منذ أن أعلنت لجنة صيانة الدستور الإيرانية، المُشرفة على العمليات الانتخابية في البلاد، التي تمنح الأهلية للراغبين بالترشّح لاستحقاقاتها، تقديم موعد الانتخابات الرئاسية بدورتها الـ12، باشر السياسيون استعداداتهم تحضيراً لهذا السباق، الذي لا يقلّ أهمية عن الدورات الانتخابية الماضية، وقد بدأ الحديث يدور عن أسماء الشخصيات التي ستتقدّم للتنافس في هذا الاستحقاق.
ستجري الانتخابات الرئاسية في 18 مايو/أيار المقبل، مع العلم أن موعدها كان مقرّراً في النصف الأول من شهر يونيو/حزيران المقبل، لكن وزارة الداخلية تقدّمت بطلب للجنة صيانة الدستور، لتقديم موعد الانتخابات، بسبب تزامن التاريخ السابق وشهر رمضان. وإلى ذاك الحين، ستدخل البلاد في أجواء انتخابية حامية الوطيس، صحيح أن التوقعات تُرجّح ترشح وفوز الرئيس المعتدل الحالي حسن روحاني، بدورة رئاسية ثانية، إلا أن هذا الأخير سيكون أمام تحديات صعبة، رغم أنه يحمل أوراق قوة في يده.
وقد استطاع روحاني في ولايته الرئاسية الحالية التوصل لاتفاق نووي مع الغرب، فحلّ عقدة أثقلت كاهل الإيرانيين لسنوات طويلة، تسبّب بها الحظر الاقتصادي، الذي أدّى لظروف معيشية قاسية. وعلى الرغم من أنه مرّ على الاتفاق عام كامل، ملغياً كل العقوبات، إلا أن الشارع الإيراني لم يلمس نتائجه بعد. وقد كانت نتائج الاتفاق نفسية أكثر مما هي عملية، وساد شعور لدى الجميع بأن حكومة الاعتدال استطاعت إبعاد شبح الحرب عن الإيرانيين، كما استطاعت أن تحتفظ بإنجازات البلاد النووية، كون الاتفاق سمح باستمرار النشاط النووي رغم كل المحددات والقيود التي فُرضت عليه.
نجحت حكومة روحاني أيضاً بالتحكّم بنسبة التضخم الاقتصادي، وأوقفت ارتفاع الأسعار بشكل مستمر. وهو ما أرهق كثرا في سنوات ماضية، لكن الأسعار لم تتراجع ولم تنخفض ولم تعد لسابق عهدها. ولم يستطع الرجل أن يحلّ مسألة البطالة، التي تربّعت كعنوان عريض في حملته الانتخابية السابقة. ويبدو أنه كان يعوّل على فتح فرص الاستثمار المحلي والأجنبي، لتوفير فرص عمل للشباب الإيراني، وهو ما لم يحدث بسبب معوقات خارجية بالدرجة الأولى، وبسبب عدم تطبيق الاتفاق النووي بشكله الكامل والمثالي.
المحافظون، لاسيما المتشددون منهم، بدأوا بالتركيز على هذه الملفات، وباتوا يعتبرون بأن الحكومة الحالية برئاسة روحاني، فشلت بتحقيق المطالب الشعبية والوعود الرئاسية، بل منحت الثقة للغرب، وتنازلت عن تطوير النووي مقابل عدم التزام الأطراف الأخرى المقابلة لإيران بتعهّداتها في الاتفاق. وفي الوقت عينه ما زالت الولايات المتحدة تضع العراقيل بوجه اتصال النظام المالي الإيراني بالنظام العالمي، بل وتنوّه إلى احتمال فرض عقوبات جديدة، باستخدام مبررات غير النووي، كما يرى المحافظون.
وعلى الرغم من أن هذه الأفكار تحظى بتأييد شريحة معينة في الشارع الإيراني، لكن مشكلة المحافظين تكمن في عدم إجماعهم على شخصية واحدة، تستطيع أن تُشكّل منافساً حقيقياً لروحاني. وقد توقع البعض في الداخل، أن يصل الأمر لتأييد الطيف المعتدل من التيار المحافظ لترشح روحاني، وهو ما سيجعل فوزه سهلاً بهذه الحالة.
في هذا السياق، وفي لقاء مع وكالة "فارس" الإيرانية، قال عضو حزب "كوادر البناء" الإيراني محمد عطريانفر، إنه "من المتوقع أن تعود شخصيات محافظة جرّبت حظوظها في انتخابات رئاسية سابقة، للتنافس في الاستحقاق المقبل، لكن الأصوات ستكون موزّعة فيما بينها، وستكون جميعها أمام اختبار صعب، إلا بحال إجماع هذا التيار على واحد منهم".
وتوقع عطريانفر أن "يتقدم للترشح كل من مستشار المرشد للشؤون الدولية علي أكبر ولايتي، رئيس البرلمان علي لاريجاني، أمين مجمع تشخيص مصلحة النظام محسن رضائي، ورئيس بلدية طهران محمد باقر قاليباف، وكلهم ممن شاركوا في الاستحقاقات الرئاسية الأخيرة". ورشّح أن "يكون التنافس بين كل من ولايتي ولاريجاني ضد روحاني أمرا صعبا، لا سيما أنهما من الشخصيات ذات الوزن الثقيل في البلاد، التي تدعو قولاً وعملاً لتحقيق التقارب بين التيارات السياسية، كما أنها مرنة للغاية مع تيار الاعتدال الحاكم حالياً".
أما بالنسبة لقاليباف ورضائي، فستكون الأمور صعبة عليهما أيضاً، وهما من خسرا في الاستحقاقات الماضية. فالأول الذي يترأس بلدية طهران منذ سنوات، يتعرّض لانتقادات عديدة في الداخل، بسبب ملفات لها علاقة بطريقة عمله، والثاني الذي كان يقود الحرس الثوري في سنوات ماضية، عاد وبات أقرب للعسكر منه إلى السياسة.
يبرز كذلك اسم أمين مجلس الأمن القومي السابق سعيد جليلي، الأقرب في توجهاته للرئيس المحافظ السابق محمود أحمدي نجاد. يُعدّ الرجل سياسياً محنّكاً لكنه متشدد بشكل خاص، وهو ما قد لا يكسبه أصوات شريحة معينة وواسعة في الشارع، رغم أنه قد يكون خياراً أخيراً للمحافظين.
وذكر عطريانفر أنه "يتوقع أيضاً أن يترشح نائب رئيس مجلس الشورى الإسلامي السابق محمد رضا باهنر لهذا المنصب، فهو شخصية محافظة متزنة وعمل في البرلمان لسنين طويلة، ويحظى بتأييد محافظ. ولكنه قد يكون الخيار الأنسب ليس في مواجهة روحاني خلال الاستحقاق المقبل، بل في الانتخابات التي ستليه في عام 2021". وقد نفى باهنر، أن يكون لديه نية لخوض الاستحقاق العتيد، وفقاً لتصريحات نقلتها عنه وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية، أمس الاثنين.
لكن ما يلفت أكثر، هو ظهور أحمدي نجاد على الساحة من جديد، وقد عقد اجتماعاً مع مواليه قبل أيام، ركّزت عليه الصحافة الإيرانية، ويتوقع كثر أن يفاجئ الرجل الجميع ويقدم ترشيحه للانتخابات الرئاسية المقبلة. وإن حدث الأمر، سيواجه نجاد صعوبات في العبور من فحص صيانة الدستور لملفه أولاً، وهو الذي وُجّهت له ولمعاونيه ولشخصيات مقرّبة منه تهم بالتورط بقضايا فساد، وإن حدث وحصل على أهلية الترشح، لا يمكن تجاهل أن بينه وبين بقية المحافظين خلافات كثيرة، برزت في دورته الرئاسية الثانية التي انتهت في 2013.
والجدير بالذكر أن نجاد أنهى دورتين رئاسيتين، وهو مثقل بالملفات والمشكلات، وتسبب هو ومن أحاط به بحصول شرخ في التيار المحافظ، وحتى أنه أسس لطيفٍ جديد بات يُسمّى اصطلاحاً بـ"المحافظين الجدد"، وذلك بسبب خلافات تتعلق بملفات فساد، وحتى بسبب موقفه المتعنت من الإصلاحيين بعد أزمة عام 2009، بالإضافة لموقف اتخذه من قرار للمرشد الأعلى علي خامنئي، حين قبِل الرئيس السابق استقالة وزير الاستخبارات في حكومته، غلام حسين محسني اجئي، قبل أن يعيده المرشد لمنصبه. بعدها تغيّب أحمدي نجاد عن جلسات الحكومة لأيام وهو ما فتح النار عليه. إلا أن نجاد ما زال يتمتع بشعبية عالية في الأرياف والضواحي والقرى، وعدد ساكنيها كبير، وتستطيع أصوات هؤلاء أن تقلب الموازين إذا ما وصل نجاد لمراحل نهائية في الانتخابات، وهو ما سيضع روحاني أمام تحد صعب. ويرى بعض المحافظين، لا جميعهم، أن لنجاد حظوظاً كبيرة، وقد نقل موقع نادي الصحافيين الشباب عن النائب في البرلمان روح الله حسينيان، قوله إن "أحمدي نجاد سيحطم الأرقام القياسية خلال انتخابات العام المقبل". وعند سؤاله عن العراقيل التي قد تواجه الرجل حين ستدرس لجنة صيانة الدستور طلبه، اعتبر حسينيان أنه "لا توجد أي مبررات حقيقية قد تمنع الرئيس السابق من خوض الاستحقاق العتيد"، معتبراً أنه "خدم الإيرانيين لثماني سنوات وتقرّب من الشريحة الضعيفة في المجتمع الإيراني وهو ما يجعل حظوظه قوية"، حسب رأيه. ويركّز حسينيان على أن الشريحة المؤيدة لأحمدي نجاد محسوبة على الطبقة المتوسطة والفقيرة، مؤكداً أنه "لا يحظى بتأييد الشريحة السياسية في الوقت الراهن، لكن الأهم خلال الانتخابات الرئاسية هو أصوات المقترعين في الصناديق".
لكن الإصلاحي عباس عبدي، يرى في حوار مع صحيفة "اعتماد" الإيرانية نُشر يوم الأحد، إن "نجاد لا يُشكّل تهديداً حقيقياً لروحاني، فالثقل كلّه مركّز بيد هذا الأخير"، معتبراً أن "الدعم الذي ناله نجاد خلال انتخابات عام 2009، التي انتهت بأزمة الحركة الخضراء، لم يعد متوافراً اليوم".
وفي الوقت الذي يلاحظ الكل في الداخل الإيراني، عدم اتفاق هيئة الإذاعة والتلفزيون الإيرانية مع سياسات حكومة الاعتدال، وهي المنبر الذي يؤدي دوراً كبيراً في التأثير على آراء المجتمع، يعتبر البعض أن وجود مواقع التواصل الاجتماعي سيساعد روحاني كثيراً بحال خاض معركته مع نجاد بالذات. ويشير عبدي إلى أن "المشكلة التي ستواجه روحاني، تتعلّق به وبسياساته، وعليه العمل بشكل مكثف، لتجاوز ما تبقى من مشاكل تهمّ الشارع، أو إيجاد سيناريوهات للتعامل معها خلال الفترة الانتخابية المنتظرة".
أما بالنسبة للتيار الإصلاحي، فكثر يتوقعون أن تدعم شخصياته روحاني مجدداً، فهو الذي وفّر لهم فرصة العودة لمراكز صنع القرار بعد غياب استمر لسنوات. وخلال السباق الرئاسي الأخير، انسحب مرشح الإصلاح محمد رضا عارف، من السباق لصالح روحاني، ونال هو ذاته المرتبة الأولى عن دائرة العاصمة طهران خلال الانتخابات التشريعية التي جرت في فبراير/شباط الماضي. وهو ما يجعل الأصوات التي قد تصبّ لصالحه كثيرة بالفعل. لكن السؤال المطروح هو ما إن كان سيختار رضا عارف التنافس مع روحاني، وبهذه الحالة سيدل الأمر على وجود امتعاض إصلاحي حقيقي من التيار المعتدل، الأمر الذي ظهر خلال انتخابات رئاسة البرلمان الأخيرة، التي تنافس فيها عارف ولاريجاني، قبل فوز الأخير بسهولة، بفعل تصويت المعتدلين له، رغم دخولهم للاستحقاق التشريعي بقوائم مشتركة مع مرشحي الإصلاح.
بدورها، تنقل صحيفة "أرمان" عن النائب الإصلاحي السابق فاضل موسوي، قوله في وقت سابق، إن "روحاني سيستفيد كثيراً من الملف النووي، لكن الحكومة ما زالت تتحرك ببطء على صعيد حل المشاكل الأخرى"، منوّهاً إلى أن "هناك سبع شخصيات إصلاحية تنوي الترشح للانتخابات، إلا أنه لا يوجد لدى قيادات التيار ورموزه إجماع على شخص معين". ويلفت إلى أن "هؤلاء لا يريدون تصفية الحسابات مع تيار الاعتدال، لكن ترشّحهم يعني أن الإصلاحيين نضجوا سياسياً من جديد بعد سنوات من الغياب"، معتبراً أن "في انفصال عارف ومؤيديه عن روحاني مخاطرة كبيرة بالفعل".
من ناحية ثانية، يطرح كثر سيناريو أن تتقدم للترشح شخصيات معتدلة كذلك، منهم وزير الخارجية، "محقق النصر النووي" عملياً محمد جواد ظريف، بالإضافة إلى نائب الرئيس إسحاق جهانغيري، وأمين مجلس الأمن القومي علي شمخاني، ومدير مكتب الرئاسة محمد نهاونديان، والمتحدث باسم الحكومة محمد باقر نوبخت.
بالإضافة لهؤلاء، يتوقع آخرون أن يتقدم النائب علي مطهري بترشحه، وهو المحسوب على المحافظين، ولكنه على خلاف مع طيف واسع منهم. كما أنه تقدم للانتخابات التشريعية الأخيرة في قوائم الإصلاحيين وفاز بسهولة بمقعده البرلماني. وبوجود كل هذه الأسماء، في الانتخابات الرئاسية الإيرانية، التي تبدأ عادة بتسجيل عدد كبير من الأسماء، ستختار لجنة صيانة الدستور عدداً منها وترفض عدداً أكبر، وينسحب آخرون في مراحل لاحقة، ليبقى التنافس بين عدد محدود في نهاية الأمر.