الباحثة عن الحريّة

22 يونيو 2015
قررت أن تواجه قدرها بصمت (Getty)
+ الخط -
أنهت دراستها الجامعيّة وتوظّفت في إحدى الشركات براتب حقّق لها اكتفاءً ذاتياً أزاح عن كاهل أهلها عبئاً ثقيلاً. هي ابنة لأبوين جمعهما رابطٌ سقط في التجربة. وحيدة هي بين شابّين، أحدهما هاجر الى بلد عربيّ بهدف العمل، وآخر يمارس عليها سلطته الذكوريّة.

التوتّر اليومي في البيت بات بالنسبة إلى ربى جحيماً لا يُطاق. تهرب منه، فتلجأ إلى المطالعة. مرّت الأيّام وهي حبيسة غرفتها حتى اعتادت الوحدة وألفتها. ذات يوم مشحون، لزمت سريرها. كتبت خياراتها ولم تقرأها، فكان القرار سريعاً. كتبت أنها راشدة، وما تتقاضاه يؤمّن لها احتياجاتها لرحلتها الانتقاليّة. بعد نقاشات حادة مع أمّها وأبيها، عزمت يومها على الرحيل. أرادت أن تعيش وحدها.

انتقلت إلى غرفة صغيرة دافئة. لم يكن فيها ما يربطها بأي شخص. كل شيء يخصّها وحدها. الديكور العام كان بسيطاً. إلى جانب السرير طاولة صغيرة تتّسع القراءة. استلقت على الأريكة، ما أجمل الحريّة، قالت في سرّها ثم رفعت قدميها إلى الأعلى، نظرت صوب النافذة، الناس كلّهم نيام. لا صخب ولا ضوضاء، كل ما استطاعت رؤيته هو سماء تزيّنها النجوم. ابتسمت، أخذت نفساً عميقاً وغطّت في نوم عميق.

في اليوم التالي، استقلّت سيارة أجرة وذهبت إلى وسط المدينة، اشترت ما كان يلزمها، تناولت وجبة خفيفة، ثم عادت الى غرفتها. مر ما يقارب الأسبوعين وقد بدأت تشعر بالروتين. ذات يوم، استيقظت وقد سيطر عليها شعور بالخواء، أمسكت بالريموت كونترول وشاهدت الأخبار وهي ممدّدة على السرير، كانت متعبة جداً، نهضت واستحمت وقررت بعدها الخروج. مشت في الشوارع من دون أي وجهة، حاولت إعداد برنامج يومها، وقرّرت الذهاب إلى المتجر، كانت تلك طريقة جيّدة لقتل الفراغ، اشترت ملابس جديدة وأدوات تجميل ووجبات خفيفة.

صعدت الى غرفتها ونظرت إلى السماء، تناولت العشاء وهي تفكر أنها اشتاقت إلى "ملوخيّة" أمها. قالتها وهي تنظر إلى قطعة البيتزا المرميّة على الطاولة. استلقت على السرير من دون أن تخلع حذاءها، لم يغمض لها جفن، تحسّ أن السرير يمشي من تحتها. وأحياناً ترى وجه جدّتها المتوفاة يتحرر من إطاره الخشبيّ الذي وضعته إلى جانب سريرها.

أشرقت شمس الصباح منذرةً ببدء يوم جديد، وضّبت ربى حاجياتها وحزمت أمتعتها، تاركةً إطار جدّتها الخشبي معلقاً. غادرت غرفتها الصغيرة وقررت أن تواجه قدرها بصمت، استلقت على الأريكة رافعةً قدميها إلى الأعلى. كل ما استطاعت رؤيته هو سماء صافية. فغطّت في نوم عميق.

إقرأ أيضاً: عندما صار تشيخوف طنجرة ضغط
المساهمون