لكنه بالمقابل، إن كسبت روسيا تركيا، وخسرت سورية وغازها ونفطها وتجوال السفن بمياه البحر المتوسط والطائرات على مشارف تركيا وإيران والعراق، وحتى إسرائيل، فسيشكل ذلك كارثة بعد خمس سنوات من الحرب والتكاليف، منذ دخلت روسيا بالمستنقع السوري في سبتمبر/ أيلول 2015، بتكاليف تزيد عن 3 ملايين دولار يومياً.
ومع ترجيح تجنب كلا الطرفين سيناريو المواجهة المباشرة، يحضر الاقتصاد كفيصل ومصدر للتوافق المتوقع، إذ بحال التأجيل والمزيد من البراغماتية والغموض الروسي، أو تحميل أنقرة مسؤولية فشل اتفاق سوتشي، ليس مستبعداً أن يقع المحظور، والذي تعمل واشنطن وتل أبيب، والعديد من دول أوروبا الغربية، على تأجيجه وإشعاله، كما تبدي دول شرق أوسطية، وخليجية بشكل خاص، استعداداً للتمويل ورمي قش الفتنة على نيران الأزمة، علها تتخلص من "العدو" التركي.
لذا، أرجح الظن أن يحضر الاقتصاد على طاولة الرئيسين، ليكون منه، ربما، القرار الذي سيغيّر، ليس فقط من ملامح سورية، بل ربما خرائط المنطقة والتحالفات.
يرى المتابع أنّ العلاقة التجارية الثنائية بين روسيا وتركيا تطورت، في العقود الثلاثة الأخيرة، بشكل كبير، بعد أن ارتفع حجم التبادل التجاري إلى نحو 35 مليار دولار، رجح الميزان خلاله لصالح روسيا، فضلاً عن طموح البلدين بوصول التجارة إلى نحو 100 مليار دولار، كما صرح كلا الرئيسين، سابقاً.
وتربط روسيا بتركيا، خاصة بعد تسوية خلافات إسقاط الطائرة الروسية، وأزمة نوفمبر/تشرين الثاني 2015، علاقات اقتصادية، باتت عميقة وربما معقدة، فيما لو فكّر بوتين نسفها.
وفضلاً عن تملّك الروس في قبلة سياحة تركيا، أي أنطاليا، وإدمان نحو 7 ملايين روسي على السياحة بتركيا، ثمة استثمارات تركية بروسيا بما يزيد عن 70 مليار دولار، وبزعزعة العلاقات، ستتجمّد، إن لم نقل تهاجر، الاستثمارات، وفي ذلك إيذاء مشترك، ستطاول آثاره روسيا أكثر من أنقرة الموعودة، بحال الصدام مع روسيا، بجنة أوروبا والولايات المتحدة، حتى بتعويض المفاعل النووي الذي تقترب تكاليفه من 25 مليار دولار ومنظومة الصواريخ الروسية "إس 400".
أما الصفعة الأكبر التي سيتلقاها الاقتصاد الروسي، بحال لم يقدم بوتين تنازلاً أو توافقاً على الأقل، خلال لقائه بأردوغان، فهو قطاع الطاقة، لا سيما بعد تراجع سعر النفط إثر انتشار فيروس كورونا وخسائر المنتج الأول عالمياً خارج "أوبك".
وتستورد تركيا نحو 55% من غازها و7% من نفطها من روسيا، ولديها، بحال التوتر، خيارات قطر وأذربيجان وإيران، ما يمكن أن يعطّل موّلد الاقتصاد الروسي، بواقع تراجع الاستهلاك العالمي إثر شلل الاقتصاد الصيني، وانتقال عدوى الركود لكوريا الجنوبية وربما أكثر، بالتناسب مع انتشار كورونا وتأخّر محاصرته وعلاجه.
ولكن، يبقى مشروع السيل التركي الذي دشنه الرئيسان التركي والروسي، في الثامن من يناير/كانون الثاني الماضي، بكلفة تعدت 19 مليار دولار، الخسارة الكبرى، بعد أن باتت تركيا الممر الإلزامي لتصدير 15.75 مليار متر مكعب من الغاز سنوياً من روسيا إلى تركيا وأوروبا مروراً بالبحر الأسود.
خلاصة القول: معظم المؤشرات الاقتصادية والمنافع الروسية، ستدفع، أو على الأرجح أن تدفع، الرئيس الروسي لمد اليد لتركيا، فهي نافذة روسيا الطاقوية إلى أوروبا، ومسرح طائراتها إلى سورية والشرق، وممر سفنها-عبر البوسفور والدردنيل- إلى مستعمرتها الجديدة؛ طرطوس السورية التي أجّرها النظام السوري لروسيا لنصف قرن.
فالمصالح اليوم، وسيناريو أفغانستان بالأمس، سيدفعان الدب الروسي للتعقل، بواقع وعود تركيا العلنية بالمحافظة على المصالح الروسية، حتى ولو تخلّى عن بشار الأسد.
وأما إن لم يفعل، بعد فشل اختبار حافة الهاوية لتركيا، عبر مقتل 33 جندياً تركياً في سورية، فستكون بداية لنار سيتعدى شررها حدود التوقعات، على الاقتصاد والجغرافيا.