يعاني الاقتصاد الإيراني من آثار الحصار الاقتصادي الذي يتعرّض له. وتقول الإحصاءات إن سعر صرف الريال الإيراني، صباح يوم الثلاثاء الماضي (31/7/2018) قد بلغ 0.000023 من الدولار، أو أن كل دولار يساوي 836.43 ريالاً.
وللتذكير، فإن الدولار كان يساوي فقط 70 ريالاً إيرانياً عام 1979، أو عام اندلاع الثورة الإسلامية ضد نظام حكم الشاه محمد رضا بهلوي.
وقد استطاع الرئيس حسن روحاني، في رئاسته الأولى، أن يحافظ على سعر الصرف عند 000.36 ريال لكل دولار عام 2013. وعندما أعيد انتخابه العام الماضي، كان الدولار يساوي 000.40 ريال. أما الآن، فقد هبط السعر الرسمي إلى 836.43 ريالاً لكل دولار، علماً أن السعر في السوق السوداء داخل مدينة طهران يصل إلى حوالي 000.60 ريال.
إذن، أدى هبوط الريال الإيراني، بالطبع، إلى تراجع القوة الشرائية للعملة داخل الأسواق الإيرانية، أو إلى ارتفاع معدلات التضخم. وتشير أرقام التضخم إلى أنه ارتفع بنسبة 13.7%، خلال شهر مايو/أيار من هذا العام نفسه.
وقد كان معدل الارتفاع، في شهر يونيو/حزيران، بنسبة 10.1% في قطاع الإسكان والمرافق العامة، و16.8% في الأطعمة والمشروبات، و17.6% في قطاع النقل.
وبسبب هذه الارتفاعات التي ستزداد في شهر يوليو/تموز، فقد وصلت احتجاجات كثيرة على ارتفاع تكاليف المعيشة، وتراجع الدخول عن مواجهة النمو السريع في الأسعار، وتعالت أصوات داخل الجمهورية الإسلامية بالاهتمام بالوضع الداخلي، بدلاً من الإنفاق المتزايد على الحروب والمماحكات الدولية والإقليمية خارج إيران.
ويعتقد محللون سياسيون كثيرون أن الصواريخ التي أطلقها الحوثيون على المنطقة الشرقية في المملكة العربية السعودية هي بتحريض إيراني، لتذكير الولايات المتحدة وحلفائها بأن بالإمكان تهديد إنتاجهم وصادراتهم النفطية. وكذلك، فإن التوتر الذي يجري في باب المندب ليس إلا استعراضاً للبدائل المتاحة لدى إيران، في حالة توقف صادراتها النفطية لتطبيق سياسة "عليّ وعلى أعدائي".
وبالطبع، فإن صادرات إيران النفطية هي المصدر الأساسي لدخلها من العملات الأجنبية، خصوصا الدولار. ومع أن أرصدة إيران من الذهب والعملات الأجنبية، وحقوق السحب الخاص والاحتياطات لدى صندوق النقد الدولي، قد ارتفعت إلى 133 مليار دولار عام 2016، إلا أنها انخفضت قليلاً إلى 132 مليار عام 2017. وهذا رقم يعتبر جيداً. ولكن، إذا استمرت العملة في الانخفاض، فإن الإغراء بتهريب رؤوس الأموال إلى الخارج، وميل الإيرانيين نحو الدولرة، سوف يرتفع، ما سيؤزم من الوضع الاقتصادي الداخلي.
ولذلك، تصاعدت لغة العنف المتبادل بين إيران والولايات المتحدة كثيراً، خلال الشهر المنصرم. ولكنها في الأسبوع الأخير، بدأت ترسل إشارات أقل خشونة، وتلميحاتٍ إلى قبول مبدأ التفاوض بين البلدين.
وفي تصريح مفاجئ مساء يوم الإثنين الماضي، بتوقيت الشرق الأوسط، فاجأ الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، العالم برغبته في لقاء الرئيس الإيراني حسن روحاني، من دون شروط مسبقة. وهذا يأتي في إطار سعي الإدارة الأميركية نحو التهدئة في منطقة الشرق الأوسط. ومن إشارات هذه التهدئة الوصول إلى هدنة بين حركة حماس وإسرائيل في قطاع غزة والمناطق القريبة منه.
وكذلك زيارة الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، إلى السودان، وما جاء على لسان الرئيسين السيسي والسوداني عمر البشير من رغبة لزيادة التعاون بين البلدين، وكذلك المصالحة بين إثيوبيا وإرتيريا، واستعمال ميناء المصوع على البحر الأحمر أمام السلع الإثيوبية، ما يعطيها بديلاً عن الاعتماد المطلق على موانئ جيبوتي، وكذلك طلب الرئيس ترامب من دول الخليج المقاطعة لقطر إنهاء هذه الحالة غير المفهومة في دول مجلس التعاون.
بالطبع، سيكون هنالك شد ورخي في المنطقة. والإدارة الأميركية لا تريد دفع إيران إلى حربٍ قد تكون إسرائيل والصادرات النفطية الخليجية المستهدفة منها. ولذلك، فإن أسلوب الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، في التصعيد، ومن ثم فتح باب الطريق للدبلوماسية، قد طبق في الحالة الإيرانية، كما سبق وأن طبق على العلاقات المتعثرة مع كوريا الشمالية، وما جرى في الحرب التجارية ضد دول شمال أميركا، حيث بات هنالك أمل في الانفراج، والوصول إلى اتفاق تجاري جديد.
دخول الروس بقوة إلى المنطقة، وقبول الأطراف الدولية والإقليمية ببقاء الرئيس السوري بشار الأسد رئيساً، وباحتمالات وصول الأطراف المتنازعة في أفغانستان إلى حلٍّ برعاية الدوحة، وانفجار المظاهرات المطالبة بالإصلاح في العراق. كلها تعطي إيران فرصاً لا يريد الأميركان أن تتحول إلى أرصدةٍ بيد إيران ضدهم. ولذلك، ستبقى احتمالات الحرب المتوقعة ضد إيران في الخريف المقبل قائمة، إلا إذا استغل الإيرانيون الفرصة بطريقةٍ تجنّبهم مزيدا من الآلام، سواء بالمقاطعة، أو بحربٍ ضروسٍ ضدها.
بعد أيام قليلة، يبدأ سريان مفعول العقوبات الاقتصادية الأميركية الجديدة على إيران، وقد جاء انخفاض العملة الإيرانية استباقاً للآثار الاقتصادية السلبية المتوقعة، نتيجة هذه العقوبات الجديدة.
وقد سعت إيران، بكل قوة، إلى إقناع الأوروبيين بعدم الانصياع للولايات المتحدة، وإيقاف استيراد النفط الإيراني، أو إغلاق مصانعها واستثماراتها ومقاولاتها في إيران، ولكن هذه المساعي الدبلوماسية لم تقنع طهران بجدّية الأوروبيين "في النظر إلى مصالحهم".
إذا بدأت العلاقات الإيرانية الأميركية بالانفراج، فإن احتمال تأزم العلاقات الأميركية التركية وارد، ولكن أيضاً ضمن حدود.
سنرى، في الأيام المقبلة، باروميتر العلاقات الأميركية الإيرانية في صعود وهبوط، ولكن المفاوضات بين الطرفين قد بدأت. وعلى دول مجلس التعاون أن تضبط إيقاعها، خصوصا أن ما يجري من قصص مأساوية في اليمن، من قتل وهدم وجوع، قد بدأ يفقد دول التحالف موقعها الإنساني على المستوى الدولي.
وآن لدول المجلس أن تطوي صفحة خلافاتها، وتستعد لدورة مفاوضاتٍ صعبةٍ ومعقدةٍ مع إيران.