الانتحال الأدبي [7-3]... تجاوزات تهدد جودة التعليم وسمعة الجامعات التونسية

26 سبتمبر 2018
ميثاق جامعي لمواجهة السرقات العلمية (العربي الجديد)
+ الخط -

صُدمت المحاضرة الجامعية التونسية سميحة خليفة، من حجم الانتحال الأدبي الذي تضمنته أطروحة دكتوراه مقدمة إلى المعهد العالي للفلاحة بشط مريم التابع لجامعة سوسة، إذ سرقت الباحثة 157 صفحة من مراجع نشرت سابقا من بين إجمالي 223 صفحة هي كامل الرسالة العلمية التي رفضت في سبتمبر/أيلول 2017، بالإضافة إلى قرار تالٍ من لجنة الأطروحات بالمعهد إثر اجتماع لها في 17 أكتوبر/تشرين الأول 2017 بحرمان الطالبة المعنية من المناقشة أو التسجيل ثانية في المعهد، كما تقول الأكاديمية خليفة المقررة في لجنة الأطروحات والتأهيل بالمعهد.

وعلى الرغم من كل الإجراءات السابقة فوجئت الأكاديمية خليفة وزملاؤها بتعمّد الطالبة مناقشة أطروحتها في فرنسا ونيلها الدكتوراه عبر بحث مسروق كما تقول، موضحة أن من بين المصادر التي سرقتها صاحبة الأطروحة دراسة نشرتها "يونسكو" سنة 1981 والسطو على مراجع نشرها مجلس أوروبا (منظمة دولية تتكون من47 دولة تأسست في 1949)، إضافة إلى أطروحات دكتوراه نشرت بجامعات منها جامعة لوران وجامعة باريس الشرقية وجامعة نانسي بفرنسا وجامعة بسكرة الجزائرية والمنار الحكومية بتونس.

لكن الغريب والحديث للأكاديمية خليفة، ما تعرضت له من تشكيك في تجربتها المهنية في التعليم العالي من قبل زملاء والد الطالبة المعنية، لكي لا تفضح أمر ابنة زميلهم الجامعي حتى أن بعض الزملاء طلبوا منها السماح لها بعرض أطروحتها.


أسباب ظاهرة السرقات العلمية

تابع مدير البحوث بوزارة التعليم العالي، عبد المجيد بن عمارة حالة الرسالة العلمية السابقة، قائلا إنه تم التدخل من قبل الوزارة ولجنة الدكتوراه التي تولت إيقاف العمل وسحبت مشاركة الطالبة لنيل الدكتوراه من جامعة سوسة.

وبين عمارة أن الإيقاف لا يتم بقرار من الوزارة، بل عبر لجنة الأطروحات والتأهيل في كل جامعة وكلية أو معهد عال، إذ إنها هي المسؤولة عن قبول الأطروحات والبحوث العلمية أو رفضها، وفي هذه الحالة فإن لجنة المعهد العالي للفلاحة التابعة لجامعة سوسة هي التي اتخذت قرار إيقاف العمل.

ويمكن إرجاع الظاهرة إلى وفرة المعلومة المتاحة بسهولة عبر شبكة الإنترنت الممتلأة بالبحوث والرسائل العلمية، في ظل الإقبال الكبير على إعداد شهادات البحث والماجستير والدكتوراه كما يرى مدير البحوث بوزارة التعليم العالي، موضحا في إفادته  لـ"العربي الجديد" أن بعضهم عوضا عن البحث والاجتهاد ينسخ نصوصا جاهزة من دون التحلي بالأخلاقيات اللازمة في مجال البحث العلمي، مبينا أنّ الاختصاصات التي توجد فيها السرقات العلمية بشكل أكبر هي البحوث الأدبية، وخاصة تلك التي تعتمد التحرير مثل بحوث التاريخ والأدب، في حين أن مثل هذه السرقات تعتبر نادرة في الرياضيات والاختصاصات العلمية.

إضافة إلى ما سبق يرى كاتب عام الجامعة العامة للتعليم العالي والبحث العلمي التابعة للاتحاد العام التونسي للشغل، حسين بوجرّة، أنّ غياب الإمكانات لمراقبة الأطروحات وخاصة القديمة منها قد يسهل عملية السرقة، مشددا على وجوب التخلص من بعض الإجراءات الإدارية مثل الآجال المحددة لإيداع الأطروحات التي تؤثر على الباحث وعلى عملية التثبت من أصالة المعلومات الواردة في رسالته، وتابع "من بين الأسباب التي أدت إلى السرقات العلمية أن جزءا مهمّا من الدروس ليست تطبيقية، بل تقوم على الحفظ وحان الوقت للخروج من النمط الكلاسيكي للأطروحات التي أصبحت تقتل الإبداع لدى الطالب، إذ إن حصول السرقات يؤثر على مصداقية الشهادات العلمية في تونس ويضر بسمعة الجامعات".


غموض المفهوم

يؤكد رئيس جامعة تونس (الحكومية)، حبيب سيدهم أنه لا بد من تعريف واضح للسرقات العلمية، لأنه عند تحديد مفهوم السرقة العلمية يمكّن من فهم الظاهرة والحد منها موضحا في إفادته لـ"العربي الجديد" أنهم يستعملون كلمة فرنسية للسرقة العلمية، وهي عبارة "بلاجيا plagiat" كما توجد كلمة "الاقتباس" ولكن بين الكلمتين يوجد فرق كبير، لأن ما يعرف على أنه "بلاجيا" أي سرقة علمية هو في الأصل سرقة موصوفة أي متعمدة، لكن ما يصطلح على تسميته اقتباس هو المبالغة في النسخ مما ينشر أو تجاوز لحد ما".

ولفت إلى أن أنه سبق أن عرضت عليه حالة سابقا في اجتماع علمي تتعلق بتعرض مدير المعهد العالي للموسيقى والأستاذ المحاضر سمير بشة إلى السرقة العلمية إذ قام طالب جامعي في مرحلة مناقشة الدكتوراه بسرقة بحثه وأيضا نتائج دكتوراه نوقشت سابقا، وأضاف "عدد السرقات غير محدد وغير معلن لأن الأرقام غائبة وضائعة بين الوزارة والجامعات ما أدى إلى غياب حصر بحالات السرقة العلمية أو إحصاع دقيق لها، بل وحتى دراسات حولها".


عقوبات قانونية

يغرّم الفصل 51 الجديد من القانون عدد 36 لسنة 1994 المؤرّخ في 24 شباط /فبراير 1994، والمتعلّق بالملكية الأدبية والفنية والذي جرى تنقيحه في القانون عدد 33 لسنة 2009، مقترفي السرقات الفكرية، وينص على أن هذه الحقوق غير قابلة للتقادم أو التنازل أو التصرّف فيها، وغير قابلة للانتقال بموجب الإرث أو الوصيّة.

كما حدد الفصل 52 الجديد من القانون نفسه، عقوبات مالية تتراوح بين ألف دينار (361 دولارا أميركيا) وخمسين ألف دينار (18 ألف دولار) لكل من يستغل مصنفا محميا من دون الحصول على ترخيص وفق ما نص عليه هذا القانون مع مراعاة بعض الاستثناءات الواردة به، وعند تكرار الأمر، تتضاعف العقوبة المذكورة مع عقوبة السجن، والتي تتراوح بين شهر وعام أو بإحدى العقوبتين فقط.

وللحدّ من السرقات العلمية وقّعت الجمعية التونسية للدفاع عن القيم الجامعية في 2017 على الميثاق الجامعي المنبثق عن المجالس العامة للجامعة التونسية، ويهدف هذا الميثاق إلى بلورة رؤية استشرافية حول الجامعات، وهو عبارة عن مدونة سلوك حول المبادئ الأكاديمية التي من بينها النزاهة والشفافية والإنصاف وحرية التفكير.

واعتبر رئيس الجمعية التونسية للدفاع عن القيم الجامعية الحبيب ملاخ، أن ميزة هذا الميثاق تكمن في إرسائه مبادئ وقيماً هي في شكل أخلاقيات جامعية يوحي بها الضمير الأكاديمي ويقرها المجتمع الجامعي.

محاولات للحد من الظاهرة

يرى الخبير الدولي في تقييم النظم التربوية وإصلاحها محمد بن فاطمة، أنه لا يمكن الإصلاح ومعالجة السرقات العلمية ما دامت المنظومة التربوية ككل لم تخضع لإصلاح شامل، موضحا لـ"العربي الجديد" أنّ المنظومة التربوية تعاني من ضعف يجعلها عرضة لمثل هذه التجاوزات، مبينا أنه للحد من السرقات يجب وضع أربع أسس صلبة تقوم على إرساء المجلس الأعلى للتربية وهو غائب في تونس، ومعهد وطني لتقييم المنظومة التربوية، وأيضا كلية للتربية وميثاق وطني عبارة عن دستور تربوي مصغر لا يمكن الحياد عنه.

ولكن في الوقت الذي يأمل فيه عدد من الأطراف الجامعية وضع حد للسرقات العلمية، تؤكد الكاتبة والمديرة العامّة للمكتبة الوطنية رجاء بن سلامة، في تصريح لـ"العربي الجديد" أن السرقات متواصلة وأن هناك استباحة للبحوث على محركات البحث، حتى أن جزءاً من بحوثها الشخصية يباع في صيغتها الرقمية من دون إذن منها، لكن مدير البحوث في وزارة التعليم العالي طمأن كل المهتمين بالقضية، قائلا "تستعمل الجامعات التونسية برمجية حديثة تكشف بصفة آلية الاقتباس أو السرقة بمجرد إدراج البحث في محرّك بحثي يظهر نسبة التشابه، أغلب الجامعات التونسية أصبحت تعتمد هذه البرمجية التي توجد في بلدان متقدمة مثل فرنسا وإنكلترا وأميركا".

وبيّن أنه يوجد أيضا لجنة مهمتها التثبت في البحوث، وعند اكتشاف سرقة ما فإنه لا تقبل رسالة الدكتوراه ويتعرض الشخص المعني لعقوبة تأديبية تتمثل في رفض الأطروحة، وسحب تسجيل الدكتوراه، ويمكن لمصلحة الأطروحة الأصلية رفع الأمر إلى القضاء، وقد يصل الأمر إلى سحب الدرجة العلمية لاحقا والفصل من العمل بالنسبة للأساتذة.

وأضاف أن الحالات معزولة وقليلة، ولكن أثرها كبير على البحوث العلمية وعلى جودة التعليم وسمعة الجامعات التونسية، ولذلك تعمل وزارة التعليم العالي على وضع ميثاق يوقعه الباحث للالتزام بأخلاقيات البحث العلمي، قائلا إنه "على مدى 1500 أطروحة دكتوراه تناقش سنويا بمختلف الجامعات التونسية يتم التفطن إلى رسالة أو اثنين تحتوي سرقات علمية، منها مثلا ما جرى في إبريل/نيسان 2017 إذ رفضت أطروحة أثارت جدلا كبيرا في تونس، وتتعلق بإيداع أطروحة دكتوراه في المدرسة الوطنية للمهندسين في صفاقس تعيد النظر في كروية الأرض". وتابع "أشرفتُ على متابعة هذا الموضوع وتبيّن أنها حالة من حالات السرقة العلمية فلا يكفي أن الموضوع لا يستقيم، بل قامت الطالبة بتنزيل بحوث من الإنترنت وتبنيها".

دلالات