الداخلي، بل على العكس، فإن من الواجب التحذير من استمرار الاصطفاف الطائفي الذي يباعد بين الناس، ويضرب فكرة المواطنة، ويسعى إلى اجتذاب دعمٍ خارجي من هنا وهناك، وبما لا يقتصر على إيران. علماً أن الأزمة في البحرين في الأساس أزمة سياسية، وتتعلق بهبوب رياح الربيع العربي على هذا البلد. وسبق أن تشكلت لجنة تحقيق من الخارج، ضمت خبراء قانونيين، وقد تم لوم السلطات على كثيرٍ من تدابيرها، حيث جرى تدارك مواضع التجاوزات والاعتراف بها، كما جرت جولات حوار طويلة، وبينما لم يخلُ موقف السلطات من تشدّدٍ هنا وهناك، فإن المعارضة بدورها سارعت إلى طرح مطالب
قصوى، مثل إقامة ملكية دستورية، علماً أن من شأن هذا المطلب إحداث تغيير جوهري في هوية النظام السياسي القائم، وليس أقل من ذلك، وهو أمر شبيه بأن يتخلى المرجع في إيران عن سلطاته الواسعة والفعلية لصالح رئيس الجمهورية المنتخب، وأن يكتفي المرجع (قائد الثورة الإسلامية) بموقعه الديني فقط. ومعلومٌ أن التغييرات الدستورية تحتاج إلى توافق وطني واسع، فيما لا يحتمل الوضع البحريني قفزاتٍ كبيرة تبدو نحو الأمام ونحو المجهول في الوقت نفسه، حتى لو كانت هذه القفزات تبدو جذّابة، فالأصل هو تطوير الحياة السياسية بصورة تدرّجية، وفي الأطر الدستورية، بما يحفظ السلم الاجتماعي، لا أن تكون دينامية التطوير ذات طبيعة عنفية وإقصائية، ومن شرائح بعينها.
التطور المتعلق بإعدام الشبان الثلاثة أمر مقلق، كما أن سقوط الضحايا الثلاث في العام 2014 نتيجة موجة العنف، شرطيان وضابط، هو أيضاً أمرٌ مقلق، فلم يسقط هؤلاء نتيجة اشتداد حوار معهم من طرف محتجين، بل سقطوا نتيجة انفجار مدمر، مما يوصف هذه الأيام حدثاً إرهابياً. وقد دانت المعارضة البحرينية آنذاك بشدة ذلك الانفجار المدبّر، وترحّمت على الضحايا، وتمسّكت بما أسمته "حرمة الدم" التي تشمل الجميع من دون استثناء.
في هذا الظرف الصعب، تبدو البحرين بحاجة إلى إشاعة مناخ سلمي صحي، لا محل فيه للعنف اللفظي والرمزي والمادي، مع تعليق العمل بعقوبة الإعدام، واحترام مقتضى العدالة بغير تمييز، وذلك درءاً لأية تطورات سالبة. وعلى أمل أن يتحقق اختراقٌ سياسي يكسر استعصاء الأزمة، وينبري له حكماء شجعان، يعيد ممثلي الشعب الواحد إلى مائدة حوار وطني.
وفيما شككت منظمات حقوقية، أبرزها منظمة العفو الدولية، في سلامة إجراءات المحاكمة، واعتبرت أن تنفيذ الحكم بالإعدام يمثل يوماً حزيناً لحقوق الإنسان، فإن ردود الفعل شملت المعارضة الشيعية في الداخل، والنظام الإيراني وحزب الله ذراع إيران في لبنان، وجاءت البيانات الصادرة تحمل نبرة تنديد قاسية، وكذلك نبرة تهديد شبه صريحة للسلطات البحرينية التي امتنعت عن التعليق على أصداء هذا الحدث. ولم يقتصر الأمر على صدور بيانات ومواقف لفظية، فقد أعلنت المراجع الشيعية في البحرين الحداد ثلاثة أيام، فيما تجمهر عشرات الشبان في مسيراتٍ متنقلةٍ شملت أنحاء مختلفة من العاصمة المنامة، وتم إحراق ممتلكاتٍ، منها مبنى للبلدية. وتثير هذه التطورات، في مجملها وفي إيقاعها الحاد المتوتر، القلق، بشأن مآل الوضع المحتقن في هذا البلد، والأجواء الضاغطة التي يتعرّض لها في الداخل، ومن طرف الجوار الإقليمي. ولا شك أن هذا التطور لا يطفىء القلق المُخيّم، بل يزيد جذوته. والواضح أن مصدر التهديد هو الجانب الإيراني الذي قطعت مملكة البحرين العلاقات الدبلوماسية معه، أسوة بدول الخليج الأربع الأخرى (باستثناء سلطنة عمان)، فطهران تتصرّف باعتبارها مرجعيةً سياسيةً للمعارضة البحرينية، علاوة على مرجعيتها الدينية، فيما تستمرئ المعارضة هذا الوضع، وتعتبر التدخلات الإيرانية مظلةً واقية لها. وقد كان أمراً غريباً ومثيراً للتأمل أن يحتجّ البلد الأكثر ممارسةً لعقوبة الإعدام على تنفيذ هذه العقوبة بشكل ضيق وآني في بلد آخر، ما يدلل على أن الاعتراض الإيراني ليس ذا طابع قانوني، ولا علاقة له بالحقوق الثابتة لحقوق الإنسان، بل هو من طبيعةٍ سياسيةٍ صرفة، حيث يجري استغلال هذا الظرف الطارئ والتطور المقلق من أجل إدامة سياسة التدخل، وتغذية التوترات، وتعميق الاستقطاب الطائفي في الداخل البحريني.
وبينما ندّدت منظماتٌ حقوقيةٌ، منها هيومن رايتش ووتش، بهذا التطور، وهو أمر كان متوقعاً، إذ ترفض هذه المنظمات الغربية عقوبة الإعدام من حيث المبدأ، إلا أن ما جرى لم يثر ردود
الخشية الكامنة في هذا التطور المؤسف هي في إشاعة مناخ من العنف، وإطلاق نزعات التحدي الصفريّة، بما ينقل الوضع من مدار أزمة سياسية إلى مسرحٍ لصراع أهلي ومناطقي، وطائفي بالطبع، ترتفع فيه الحواجز بين شرائح المجتمع، وتتبدّد اللغة الوطنية المشتركة. وهو أمرٌ يجد المرء شبيهاً له في بلد عربي آخر، هو العراق. لكن أحداً لا يتمنى، من قريب أو بعيد، أن يتعرقن النزاع الداخلي، بل على العكس، فإن من الواجب التحذير من استمرار الاصطفاف الطائفي الذي يباعد بين الناس، ويضرب فكرة المواطنة، ويسعى إلى اجتذاب دعمٍ خارجي من هنا وهناك، وبما لا يقتصر على إيران. علماً أن الأزمة في البحرين في الأساس أزمة سياسية، وتتعلق بهبوب رياح الربيع العربي على هذا البلد. وسبق أن تشكلت لجنة تحقيق من الخارج، ضمت خبراء قانونيين، وقد تم لوم السلطات على كثيرٍ من تدابيرها، حيث جرى تدارك مواضع التجاوزات والاعتراف بها، كما جرت جولات حوار طويلة، وبينما لم يخلُ موقف السلطات من تشدّدٍ هنا وهناك، فإن المعارضة بدورها سارعت إلى طرح مطالب
التطور المتعلق بإعدام الشبان الثلاثة أمر مقلق، كما أن سقوط الضحايا الثلاث في العام 2014 نتيجة موجة العنف، شرطيان وضابط، هو أيضاً أمرٌ مقلق، فلم يسقط هؤلاء نتيجة اشتداد حوار معهم من طرف محتجين، بل سقطوا نتيجة انفجار مدمر، مما يوصف هذه الأيام حدثاً إرهابياً. وقد دانت المعارضة البحرينية آنذاك بشدة ذلك الانفجار المدبّر، وترحّمت على الضحايا، وتمسّكت بما أسمته "حرمة الدم" التي تشمل الجميع من دون استثناء.
في هذا الظرف الصعب، تبدو البحرين بحاجة إلى إشاعة مناخ سلمي صحي، لا محل فيه للعنف اللفظي والرمزي والمادي، مع تعليق العمل بعقوبة الإعدام، واحترام مقتضى العدالة بغير تمييز، وذلك درءاً لأية تطورات سالبة. وعلى أمل أن يتحقق اختراقٌ سياسي يكسر استعصاء الأزمة، وينبري له حكماء شجعان، يعيد ممثلي الشعب الواحد إلى مائدة حوار وطني.