الانتخابات الرئاسية الإيرانية: انسحاب قاليباف يسرق وهج الحملات الهجومية

16 مايو 2017
تجمّع انتخابي داعم لروحاني (فاطمة بهرامي/الأناضول)
+ الخط -
سرق انسحاب المرشح الإيراني المحافظ للانتخابات الرئاسية المقررة يوم الجمعة المقبل، محمد باقر قاليباف، لمصلحة المرشح المحافظ الآخر، إبراهيم رئيسي، الأضواء من المناوشات الانتخابية الحادة التي رافقت المناظرات الثلاث والسجال الانتخابي العام بين المرشحين الستة، الذين أصبحوا خمسة بعد انسحاب قاليباف، ويرجح أن يصبحوا اثنين فقط، حسن روحاني وإبراهيم رئيسي. ورغم أن إعلان قاليباف انسحابه كان متوقعاً في حسابات العديد من المراقبين، إلا أن مراقبين آخرين في إيران وخارجها كانت حساباتها تقوم على احتمال انسحاب رئيسي لمصلحة قاليباف وليس العكس، ذلك أن رئيسي يبقى المرشح الأبرز لخلافة المرشد، علي خامنئي. وقبل انسحاب قاليباف، شاء الرجل أن يكون هجومياً، لا بل عدائياً في حملته ضد روحاني تحديداً، ربما لتمهيد الطريق أمام رئيسي. 

وقد علت حدة الانتقادات والاتهامات المتبادلة بين مرشحي الانتخابات الرئاسية الإيرانية، المقررة يوم الجمعة المقبل، وباتت الاصطفافات أكثر وضوحاً، إثر وقوف الرئيس الحالي حسن روحاني مع نائبه الإصلاحي، إسحاق جهانغيري، في جبهة مواجهة لكل من محمد باقر قاليباف وإبراهيم رئيسي، الممثلين عن الجبهة الشعبية لقوى الثورة الإسلامية المحافظة.

في هذا السياق، باتت المواجهة على شاكلة معركة بين خطاب شعبوي تتبناه الجبهة المحافظة، وآخر نخبوي لجبهة تحالف الاعتدال والإصلاح، حسبما وصفه المحافظون من جهتهم. وتسبب الصراع بين الخطابين وتراشق الاتهامات بفتح النار، فباتت المسألة أبعد من مواجهة محافظة ـ معتدلة في استحقاق رئاسي، بل تعدتها لتصل إلى خلاف بين الحكومة والسلطة القضائية أولاً، وإلى عقدة قد تطفو على السطح بوضوح أكبر مستقبلاً بين روحاني والمؤسسة العسكرية، ثانياً.

في التكتيكات، اتّبع قاليباف أسلوباً هجومياً منذ المناظرة التلفزيونية الأولى، قبل نحو ثلاثة أسابيع تقريباً، ففتح كتاب تبادل التهم بين هؤلاء الأربعة، ما وسّع دائرة الخلاف بين الأجنحة الإيرانية. وخلال المناظرة الأخيرة التي جرت يوم الجمعة الماضي وبحثت عناوين المسائل والمشكلات الاقتصادية، وجه قاليباف أصابع اتهامه لجهانغيري قائلاً إن "هذا الأخير متورط بالموافقة على رشوة، كما اشترى عقارات في أماكن راقية من طهران وبأسعار بخسة". وطاولت هذه التهم روحاني كذلك. وما أن أنهى قاليباف كلامه، وخلال دقائق وجيزة، نشرت كل المواقع الموالية للمحافظين على مواقع وتطبيقات التواصل الاجتماعي الوثائق التي تثبت كلامه.

لم تقف الأمور عند هذا الحدّ، فقاليباف داعم بقوة لرئيسي في مهمته، خصوصاً أثناء جولات الأخير في القرى والأرياف، مركزاً على الفقراء. في المقابل، شنّ قاليباف هجوماً على روحاني، صاحب الخطاب النخبوي، على حد وصفه. واعتبر أن حكومته تسببت في ارتفاع نسب الفقر وزيادة الشرخ الطبقي في المجتمع خلال السنوات الأربع الأخيرة. وأشار إلى أن "4 في المائة فقط من الإيرانيين محسوبون على الطبقة الغنية، ومن هؤلاء دائرة روحاني"، التي كرّر وصفها بـ"الأرستقراطية". واتخذ جهانغيري كذلك موقفه الهجومي عبر كشفه عن ملفات جعلت مرشحي الجبهة المحافظة يتحولون لموقف المدافع في بعض الأحيان، وهو ما رفع من أسهم روحاني تدريجياً، بعد أن بدا في المناظرة الأولى ضعيفاً ومتوتراً. 


وسمّى جهانغيري مصارف ومؤسسات مالية متورطة في ملفات فساد، وتربطها علاقات مع بلدية طهران ومؤسسات عسكرية. كما قال إن "قاليباف استفاد من اللوبي المؤيد له ومنع جرّه لمحاسبته في البرلمان سابقاً"، نافياً كل اتهامات الأخير قائلاً إنه بحال أثبت امتلاكه "لأكثر من عقار واحد فسيمنحه إياها جميعاً". وكرّر روحاني الكلام عينه. مع ذلك، رفع قاليباف سقف تحديه لجهانغيري قائلاً بابتسامة: "أتمنى ألا تتراجع عن كلامك هذا حين تحاسب".

بدوره، قال المرشح "المعتدل"، صاحب أضعف الحظوظ، مصطفى هاشمي طبا، إنه "توجد 114 منصة رسمية متورطة بتهريب البضائع لإيران"، داعياً إلى متابعة هذه الملفات والكشف عن ملابساتها بشفافية بالغة. وأثارت كل هذه الأجواء حفيظة المرشح عن حزب مؤتلفة الإسلامي المحافظ، مصطفى ميرسليم، والذي دعا إلى الشفافية أيضاً ومحاربة الفساد، من دون أن يتقبل أسلوب كل من جهانغيري وقاليباف بالذات.

بعد هذه المناظرة الحامية، علّق رئيسي قائلاً إنه "يملك الكثير من الأدلة، لكنه لن يدخل في هذه الحرب الكلامية، ولن يكون كما غيره". وقد نال رئيسي حصة من وابل الاتهامات، حين خاطبه جهانغيري خلال المناظرة الأخيرة كذلك، داعياً إياه إلى توضيح ما فعله في الحقيقة لمحاربة الفساد والتهريب، وهو من تولى مناصب حساسة عديدة في السلطة القضائية لسنوات طوال، ويركز في دعايته الانتخابية على الفساد أولاً وعلى حال الفقراء ثانياً.

بوجود كل هذا التصعيد والتراشق، كان لتصريحات روحاني الأثر الأكبر، وخرجت ردود الفعل المتعلقة بها عن ساحة الانتخابات. فروحاني، المركّز على توصل حكومته إلى الاتفاق النووي مع الغرب بعد سنوات العزلة والحظر الاقتصادي، وهو ما حسّن معيشة الإيرانيين وطور الاقتصاد، بحسب رأيه، ما زال مصراً على أن "كل المشكلات التي يتحدث عنها منافسوه ما هي إلا إرث وصله من حكومة الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد".


قال روحاني صراحة إنه "يستغرب موقف الجهاز القضائي، الذي كان عليه متابعة تلك الملفات في زمن الحكومة السابقة"، فردّ عليه المتحدث باسم السلطة القضائية، غلام حسين محسني أجئي، بالقول إن "البعض يفضلون أسلوب التراشق بغية الحصول على أصوات أعلى في الانتخابات، مناقضين ومتناسين ما جاء على لسانهم في السابق".

وأكد أجئي، خلال تصريحات صادرة يوم الأحد، أن "القضاء يفخر بعدم تمرير أي ملف دون محاسبة ودون التعامل معه بحذافيره القانونية"، طارحاً على سبيل المثال التهم التي طاولت نائب الرئيس السابق، رضا رحيمي، القابع حالياً في السجن. وأضاف أن "السلطة القضائية سترد في الوقت المناسب على كل هذه التصريحات، وتفضّل في الوقت الراهن عدم رفع حدة التشنج الداخلي". وذكر أجئي أن "رواتب بعض المسؤولين الحكوميين قد ارتفعت بشكل خيالي خلال السنوات الأربع من رئاسة روحاني"، مشيراً إلى "ارتفاع الديون المصرفية والمستحقات المؤجلة خلال الفترة ذاتها"، وهو ما اعتبره روحاني سابقاً تقصيراً يقع على عاتق حكومة نجاد.

وهذه ليست المرة الأولى التي يقع فيها سجال بين روحاني والسلطة القضائية برئاسة صادق آملي لاريجاني، فقد صدرت تصريحات برلمانية دعمتها الحكومة سابقاً، اتهمت لاريجاني بامتلاك كل حسابات القضاء المصرفية، مطالبة بالشفافية، وهو ما أثار حفيظة كثر.

هذا التراشق يصبّ أيضاً ضمن معادلة صراع النخبوية ضد الشعبوية، فالمواطن الإيراني، سواء كان مؤيداً للمحافظين أو للمعتدلين والإصلاحيين معهم، سيقف أمام هذه الاتهامات وسينظر إليها. ففي الشارع هناك من يرى أن روحاني وحكومته لا يركزون إلا على الانفتاح على الخارج والتقارب مع الغرب، وهو ما يعني عدم التنبه لآلام الشارع المعيشية، وفي المقابل هناك من يعتبر أن هذه هي مفاتيح تحسين الوضع الاقتصادي.