09 يونيو 2017
الانتخابات العربية بما هي تحديث التخلف
لماذا لم تنشئ الانتخابات العربية العامة (النيابية والنقابية والبلدية) عقداً اجتماعياً، تتنافس فيه القوى والشخصيات السياسية والاجتماعية، ويجري تداول سلمي للسلطة؟ تستبعد هذه المقالة "التزوير" إجابة بديهية ومتوقعة، على الرغم من صحتها في بعض الأحيان والبلاد. ولكن، يمكن ملاحظة الرداءة والتخلف في نتائج وتفاعلات سياسية واجتماعية للانتخابات، من غير تزوير في أحيان وبلاد كثيرة. تحميل "التزوير" وحده النتائج السياسية والاجتماعية للانتخابات يمنع من ملاحظة الخلل والفجوات الاجتماعية والسياسية في الأفراد والمجتمعات، ويبقي العملية السياسية في "حلقةٍ شرّيرةٍ" محكمة. ولكن، من المرجح أن تشكلات اجتماعية وسياسية، قائمة على وعي صحيح وواضح بما يجب، وما تحب أن تكون عليه، سوف تكون قادرة أو مؤثرة بنسبةٍ معقولةٍ في مواجهة التزوير، وفي الارتقاء بالحياة السياسية والعامة، وتكريس الانتخابات العامة، لتكون مرجعية لتدوير النخب وتطوير التشريعات.
التزوير الأساسي والأكبر في الانتخابات العامة هو التأثير على إرادة المواطنين والمجتمعات، لتتحرك طوعيا بالعمل ضد نفسها، وهذا ما يمكن ملاحظته بوضوح في بلدان عربية، مثل الأردن، حيث تتحول الانتخابات العامة إلى منافسات عشائرية وجهوية وأيديولوجية، بعيدة عن معنى الانتخابات، وتفسد الحياة السياسية والنقابية أكثر وأسوأ من التزوير المباشر في الانتخابات.
تجري الانتخابات النيابية والبلدية في الأردن، منذ النصف الثاني للقرن التاسع عشر، واستمرت بلا توقف (تقريبا) مع قيام الدولة الحديثة في العشرينيات، لكن هذه التجربة الانتخابية التي وصل عمرها إلى مائة وخمسين عاماً؛ لم تتشكل حولها، كما يفترض وكما حدث في معظم الدول المتقدمة والنامية، أحزاب وقيادات سياسية اجتماعية ونقابية، ولم تنشأ قواعد اجتماعية للاتجاهات والأفكار والبرامج، ولم نشهد جدلاً متصلاً على نحو جوهري ومباشر بالمعاني والأهداف المفترضة للسياسة والنقابات والبلديات.
والمحيّر أن التقدم التعليمي الذي شهده الأردن والعالم العربي لم يؤثر بعد اجتماعياً وسياسياً في وجهة الانتخابات والجدالات والتشكلات، فهذه الأعداد الكبيرة من المتعلمين وحملة الشهادات الجامعية من مختلف دول العالم، وبنسبة تقارب الدول المتقدمة، لم تغير في الاتجاهات الاجتماعية والثقافية للمواطنين والمجتمعات، ولم تنشئ وعياً جديداً، يلائم الدول والمجتمعات الحديثة، .. والكارثة أننا تحوّلنا إلى دول ومؤسسات حديثة، بوعي وتشكل اجتماعي قرابي، لا يلائم الدولة الحديثة، وربما لو بقينا جماعاتٍ قرابيةً، بلا دول ومؤسسات حديثة، لأمكننا تنظيم احتياجاتنا وأولوياتنا بكفاءة أفضل، أو بمشكلاتٍ أقل، فالعشائرية ليست سيئة بحد ذاتها، هي لا
تصلح أساساً للتجمع والتنافس في مؤسسات تنظيمية وخدماتية، قائمة على أعمال ومصالح مرتبطة بالمدن والأسواق، لكنها كانت إيجابيةً ومفيدةً في مجتمعات وأسواق زراعية ورعوية!
والحال أن الحياة والمجتمعات والمؤسسات تتغير، في سرعة وتلقائية بالنسبة للموارد والتقنيات المحيطة بها، ولكن الاستجابة والاجتماعية لا تكون بالسرعة نفسها، ولا تكون دائما،ً حين تحدث، ملائمة، فقبل نصف قرن كان حوالى 60% من الأردنيين يعملون في الزراعة والرعي، ولم يعد يعمل اليوم في الزراعة أكثر من 5% من السكان، وحتى نمط العمل في الزراعة هو أقرب إلى المصالح والأعمال التجارية والاستثمارية، ولم يعد عملاً أسرياً، لكنه مشروعات يجري الإنفاق عليها واستخدام العمال الزراعيين فيها، ثم بيع المحصول في السوق بطريقة منتظمة، تماماً مثل الأعمال التجارية الأخرى. وبالطبع، تبع ذلك تحضر واسع، ويكاد يكون جميع الأردنيين اليوم يقيمون في المدن أو في بلداتٍ لا تختلف عن المدن، في الأعمال والتنظيم وأسلوب العمارة، والتعليم، والخدمات الأساسية (المدارس والكهرباء والماء والاتصالات والإنترنت والطرق والمواصلات،..)؛ لكن السلوك المصاحب للمجتمعات الزراعية بقي راسخاً ومتبعاً، أي أن الحالة هي ثقافة زراعية ورعوية من غير رعي وزراعة.
وفي الاتجاه نحو التعليم والعمل، تتغير، بطبيعة الحال، أنماط العلاقة بين الرجال والنساء وأسلوب الأسر في تدبير حياتها وعلاقاتها، وفي العلاقة بين الأفراد والناس، إذ تقوم على الفردية والمساواة التامة، والتجمع على أساس الأمكنة والأعمال والمهن والمصالح والصداقة والأفكار، وتختفي بالضرورة نهائياً اعتبارات الذكورة والأنوثة، والأصول والعشائر والعائلات.
نحتاج للنظر والتفكير في التغيرات التي حصلت في الأعمال والعمران والحياة والموارد، ثم نواصل النظر في الأفكار والثقافات وأنماط السلوك المفترض أن تنشأ، وسنجد غالباً أن ثمة فجوة هائلة، وربما يكون ذلك، ببساطة، هو ما يفسر الأزمات الاجتماعية، وضعف الفنون والثقافة والعمل العام والتطوعي، ومن ثم غياب القواعد الاجتماعية للبرامج والاتجاهات السياسية المفترض أن تتنافس في الانتخابات العامة،.. ما حدث أنه صار لدينا انتخابات؛ ولكن، لم ينشأ وعي جديد ملائم لهذه الانتخابات.
نستعد في الأردن لانتخابات نيابية، سوف تجري في العشرين من سبتمبر/ أيلول المقبل، بعشائر وأيديولوجيات وقرى ومدن وأصول ومنابت، ثم يفترض بهذا المجلس الناشئ عن هذه الانتخابات أن تتشكل حكومةٌ تدير الضرائب والموارد والجامعات والمؤسسات الحديثة المنظمة للخدمات والحياة اليومية والعلاقات الخارجية، وأن يراقبها مجلس نواب يحاسب أداءها العام، ويصدر التشريعات المنظمة لهذه الأعمال والمؤسسات. ولكن، ماذا سيفعل نوابٌ جاؤوا بأصوات عشائرهم، أو بلدتهم التي ولد فيها آباؤهم لأجل تطوير التعليم العالي، أو أزمة المواصلات والنقل، أو التغير المناخي أو الحكومات الإلكترونية؟
التزوير الأساسي والأكبر في الانتخابات العامة هو التأثير على إرادة المواطنين والمجتمعات، لتتحرك طوعيا بالعمل ضد نفسها، وهذا ما يمكن ملاحظته بوضوح في بلدان عربية، مثل الأردن، حيث تتحول الانتخابات العامة إلى منافسات عشائرية وجهوية وأيديولوجية، بعيدة عن معنى الانتخابات، وتفسد الحياة السياسية والنقابية أكثر وأسوأ من التزوير المباشر في الانتخابات.
تجري الانتخابات النيابية والبلدية في الأردن، منذ النصف الثاني للقرن التاسع عشر، واستمرت بلا توقف (تقريبا) مع قيام الدولة الحديثة في العشرينيات، لكن هذه التجربة الانتخابية التي وصل عمرها إلى مائة وخمسين عاماً؛ لم تتشكل حولها، كما يفترض وكما حدث في معظم الدول المتقدمة والنامية، أحزاب وقيادات سياسية اجتماعية ونقابية، ولم تنشأ قواعد اجتماعية للاتجاهات والأفكار والبرامج، ولم نشهد جدلاً متصلاً على نحو جوهري ومباشر بالمعاني والأهداف المفترضة للسياسة والنقابات والبلديات.
والمحيّر أن التقدم التعليمي الذي شهده الأردن والعالم العربي لم يؤثر بعد اجتماعياً وسياسياً في وجهة الانتخابات والجدالات والتشكلات، فهذه الأعداد الكبيرة من المتعلمين وحملة الشهادات الجامعية من مختلف دول العالم، وبنسبة تقارب الدول المتقدمة، لم تغير في الاتجاهات الاجتماعية والثقافية للمواطنين والمجتمعات، ولم تنشئ وعياً جديداً، يلائم الدول والمجتمعات الحديثة، .. والكارثة أننا تحوّلنا إلى دول ومؤسسات حديثة، بوعي وتشكل اجتماعي قرابي، لا يلائم الدولة الحديثة، وربما لو بقينا جماعاتٍ قرابيةً، بلا دول ومؤسسات حديثة، لأمكننا تنظيم احتياجاتنا وأولوياتنا بكفاءة أفضل، أو بمشكلاتٍ أقل، فالعشائرية ليست سيئة بحد ذاتها، هي لا
والحال أن الحياة والمجتمعات والمؤسسات تتغير، في سرعة وتلقائية بالنسبة للموارد والتقنيات المحيطة بها، ولكن الاستجابة والاجتماعية لا تكون بالسرعة نفسها، ولا تكون دائما،ً حين تحدث، ملائمة، فقبل نصف قرن كان حوالى 60% من الأردنيين يعملون في الزراعة والرعي، ولم يعد يعمل اليوم في الزراعة أكثر من 5% من السكان، وحتى نمط العمل في الزراعة هو أقرب إلى المصالح والأعمال التجارية والاستثمارية، ولم يعد عملاً أسرياً، لكنه مشروعات يجري الإنفاق عليها واستخدام العمال الزراعيين فيها، ثم بيع المحصول في السوق بطريقة منتظمة، تماماً مثل الأعمال التجارية الأخرى. وبالطبع، تبع ذلك تحضر واسع، ويكاد يكون جميع الأردنيين اليوم يقيمون في المدن أو في بلداتٍ لا تختلف عن المدن، في الأعمال والتنظيم وأسلوب العمارة، والتعليم، والخدمات الأساسية (المدارس والكهرباء والماء والاتصالات والإنترنت والطرق والمواصلات،..)؛ لكن السلوك المصاحب للمجتمعات الزراعية بقي راسخاً ومتبعاً، أي أن الحالة هي ثقافة زراعية ورعوية من غير رعي وزراعة.
وفي الاتجاه نحو التعليم والعمل، تتغير، بطبيعة الحال، أنماط العلاقة بين الرجال والنساء وأسلوب الأسر في تدبير حياتها وعلاقاتها، وفي العلاقة بين الأفراد والناس، إذ تقوم على الفردية والمساواة التامة، والتجمع على أساس الأمكنة والأعمال والمهن والمصالح والصداقة والأفكار، وتختفي بالضرورة نهائياً اعتبارات الذكورة والأنوثة، والأصول والعشائر والعائلات.
نحتاج للنظر والتفكير في التغيرات التي حصلت في الأعمال والعمران والحياة والموارد، ثم نواصل النظر في الأفكار والثقافات وأنماط السلوك المفترض أن تنشأ، وسنجد غالباً أن ثمة فجوة هائلة، وربما يكون ذلك، ببساطة، هو ما يفسر الأزمات الاجتماعية، وضعف الفنون والثقافة والعمل العام والتطوعي، ومن ثم غياب القواعد الاجتماعية للبرامج والاتجاهات السياسية المفترض أن تتنافس في الانتخابات العامة،.. ما حدث أنه صار لدينا انتخابات؛ ولكن، لم ينشأ وعي جديد ملائم لهذه الانتخابات.
نستعد في الأردن لانتخابات نيابية، سوف تجري في العشرين من سبتمبر/ أيلول المقبل، بعشائر وأيديولوجيات وقرى ومدن وأصول ومنابت، ثم يفترض بهذا المجلس الناشئ عن هذه الانتخابات أن تتشكل حكومةٌ تدير الضرائب والموارد والجامعات والمؤسسات الحديثة المنظمة للخدمات والحياة اليومية والعلاقات الخارجية، وأن يراقبها مجلس نواب يحاسب أداءها العام، ويصدر التشريعات المنظمة لهذه الأعمال والمؤسسات. ولكن، ماذا سيفعل نوابٌ جاؤوا بأصوات عشائرهم، أو بلدتهم التي ولد فيها آباؤهم لأجل تطوير التعليم العالي، أو أزمة المواصلات والنقل، أو التغير المناخي أو الحكومات الإلكترونية؟