الانتخابات التشريعية الإيرانية: حماسة المحافظين يقابلها عزوف الإصلاحيين

10 ديسمبر 2019
قد ينسحب واقع الانتخابات التشريعية على الرئاسيات (فرانس برس)
+ الخط -
تتجه إيران نحو انتخابات تشريعية في فبراير/شباط المقبل، يبدو أن المنافسة فيها ستنحصر بشكل أساسي بين المحافظين وسط عزوف لدى الإصلاحيين عن خوض السباق وبروز دعوات من قبل البعض في هذا المعسكر إلى مقاطعة الاستحقاق. واستدعى هذا الأمر، رداً ضمنياً أمس الإثنين، من الرئيس الإيراني حسن روحاني، الذي اعتبر أن من يقول إن لا جدوى من الانتخابات "ليس حريصاً على الناس"، داعياً إلى المشاركة من أجل "اختيار الأفراد الكفوئين وترسيم مستقبل أفضل للدولة". 

16145 مرشحاً

أعلنت وزارة الداخلية الإيرانية، أول من أمس الأحد، ترشح 16145 شخصاً للانتخابات التشريعية المقرر إجراؤها في 21 فبراير/ شباط المقبل، للتنافس على 290 مقعداً برلمانياً في 208 دوائر انتخابية على مستوى إيران، أكثرها حساسية، هي دائرة العاصمة طهران، البالغ عدد مقاعدها 30 مقعداً، والتي ترشح لها 3293 شخصاً. وجاء الإعلان عن هذه الأرقام، بعدما أغلقت وزارة الداخلية مساء السبت الماضي باب الترشح، لانتهاء المهلة.

وقال رئيس لجنة الانتخابات التابعة للوزارة، محمد جمال عرف، الأحد، خلال مؤتمر صحافي، إن من بين المرشحين، 5464 شخصاً هم موظفون في أجهزة الدولة، و90 عسكرياً و633 نائباً سابقاً. كما أشار إلى أن 248 نائباً من أصل 290 ترشحوا أيضاً لانتخابات الدورة الحادية عشرة لمجلس الشورى الإسلامي الإيراني (البرلمان).

وحول الفئات العمرية للمرشحين، قال عرف إن 3209 مرشحين تتراوح أعمارهم بين 36 و40 عاماً، و2831 شخصاً بين 41 و45 عاماً. كما أن أقل مشاركة، ترشحاً، كانت بين الفئة العمرية من 71 إلى 75 عاماً، بـ61 شخصاً. وأضاف رئيس لجنة الانتخابات التابعة للداخلية الإيرانية، أن 88 في المائة من المرشحين رجال و12 منهم نساء. ويحق لنحو 56 مليون إيراني التصويت في الانتخابات البرلمانية المقبلة، والتي تُجرى بالتزامن معها الانتخابات التكميلية لمجلس خبراء القيادة، المنوطة به دستورياً مهمة انتخاب المرشد الأعلى لإيران. يُذكر أن القائمة النهائية للمرشحين، سيعلن عنها لاحقاً مجلس صيانة الدستور الإيراني، وهي مؤسسة سيادية، ينيط بها الدستور مهمات متعددة، منها الإشراف على الانتخابات وتقييم المرشحين والموافقة على أهليتهم للترشح لخوض السباق الانتخابي.


انتخابات حساسة

تأتي هذه الدورة المرتقبة من الانتخابات التشريعية في إيران في ظلّ معطيات داخلية وخارجية بالغة الأهمية، ما يجعلها تحمل طابعاً حساساً، إذ إنها أول انتخابات عامة تشهدها البلاد بعد دخول الصراع مع الولايات المتحدة مرحلة هي الأكثر خطورة على مدى الـ40 سنة الماضية، على خلفية احتدامه إثر انسحاب إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب من الاتفاق النووي في مايو/أيار 2018، وما تبعه من عقوبات قاسية وشاملة فرضتها واشنطن على إيران. ولحقت الخطوة الأميركية جولات تصعيد متلاحقة بين الطرفين وحلفائهما في المنطقة وساحات المواجهة فيها، بما في ذلك مياه الخليج، كادت أن تنتهي في حالاتٍ إلى مواجهة عسكرية.

وكانت لاستراتيجية الضغوط القصوى الأميركية على مدى 19 شهراً منذ الانسحاب من الاتفاق النووي، تداعيات كبيرة على الداخل الإيراني، سياسياً واقتصادياً، إذ إنها وضعت طهران في ظروف صعبة، تعتبرها الأخيرة أصعب من تلك التي مرّت بها خلال سنوات الحرب الإيرانية - العراقية. لكن إيران ترى أن لا خيار أمامها في مواجهة العقوبات الأميركية سوى الصمود وفق سياسة "المقاومة الفعالة"، معتبرة أن خيار إعادة التفاوض مع الإدارة الأميركية لن يرفع عنها الضغوط، بل سيزيدها، ولذلك فهي تصر على رفض أي عملية تفاوض قبل إلغاء واشنطن كل العقوبات المفروضة عليها.

رفع حظوظ المحافظين

ولم تشهد أيام الترشح للدورة الحادية عشرة للانتخابات التشريعية، الحماسة نفسها التي كان يبديها التيار الإصلاحي خلال الدورات السابقة، حين كانت تخرج دعوات منظمة ومكثفة من هياكل قيادية فيه، تحث أنصار التيار على الترشح بكثافة لهذا الاستحقاق. ويأتي تراجع ترشح الإصلاحيين على وقع دعوات خرجت خلال الفترة الأخيرة من المعسكر نفسه، دعت إلى مقاطعة الانتخابات، وسط تأكيد آخرين منهم أن هذا الخيار ليس حلاً.

وحتى دعوة الرئيس الإيراني الأسبق محمد خاتمي الإصلاحيين للتسجيل للمشاركة في الانتخابات جاءت مختلفة عن سابقاتها، إذ إنها لم تعلن عبر بيان، بل خرجت عبر حث شخصيات إصلاحية في طهران خلال اجتماع بالترشح.

هذه المطالبة لم تقنع حتى النائب البرلماني محمد رضا عارف، رئيس المجلس الأعلى للإصلاحيين، للترشح مجدداً لانتخابات مجلس الشورى الإيراني، إذ بات من أبرز الوجوه الإصلاحية التي عزفت عن خوض السباق. لكن عارف عمد قبل أيام إلى ترشيح عدد من القياديين والنشطاء الإصلاحيين، تلبية لنداء خاتمي الخافت؛ منهم عضو مجمع تشخيص مصلحة النظام، مجيد أنصاري، والأمين العام لحزب اتحاد الشعب، علي شكوري راد، والنائب الحالي عن طهران إلياس حضرتي، والنائب السابقة طيبة سياوشي، والأمينة العامة لمجمع النساء المسلمات المتنورات، وفاطمة راكعي، والناشط السياسي إبراهيم إصغر زاده وآخرون.

ومن شأن تململ الإصلاحيين، وخفوت حماستهم لـ"التشريعيات"، أن يرفعا حظوظ المحافظين لاكتساح نتائج الانتخابات البرلمانية المقبلة، ليشكلوا برلماناً محافظاً بامتياز، ليس لأن الأصوات المؤيدة للإصلاحيين ستذهب في سلّتهم الانتخابية، وهذا مستبعد، بل لأن لديهم شريحة انتخابية ثابتة، تصوت لصالحهم أياً كانت الظروف، مع احتمال تراجع أصواتهم لدى الشريحة المتغيرة في الأرياف الإيرانية، التي تأثرت كثيراً بالظروف الاقتصادية الصعبة.

إلى ذلك، قد ينسحب هذا الوضع على الانتخابات الرئاسية المقرر إجراؤها في العام 2021، إذا بقي الإصلاحيون على موقفهم وتشتتهم وعدم تنظيمهم، ليسيطر المحافظون أيضاً على المؤسسة التنفيذية.

ودفع المحافظون وجوهاً بارزة نحو خوض الانتخابات التشريعية المقبلة، في مقدمها، المرشح الرئاسي السابق محمد باقر قاليباف عن طهران، وسط تكهنات باحتمال ترؤسه البرلمان خلال دورته الجديدة الحادية عشرة.

في المقابل، كان الرئيس الحالي للبرلمان علي لاريجاني من أبرز الوجوه المحافظة التي غابت عن الترشح، وهو شخصية معتدلة. وأكد أخيراً أن 12 عاماً من النيابة ورئاسته البرلمان تكفيه. كما نفى لاريجاني أن يكون لديه برنامج للانتخابات الرئاسية المقبلة، لكن راجت توقعات خلال الأيام الماضية في الأوساط السياسية الإيرانية، بأن هناك توافقاً سرّياً بين المحافظين، ليترأس قاليباف السلطة التشريعية، ولاريجاني السلطة التنفيذية عبر دعمه في الانتخابات الرئاسية المقبلة.



أسباب العزوف "الإصلاحي"

ثمة أسباب ممتدة وعاجلة تقف خلف عزوف الإصلاحيين عن الدفع بقوة باتجاه الترشح لهذه الدورة من انتخابات مجلس الشورى الإسلامي، منها حالة ترهل وضعف وتشرذم قد أصابتهم خلال العقد الأخير، لا سيما بسبب المشاكل والتحديات التي أصبحوا يواجهونها منذ احتجاجات "الحركة الخضراء" عام 2009 على خلفية نتائج الانتخابات الرئاسية التي جاءت بالرئيس المحافظ محمود أحمدي نجاد. يومها وضع المرشحان الرئاسيان الخاسران، مير حسين موسوي ومهدي كروبي، قيد الإقامة الجبرية، وفُرِضت قيود على تحركات الرئيس الإصلاحي محمد خاتمي. كما أبعدت تداعيات تلك الاحتجاجات قياديين إصلاحيين مؤثرين عن حلبة الانتخابات البرلمانية أو الرئاسية لاتهامهم بالضلوع في "فتنة 2009"، وهي تسمية يطلقها التيار المحافظ على أحداث ذلك العام.

أمام هذا الوضع، دفع التيار الإصلاحي خلال انتخابات عام 2015 للبرلمان، مرشحين غير معروفين، خصوصاً في العاصمة طهران، لتجاوز "فيتو" مجلس صيانة الدستور وعدم رفض أهليتهم، ما مكّنه من اكتساح نتائج هذه الانتخابات في طهران بفضل الدعم الشعبي القوي، وحصل على المقاعد الـ30 المخصصة للعاصمة ضمن أكثر من 100 مقعد سيطر عليها في البرلمان من أصل 290، فيما ذهبت بقية المقاعد للمستقلين والمحافظين. لكن أداء هؤلاء النواب الإصلاحيين لم يرتق خلال السنوات الماضية إلى مستوى مطالب الشارع المصوت لهم، وحتى بعضهم انقلب على التيار، وضمّ صوته إلى الصوت المحافظ في مواقف متعددة داخل البرلمان.

إلى ذلك، وبينما يعتبر الإصلاحيون أن سلوك مجلس صيانة الدستور في مناقشة أهلية المرشحين يحول دون أن يكون لهم حضور قوي بالبرلمان، ويمنع قيادييهم البارزين من خوض حلبة السباق الانتخابي، رأت صحيفة "الشرق" الإصلاحية، في عددها الصادر أول من أمس الأحد، أن ذلك ليس كل المشكلة، معتبرة أن جزءاً من الأسباب يعود إلى عدم قدرة الإصلاحيين أنفسهم على إنتاج كوادر شابة مؤثرة منتمية إلى هذا التيار، ومؤمنة في الوقت ذاته بعملية الإصلاح "قلباً وقالباً"، وكذلك إلى انعدام منهج واضح في جبهة الإصلاحات.

أما بالنسبة للأسباب العاجلة، فهي ترتبط بتداعيات الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي، وما تبعه من عقوبات شاملة على الوضع الداخلي في إيران سياسياً واقتصادياً، إذ إنها وضعت حكومة الرئيس الإيراني حسن روحاني، والإصلاحيين الداعمين لها، في وضع محرج أمام جماهيرهم والقوى المنافسة لهم، كون ترامب قد أطاح بأهم إنجاز للحكومة المدعومة من الإصلاحيين في السياسة الخارجية، أي الاتفاق النووي. وكان روحاني وعد الإيرانيين حين جرى التوصل إلى الاتفاق عام 2015 بأنه بداية مرحلة ازدهار اقتصادي في البلاد، لكن عودة العقوبات الأميركية قضت على هذا الحلم. واستهدفت هذه العقوبات كل مفاصل الاقتصاد الإيراني، وتسببت بتراجع حاد للعملة المحلية بنسبة 150 في المائة؛ ما أدى إلى ارتفاع هائل في أسعار السلع والخدمات، وتقليل القوة الشرائية للمواطنين الإيرانيين بشكل كبير. هذا الوضع بات يثقل كاهل المواطن الإيراني، لينفجر غضباً عندما قررت السلطات الإيرانية رفع أسعار البنزين في 15 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي بنسبة ثلاثة أضعاف، فاندلعت حركة احتجاجية واسعة في الشوارع الإيرانية، طاولت 29 محافظة من أصل 31 بحسب السلطات.

ولا تزال آثار الاحتجاجات الأخيرة في إيران، والتي تخللتها عمليات تخريب واسعة، على الرغم من إخمادها سريعاً، مستمرة، ومن بينها أنها دفعت الإصلاحيين إلى إجراء جردة حساب سياسية، تدفعهم خلاصتها نحو إعادة قراءة المشهد على ضوء القناعة لدى أوساط كثيرة بينهم، بأن وجودهم في البرلمان ودعمهم للسلطة التنفيذية "المعتدلة" ورئيسها غير المنتمي إليهم، باتا مكلفَين سياسياً بالنسبة إليهم، ويخسرانهم شعبيتهم، في ظلّ عجزهم عن تحقيق مطالب الشارع المؤيد لهم في تنفيذ الإصلاحات المطلوبة على مدى السنوات الأخيرة.