وقطع حسْم بوتفليقة مسألة إجراء الانتخابات الرئاسية المقبلة في موعدها المقرّر دستورياً، سيلاً من الشكوك التي راجت خلال الأشهر القليلة الماضية، عن إمكانية إرجاء انتخابات الرئاسة لمدة سنة وتمديد العهدة الرئاسية عبر تعديل الدستور. وفي حين أعطى الرئيس انطباعاً بأنه يحترم المواعيد الدستورية والانتخابية، إلا أنه احتفظ لنفسه بقرار ترشحه لولاية خامسة من عدمه، وهو القرار الأبرز والأكثر أهمية بالنسبة للداخل الجزائري ولشركاء الجزائر الدوليين، والذين سيكون عليهم انتظار مزيد من الوقت لمعرفة المستقبل السياسي للبلاد.
وإذا كان إعلان بوتفليقة عن تحديد تاريخ الانتخابات الرئاسية يلغي جملة من السيناريوهات التي كانت مطروحة في الأشهر الأخيرة بشأن إمكانية عقد مؤتمر وفاق وطني كان مقرراً في العاشر من يناير/ كانون الثاني الحالي، للتوافق على تأجيل محتمل للانتخابات الرئاسية، ضمن سيناريو تعديل دستوري يمنح الرئيس بوتفليقة إمكانية تمديد عهدته الحالية لسنتين إضافيتين، فإنّ ما يتبقى للمرحلة المقبلة سيناريوهان فقط.
ويتعلق السيناريو الأول بتوجّه بوتفليقة للترشّح لولاية خامسة، وهو الاحتمال المرجّح بحسب المعطيات السياسية التي كشفت عنها تسريبات سياسية ومؤشرات عدة، بينها عودة أحزاب السلطة التي تشارك في الحكومة، (جبهة التحرير الوطني التي يقودها رئيس البرلمان معاذ بوشارب، التجمع الوطني الديمقراطي الذي يقوده رئيس الحكومة أحمد أويحيى، حزب تجمع أمل الجزائر الذي يقوده وزير الأشغال العمومية السابق عمار غول، والحركة الشعبية الجزائرية التي يقودها وزير التجارة السابق عمارة بن يونس)، إلى الدعوة لولاية خامسة لبوتفليقة، بعد فترة من سحب هذا الخطاب واستبداله بفكرة استمرارية السياسات "البوتفليقية". وتضاف إلى ذلك التقارير التي تتحدّث عن عدم وجود توافق بين أقطاب السلطة على المخارج الممكنة لخلافة بوتفليقة، واعتراض الجيش على اعتلاء رئيس الحكومة أحمد أويحيى سدة الحكم، إضافة إلى ما نشرته "العربي الجديد" بشأن وثيقة سياسية داخلية لحركة "مجتمع السلم" (إخوان الجزائر) والتي كُشف فيها النقاب عن مخاوف لدى عائلة بوتفليقة أبلغ عنها السعيد بوتفليقة، شقيق الرئيس ومستشاره الخاص، من انتقام سياسي في حال انتقلت السلطة إلى مجموعة أخرى في الحكم.
وإلى جانب ما يمكن أن يثيره ترشّح بوتفليقة لولاية خامسة من مشاكل داخلية على صعيد مواقف قوى سياسية ومدنية تعارض هذا الترشّح وسبق لها تنظيم احتجاجات ميدانية قبل أسابيع، كتكتل "مواطنة" الذي يضم عدداً من القوى والشخصيات المدنية والسياسية، فإنّ ترشّح بوتفليقة سيجعل من انتخابات إبريل المقبل استحقاقاً بارداً سياسياً، على غرار انتخابات 2009 التي لم يترشح فيها أي منافس جدي لبوتفليقة، وانتخابات 2014 التي كانت انتخابات بدون أي رهانات. كما سيدفع ذلك الكثير من القوى والشخصيات السياسية إلى التراجع عن فكرة الترشح للانتخابات الرئاسية ومقاطعتها، كرئيس الحكومة الأسبق علي بن فليس، ورئيس حركة "مجتمع السلم" عبد الرزاق مقري، ورئيس "جبهة العدالة والتنمية" عبد الله جاب الله، وذلك لكونها انتخابات محسومة لصالح بوتفليقة الذي سيجد نفسه أمام مرشحين غير جديين، على غرار الأسماء الأربعة التي أعلنت مبدئياً ترشحها، وهم رئيس "جبهة المستقبل" عبد العزيز بلعيد، رئيس "الحركة الديمقراطية الاجتماعية" فتحي غراس، رئيس "حزب التجمع الجزائري" علي زغدود، وناصر بوضياف نجل الرئيس السابق محمد بوضياف.
وأمام سيناريو ترشّح بوتفليقة، يطرح بدرجة أقل سيناريو مقابل، ويتعلّق بإمكانية أن يشرف الرئيس الحالي على الانتخابات بدون أن يكون مرشحاً لها، مع دعمه بشكل غير معلن لمرشح محدد تختاره وتتوافق عليه الأقطاب الفاعلة في السلطة. وبرأي الكثير من المراقبين، فإنّ هذه الانتخابات تعدّ فرصة مناسبة لانتقال سلس للسلطة من جيل الثورة إلى جيل الاستقلال، في ظروف طبيعية ودستورية تضمن سلامة البلاد. ويستند هذا السيناريو إلى الوضع الصحي الصعب لبوتفليقة، ومدى إمكانية إقناعه من قبل المقربين بضرورة ترك الحكم، إلى جانب رغبة الشركاء الدوليين للجزائر في أن تقرر السلطة في البلاد إحداث بديل في هرم الدولة، يكون المخاطب الرسمي للجزائر أمام شركائها وفي المحافل الدولية، اذ يتعذر في الغالب على بوتفليقة مقابلة الشخصيات الأجنبية المهمة التي تزور الجزائر. لكن هذا السيناريو يبقى تحققه ضعيفاً، بالنظر إلى طبيعة شخصية بوتفليقة نفسه، وعدم وجود توافق حتى الآن بين الأقطاب المؤثرين في الحكم على خليفته المفترض.
وخلال اليومين المقبلين، سيتم رسمياً فتح باب الترشح للانتخابات الرئاسية من قبل المجلس الدستوري، الذي سيعلن عن الترتيبات المتعلقة بالترشّح وإيداع الملفات وجمع التفويضات، إذ يتعيّن على المرشحين جمع 600 توقيع وتفويض بالترشّح من المنتخبين في البرلمان والمجالس المحلية، أو 60 ألف توقيع لمواطنين من 25 محافظة.
وبحسب بيان الرئاسة الجزائرية الذي أقرّ تحديد تاريخ الانتخابات في 18 إبريل المقبل، فإنه سيتم بناءً على ذلك إجراء مراجعة استثنائية للقوائم الانتخابية في الفترة بين 23 يناير إلى السادس من فبراير/ شباط المقبل، بهدف حذف الأشخاص المتوفين منها، وتسجيل الناخبين الجدد من الشباب. وقد أعلن وزير الداخلية الجزائري، نور الدين بدوي، أول من أمس الخميس، أن وزارة الداخلية والهيئات المكلفة بتنظيم الانتخابات جاهزة لإجراء هذا الاستحقاق، موضحاً أنّ "كل الإمكانيات البشرية والمادية جاهزة لذلك، والجزائر تحوز على الوسائل التكنولوجية كافة لإتمام الأمر".
وفي وقت سابق، ذكرت مصادر عسكرية لـ"العربي الجديد"، أنّ الجيش الجزائري قرّر رفع مستويات اليقظة تزامناً مع بدء تنفيذ المرحلة التمهيدية من خطة تمتد على مدار ثلاثة أشهر لتأمين الانتخابات الرئاسية المقبلة في محيط المدن والبلدات الداخلية والقريبة من الجبال. إذ تبدأ المرحلة الأولى عشية استدعاء الهيئة الناخبة، ثمّ تأتي مرحلة الحملة الانتخابية، وأخيراً مرحلة الصمت الانتخابي والاقتراع.
ومع مرور الوقت، ستتضح الكثير من المعطيات التي ستسهم بدورها في توضيح الأفق السياسي للبلاد، خصوصاً في يتعلّق بما إذا كانت الجزائر ستستمرّ في الوضع الراهن برئيس متعب صحياً، أم أنها ستكون أمام حركة تغيير ونقل للرئاسة بعد 20 سنة من حكم بوتفليقة.