الانتخابات العراقية: موسم التحالفات الطائفية وترسيخ نفوذ المليشيات

15 يناير 2018
لا توقعات بتغيير كبير عن الانتخابات الماضية (إيمرا يورولماز/الأناضول)
+ الخط -


أفضى اتفاق سياسي مكتوب إلى تحالف جديد بين رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، وقائمة مليشيات "الحشد الشعبي" الانتخابية، "الفتح المبين"، بهدف المشاركة في الانتخابات المقبلة ضمن ائتلاف سياسي واحد، أطلق عليه "نصر العراق". أحدث هذا التحالف ما يمكن اعتباره تحولاً في المشهد السياسي العراقي، من ترقب خطوات لحل "الحشد الشعبي" وتوزيع عناصره على وظائف مدنية وعسكرية وأمنية، وصرف مكافآت للآخرين، إلى ترسيخ وجوده العسكري عبر التمثيل السياسي له.

في المقابل، بدت التحالفات السياسية الأخرى في العراق قبيل أقل من أربعة أشهر على انطلاق الماراثون الانتخابي لا تختلف بشكل عام عن الانتخابات السابقة التي أجريت في البلاد خلال السنوات الاثنتي عشرة الماضية، إذ تشكلت التحالفات الانتخابية طائفياً وقومياً، بل زادت صورة ضعف الأحزاب المدنية والعلمانية مقابل هيمنة الإسلامية، في ظل تحالف قوى مدنية مع أخرى إسلامية، أملاً بالحصول على مقاعد في البرلمان، مثل الحزب الشيوعي العراقي الذي دخل في تحالف مع "التيار الصدري" بزعامة مقتدى الصدر.

التحالفات الانتخابية الأبرز في العراق تمثّلت بثلاث قوى سنّية وشيعية وكردية، تليها تحالفات للمسيحيين والتركمان وقوى وأقليات أخرى في البلاد، من أبرزها، بحسب رئيس الدائرة الانتخابية في مفوضية الانتخابات رياض البدران، ائتلاف "نصر العراق" بزعامة العبادي و"الحشد الشعبي"، وائتلاف "دولة القانون" بزعامة رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، وتحالف "سائرون" بزعامة مقتدى الصدر والحزب الشيوعي وشخصيات ذات طابع مدني مثل سعد عاصم ومضر شوكت، و"تحالف الوطنية" بزعامة إياد علاوي وسليم الجبوري وأحزاب وكتل من الموصل والأنبار. كذلك برز تحالف "المشروع العربي" بزعامة نائب الرئيس الحالي أسامة النجيفي وخميس الخنجر ووزير التخطيط سلمان الجميلي وسبعة كتل وأحزاب سنّية أخرى، وتحالف ديالى، وتحالف الأنبار، وتحالف صلاح الدين وتحالف كردي في كركوك، وآخر في كردستان، وتحالف تركمان العراق، وتحالف عرب كركوك، وتحالف في سهل نينوى يضم قوى وأطرافاً مسيحية وآشورية وكلدانية مختلفة.

ويُلاحظ على التحالفات الجديدة ما يمكن وصفه بتقسيم المقسم طائفياً، إذ دخلت القوى السنّية في تحالفات ضيّقة منفصلة عن بعضها البعض عبر خمسة تحالفات، ثلاثة منها مناطقية في الأنبار ونينوى وديالى. وكذلك القوى الشيعية في أربعة تحالفات كبيرة، بينما تشرذمت القوى المسيحية في قائمتين، إحداهما تتصدر قرارها مليشيا "بابليون" المسيحية المدعومة من "الحشد الشعبي". والحال نفسه للأكراد، إذ دخلوا لأول مرة منذ بدء العملية السياسية في العراق بعد الاحتلال الأميركي بقائمتين، واحدة في كركوك والمناطق المتنازع عليها، وأخرى داخل إقليم كردستان.

وتتضمن أبرز بنود الاتفاق بين العبادي وقيادات "الحشد الشعبي"، الذي أفضى رسمياً إلى تحالف انتخابي لخوض الانتخابات، نقاطاً عدة يمكن اعتبارها في النهاية تبادل منفعة بين الطرفين أفضى إلى هذا التحالف، وفقاً لعضو بارز في حزب "الدعوة الإسلامية"، الذي يُعتبر أمينه العام مقرباً من نوري المالكي الذي بات أبرز الخارجين مبكراً من التنافس الانتخابي بسبب تحفظ القوى الشيعية الأخرى على التحالف معه انتخابياً وتدني شعبيته في الجنوب العراقي.

وبحسب المصدر ذاته، الذي تحدث عبر الهاتف مع "العربي الجديد"، فإن الاتفاق ينص على "تولي العبادي ولاية ثانية في رئاسة الوزراء، مقابل دعم هيئة الحشد الشعبي بكل فصائلها وعدم المس بكيانها العسكري المنفصل عن وزارتي الدفاع والداخلية"، موضحاً أن "الاتفاق برعاية إيرانية، كما أن الولايات المتحدة تعتبر بقاء العبادي حالياً أفضل لها وللمرحلة الحالية الهشة في العراق"، وفق قوله.


وتعليقاً على هذا الموضوع، قال الخبير في الشأن السياسي العراقي حسين الوائلي، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن "دخول العبادي مع الحشد الشعبي في قائمة واحدة كان متوقعاً على الرغم من أنه قد يكون تحوّلاً في مواقف العبادي التي كان يترجمها من خلال خطبه وتصريحاته التي تتحدث عن الدولة المدنية وحصر السلاح بيد الدولة"، معتبراً أن هذا التحالف "قد يكون في وجه من الوجوه إيجابياً، فوجود العبادي والحشد على رأس معسكرين قد يخلق مشاكل كثيرة مستقبلاً".
ورأى الوائلي أن "نجاح تفاهم الطرفين سياسياً قد تنتج عنه تفاهمات على الأرض في ما يتعلق بسلاح الحشد وقواته، لكن هذا لا ينفي أنه تحالف كرّس الطائفية السياسية في العراق ويثير القلق في نفوس السنّة والأكراد، كما أنه يشي ببرلمان جزء منه عسكري ديني تملك إيران فيه نفوذاً أكبر من البرلمان الحالي"، مضيفاً أن "الولايات المتحدة قد تكون فشلت في إقناع العبادي بالتحالف مع قوى أخرى مدنية وسنّية، والأمر يحيل إلى أن سياسة العبادي في حال حصل على ولاية ثانية قد تختلف عن سياسته الحالية التي اتسمت بالتوازن بعض الشيء".

من جهتها، قالت عضو البرلمان العراقي، القيادية في التيار المدني العراقي، شروق العبايجي، لـ"العربي الجديد"، إن "الشارع أصيب بخيبة أمل كبيرة، وكان ينتظر تحالفاً وطنياً مدنياً لا طائفياً من بين هذه التحالفات، وكان يعوّل بذلك على العبادي، الذي جاء تحالفه الحالي صادماً"، مضيفة: "تعود اليوم الوجوه والتحالفات الآلية الطائفية نفسها، وسيجعل ذلك العراقيين أمام حالة يأس من التغيير"، معتبرة أن "التحالفات أقيمت على أساس طائفي وقومي، والكتل الكبيرة ما زالت ضمن النهج الطائفي الذي عُرفت به".
أما الخبير في الشأن العراقي هشام الهاشمي، فقال تعليقاً على التحالف الجديد بين العبادي و"الحشد الشعبي"، إن "للبيت السياسي الشيعي سليماني يرتبه ويحميه"، في إشارة إلى إيران ودورها في التحالفات الحالية.

من جهته، أكد القيادي في جبهة "الحراك الشعبي" محمد عبد الله، لـ"العربي الجديد"، فشل جهود سعودية مماثلة لتوحيد القوى السنّية العراقية في قائمة واحدة، وكذلك التعويل على إخراج العبادي من سربه القديم، وفقاً لقوله. وأضاف: "حتى الأسماء التي اختير لها أن تكون عنواناً للتحالفات الانتخابية تشي بما في نفوس أصحابها، وكأنها أسماء لمعارك تاريخية وليست لتحالفات سياسية، مثل ثائرون والفتح والنصر والاستقامة والحق وسائرون وأحرار ومتحدون وغيرها".