مع اقتراب الموعد المحدد لبدء إجراءات الانتخابات الرئاسية في مصر، المقررة دستورياً في النصف الأول من العام المقبل، تسيطر على المشهد السياسي أربعة تيارات رئيسية متناقضة في منطلقاتها وأهدافها. وتسود حالة من الشك في إجراء هذه الانتخابات من الأصل، في ظل حملة تقودها وسائل الإعلام الموالية للنظام المصري، للترويج لبقاء عبدالفتاح السيسي رئيساً للجمهورية لفترة أطول، سواء أجريت الانتخابات أم لا، وضمان بقائه لمدة تفوق تلك التي ينص عليها الدستور. وهناك تياران يختلفان حول آلية دعم استمرار السيسي في الحكم لأطول فترة ممكنة، بينما هناك تياران آخران يعارضان سياسات النظام لكنهما يختلفان في ما بينهما، حول مدى أهمية وتأثير المشاركة السياسية والتصويت في حال إجراء الانتخابات.
وأوضحت المصادر أن دوافع أصحاب هذا الرأي ترتبط باعتبارات أمنية مفادها بأن البلاد لن تتحمل إجراء انتخابات رئاسية واسعة النطاق في ظل انشغال الجيش بالحرب على الإرهاب. وأضافت أن هؤلاء يتطلعون، انطلاقاً من تلك الذريعة الأمنية، إلى تعديل المادة 226 بالدستور التي تحظر المساس بالمادة الخاصة بمنع إعادة انتخاب رئيس الجمهورية أكثر من مرة، وإلى تعديل فترة الولاية (وهي مسألة لم يحصنها الدستور وتمثل ثغرة واضحة) بحيث تصبح الولاية 6 أو 8 سنوات، ولا تقتصر على 4 سنوات. ويرى هذا التيار أنه طالما لا بديل عن السيسي، ولا ضغوط تمارس في الوقت الحالي على النظام لاتخاذ مزيد من الخطوات ليصبح أكثر ديمقراطية واستيعاباً للمعارضين، فإنه لا حاجة لبذل مجهود إضافي لتجميل الاستحقاق الانتخابي. وفي ظل هذا الوضع، يعتقد هذا التيار أنه من المناسب إجراء تعديلات دستورية، إذ إن هناك العديد من المواد الدستورية التي تتطلب تعديلاً بعد أكثر من 3 سنوات على تطبيقها وعدم حصول النظام على المرجو منها، أبرزها الرغبة في السيطرة بالكامل على الهيئات القضائية وعلى رأسها المحكمة الدستورية العليا، وإحكام السيطرة على الصحافة ووسائل الإعلام، وتقليص القيود الخاصة بحريات المواطنين والتزامات الدولة في مجال مخصصات الصحة والتعليم. ويخلص هذا التيار إلى أن تعديل المواد الخاصة برئاسة الجمهورية سيكون "القاطرة" التي تفسح المجال لتعديل باقي هذه المواد على النحو الذي يرضي السيسي.
وأمام هذا التيار فرصة ذهبية لتمرير مشروع تعديل الدستور وإجراء الاستفتاء بدلاً من انتخابات الرئاسة، تتمثل في وجود مشروع جاهز بالفعل سبق وتقدم به النائب، إسماعيل نصرالدين، لتعديل مواد انتخاب الرئيس في فبراير/شباط الماضي. ولا يوجد إجرائياً ما يمنع تطوير الدستور وإعادته للمناقشة مرة أخرى، إذا أعطى السيسي لأفراد هذا التيار الضوء الأخضر لتحقيق ذلك.
أما التيار الثاني داخل فريق السيسي، فيرى أفراده أن إجراء الانتخابات ضرورة حتمية في عام 2018 على الأقل، لتحسين صورة النظام وإضفاء شرعية دستورية على تصرفاته المقبلة. ويعتبر أن هذه الانتخابات تتطلب بالتأكيد وجود منافس للسيسي، وهناك جهود حثيثة تبذل، بحسب المصادر، لإيجاد هذا المنافس، على أن يكون من داخل النظام نفسه أو شخصية معروفة في حزب غير معارض.
ويعتقد هذا التيار أن تأخر القوى السياسية المعارضة للسيسي كالناصريين واليساريين الحقوقيين في طرح شخصيات لمنافسته، يعود بشكل أساسي لتخوفهم من مغبة ذلك أمنياً، مما دفع بعض أفراد هذا التيار إلى محاولة إقناع دائرة السيسي بتخفيف الإجراءات الأمنية لدفع واحد على الأقل من رموز المعارضة لخوض الانتخابات. لكن هذه المحاولات التي بذلت بالتوازي مع وساطات قام بها بعض أعضاء "لجنة الخمسين" التي أعدت دستور عام 2014، اصطدمت برغبة السيسي في إغلاق المجال السياسي حالياً وبشكل نهائي أمام أي شخص يمكنه "استغلال مسألة التنازل عن جزيرتي تيران وصنافير بالتحديد".
أما الفريق المعارض للسيسي في الشارع السياسي الرسمي، فهو يتكوّن بشكل أساسي من مجموعات حزبية ومنظمات مدنية شاركت بالتأييد أو المساعدة الفعلية في الإطاحة بنظام "الإخوان المسلمين" عام 2013. لكن الفجوة بينها وبين النظام المصري زادت اتساعاً مع إصرار السيسي على تهميشها وتكوين طبقة حاكمة جديدة، تتشكل أساساً من القيادات العسكرية والاستخباراتية والأمنية، وباتخاذه قرارات أحدثت شقاقاً واضحاً في معسكر "30 يونيو/حزيران" المناهض لـ"الإخوان"، أبرزها التنازل عن جزيرتي تيران وصنافير.
وأشارت المصادر السياسية إلى وجود تيارين رئيسيين داخل هذا الفريق. الأول يضم القوى الناصرية ويسار الوسط والليبرالية، والتي كانت مؤيدة للسيسي واختلفت معه لأسباب سياسية لكنها لا ترغب في الخروج عن النظام السياسي الحالي أو العودة لعهد "الإخوان". والفكرة السائدة لدى هذا التيار هي ترشيح شخصية سياسية أو تكنوقراطية أو عسكرية سابقة للتعبير عن عدم رضا تلك القوى عن أداء السيسي، ولإحداث حراك في الشارع العادي مرة أخرى. وكشفت بعض المصادر أن عدداً من رموز التيار الناصري بدأت في التواصل مع شخصيات كالمرشح الرئاسي الأسبق، عمرو موسى، وعضو "لجنة الخمسين" الأسبق محمد أبوالغار، لتقريب وجهات النظر ووضع قائمة موحدة تضم عدداً من المرشحين المحتملين، والبدء في الضغط عليهم ومطالبتهم بترشيح أنفسهم، أو التوحد خلف شخصية واحدة. والشخصيات المستهدفة بالترشيح من وجهة نظر هذا التيار لن تكون معارضة بطبيعتها، بل يشترط أن تكون قريبة من الدولة أو كانت جزءاً منها في مرحلة السيسي أو ما قبله. وهذا يغلق الباب أمام شائعات واتهامات التخوين والعمالة، وفي الوقت ذاته تكون الشخصية التي ستترشح، ذات مواقف "محترمة من عموم الشعب المصري، ولها رصيد من النجاح في المهام التي أوكلت إليها سابقاً"، وفق ما ذكرت المصادر. وبحسب المصادر القريبة من هذا التيار، فإن المرشح الخاسر في الانتخابات السابقة حمدين صباحي، "ليس مطروحاً في الوقت الحالي على الإطلاق، لكنه يدعم ترشيح شخصية تكنوقراطية متفق عليها بين اليسار والليبراليين، كما يدعم أن تكون قضية تيران وصنافير حجر زاوية في المعركة الانتخابية ضد السيسي"، وفق المصادر.
أما التيار الآخر من داخل فريق المعارضة فيمكن حصره في اليسار الحقوقي الذي يمثله المرشح الرئاسي الأسبق خالد علي، والذي كان يعتبر قبل عدة أشهر المرشح الأول لخوض المنافسة مع السيسي. وإلى جانب حقيقة عدم وجود تنسيق بين هذا التيار وسابقه، فإن خالد علي لا يزال غير مستقر على قرار الترشح، في ظل رغبة بعض الأحزاب والمجموعات القريبة منه في مقاطعة العملية الانتخابية برمتها، وإعلان ذلك كرسالة سياسية ضد النظام الحاكم. وتعرض خالد علي لمضايقات أمنية عديدة منذ نجاحه في الحصول على أحكام متتالية ببطلان التنازل عن جزيرتي تيران وصنافير، وهي القضية التي وصلت حالياً ساحة المحكمة الدستورية العليا. إلاّ أن الضربة الأكبر له كانت اتهامه بالقيام بـ"فعل فاضح"، حين لوّح بإشارة مخلة بالآداب العامة بعد إحدى جلسات المحكمة. ولا تزال محاكمته جارية، وإذا صدر ضده أي حكم قضائي بهذه التهمة فلن يستطيع الترشح وفق القانون، كما أنه مهدد ضمن عشرات الحقوقيين الواردة أسماؤهم في تقارير الأجهزة الأمنية لقضية التمويل الأجنبي لمنظمات المجتمع المدني.
وبمعزل عن الآراء السابقة المتنازعة حول إجراء الانتخابات الرئاسية أو المشاركة فيها، لم تتفق الأجهزة الحكومية المعنية حتى الآن، على تشكيل الهيئة الوطنية للانتخابات، والتي من المفترض أن يشكل مجلس إدارتها من قضاة ممثلين للهيئات القضائية المختلفة، وأن تدعم بموظفين أساسيين ومنتدبين من وزارات مختلفة، بالإضافة لمنصب الأمين العام الذي سيكون المسؤول الأول عن إدارة الاستفتاءات والانتخابات وفق قانون الهيئة. وقال مصدر بمجلس الوزراء إنه لا توجد عجلة في تشكيل الهيئة في ظل غموض موقف الانتخابات، مؤكداً وجود خلافات بين الأجهزة الأمنية والاستخباراتية وكذلك في وزارة العدل حول الأسماء المرشحة لتولي المناصب الفعالة بهذه الهيئة. وأشار إلى أن "الخلافات ستنتهي لصالح الأقوى فور صدور تعليمات صريحة من السيسي أو مدير مكتبه بسرعة إعلان التشكيل"، وفق تعبيره.