الانقلاب يجر العقوبات

05 يوليو 2014
+ الخط -


تنتظر مصر قائمة عقوبات ليست هينة، بسبب سمعة السلطة الانقلابية فيما يتعلق بملف حقوق الإنسان، فقد بدأ الجنرال عبد الفتاح السيسي، قائد انقلاب مصر الحديث، بعد الانقلاب الكلاسيكي لجمال عبد الناصر ورفاقه، عهده بتدمير ملف حقوق الإنسان المصري، بسبب عمليات قتل ممنهجة لمعارضيه، في مجزرتي ميداني رابعة العدوية والنهضة وغيرهما، لتكون هذه المجازر أول نقطة سوداء في حقبة الجنرال مع حقوق الإنسان.

يستمر نهج السيسي في تخريب الملف الحقوقي المصري، عمداً، وبغباوة سياسية، من خلال تقديم المعارضين لحكمه، وبأعداد ألفية، لمحاكمات وهمية عن جرائم مفبركة، وبمساعدة قضاة يُؤمرون فيعدمون.

وتستمر الانتهاكات بقتل الصحافيين برصاص البطش والغدر، وكذلك منعهم من مباشرة مهام عملهم، وبسجنهم إن لم يرضخوا للتعليمات، ويرتفع حد عداء السيسي الحرية أخيراً، ليضيف إلى جرائمه أعمال تحرش بفتيات معتقلات، واغتصابهن في مدرعات الجيش.

لكن، لأن السيسي فقيه دم، وليس له خبرة عضو مجلس محلي في العمل السياسي، فإنه كثير الوقوع في الأخطاء الفادحة، كما أن حرفته العسكرية تطغى على كل قراراته السياسية، وقد تُرجم هذا كله، في تقارير حقوقية، صدرت عن مراكز حقوق الإنسان على المستويين، الإقليمي والدولي، عن مصر، أكدت أن مصر أصبحت مُهدرة الحريات، وتتجه إلى السقوط المدوي نحو القاع.

منظمة العفو الدولية، و"هيومن رايتس ووتش"، تحدثتا عن تاريخٍ، يوصف بالأكثر سواداً في تاريخ مصر، بسبب أعمال قمع ساحقة للحريات. كما تحدثت مجلة "تايم" عن انتهاكاتٍ دينيةٍ في عصر السيسي، وعدم تمييزه في التعامل بين العلماء المعتدلين والمتشددين المسلحين.

أضف إلى ذلك أن أرضية العلاقات الدولية تحميها المصالح حقاً، ولكن وفقاً لقواعد القانون الدولي الذي يقوم على مبادىء أساسية عدة، منها حقوق الإنسان وحرياته الأساسية. فقد أوجب ميثاق الأمم المتحدة على الدول الأعضاء التعاون لتدعيم هذا المسار، موجباً أن تنفذ الدول التزاماتها بحسن نية، وهو مبدأ أقرته، أيضاً، اتفاقيتا فيينا لقانون المعاهدات لعامي 1969 و1986.

لا شك في أن حسن النية باتت، هي الأخرى، سوداء، نتيجة انتهاك السيسي اليومية كل الملفات الخاصة بحقوق الإنسان. جميع التقارير الحقوقية ترفق بتوثيق الصوت والصورة من داخل المعتقلات، وفي المحاكمات الهزلية التي تتبعها محاكم النظام، والتي لا نرى فيها أي حق من حقوق الدفاع المنصوص عليها، ولو حتى في أدنى درجات إكمال المسرحية القضائية.

أشار المؤتمر السابع للجمعية العامة للأمم المتحدة لمنع الجريمة ومعاقبة المجرمين، والمنعقد فى ميلانو عام 1985، إلى أهمية مراعاة حقوق الأطراف أثناء المحاكمات، كما أشار الفقه الدولي نفسه إلى أن حصانة القاضي لم تقرر من أجل سواد عيونه، بل هي مقررة ضمانة لطالبي العدالة أنفسهم، وليس كما يدعيه قضاة مصر لأنفسهم.

بات هذا أمراً مفضوحاً أمام المجتمع الدولي الذي يخرج منه، كل يوم، معترض ومدين لحكم أو قرار صادر عن محاكم مصر في هذا الشأن، والمحرج، هنا، هو رد الدبلوماسيين المصريين على المعترضيين دولياً، فهم ما زالوا يتحدثون بسذاجةٍ عن سيادة مصر، وعدم جواز التدخل في شؤونها، ما يشكل رداً غير مقبول، خصوصاً في ظل ما حدث ويحدث من خروق حقوقية.

لأن السيادة المطلقة للدول لا وجود لها فى عصر المنظمات الدولية، بمعنى أن الدول، الآن، كما يتقرر لها حقوق دولية، تحكمها، أيضاً، التزامات مشابهة، واستمرار السيسي في انتهاك الحقوق، بهذا الشكل السافر، سيعرض مصر لعقوبات من المنظمات الدولية، ومن الدول فرادى وجماعات.

عندما تطرح لجنة حقوق الإنسان على أعضاء المنظمة الدولية تقريرها عن تعامل مصر مع ملف حقوق الإنسان، وفي حال استمرار الجنرال بالتعامل مع هذا الملف بإعطائه ظهره، معتمداً على من يموله مادياً، ويدعمه معنوياً. تبعاً لذلك؛ ستكون خسارته المستقبلية حتمية وقريبة، لأن هذه الدول تتعامل وفقاً لمصالحها التي لا شك في أنها لا تتفق مع نهج السيسي القمعي والشاذ في التعامل مع ملف الحريات على المستوى الدولي، كما أن قادة هذه الدول سيبتعدون عن الجنرال خوفاً من تلوث سمعتهم، سواء على المستوى الدولي، أو حتى أمام مواطنيهم، وسيجر الانقلابي سيلاً من العقوبات على نفسه، كما على مؤسسات الدولة التي يصر على تدميرها.

avata
avata
إبراهيم صالح (مصر)
إبراهيم صالح (مصر)