الاعتداءات ضد تركيا تكشف المعايير الغربية المزدوجة لمحاربة الإرهاب

30 يونيو 2016
41 قتيلاً وعشرات الجرحى في هجمات إسطنبول(بولينت كيليك/فرانس برس)
+ الخط -
تثبت الأرقام والمعطيات والوقائع أن تركيا هي الضحية الأكبر للاعتداءات الإرهابية في السنتين الماضيتين على الأقل، سواء كان المصدر "داعشياً" أم "كردستانياً"؟ اعتداءات انتحارية وتفجيرات تضرب المدنيين شكلت جريمة مطار إسطنبول، ليل الثلاثاء، ذروتها، مع سقوط 41 قتيلاً وعشرات الجرحى على يد ثلاثة انتحاريين في عمل جاء نسخة طبق الأصل لجريمة مطار بروكسل قبل أشهر، لكن بحصيلة قتلى وجرحى أكبر.

بين إسطنبول وبروكسل أكثر بكثير من بضعة آلاف الكيلومترات، بل فروق هائلة في مستويات الإدانة والمساعدة المقدمة والتغطية الإعلامية والتعاطف وعروض الدعم السياسي والعسكري التي انهالت على عاصمة بلجيكا والاتحاد الأوروبي إثر الاعتداء قبل أشهر، على الرغم من أن جريمة بلجيكا، في المترو والمطار، جاءت حصيلة ضحايا أقل بكثير من اعتداء مطار إسطنبول، إذ سقط في بروكسل 36 شخصاً، بينما في مطار أتاتورك قتل 41 والحصيلة في ارتفاع مطرد.

أغلب الظن، أنّ التعاطف الغربي، الأوروبي والأميركي، الظاهر تجاه أنقرة، أمس الثلاثاء، بوتيرة أكبر مقارنةً بالاعتداءات السابقة، سببه التلميحات التركية إلى أن تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) هو المجرم المرشح هذه المرة، بينما في الجرائم التي سبق أن تبناها المسلحون الأكراد، المدعومون من عدد كبير من عواصم الغرب، علناً أو سراً، كانت مستويات الدعم والمساندة والتغطية الإعلامية أكثر من خجولة، ذلك أن الإرهاب بالنسبة لبعض الغرب هو على مستويات، فهناك "إرهاب كامل" عندما يصدر عن "داعش" وأمثاله، وهناك "نصف إرهاب" أو مجرد "عنف" عندما يكون الفاعل كردياً مثلاً، في تجسيد واضح لمعايير مزدوجة يكاد الغرب يعتمدها إزاء الإرهاب عموماً. أمر مماثل يحصل عندما يفجّر مسلم نفسه في أميركا مثلاً، في مقابل قيام شخص آخر، غير مسلم، بفعل مماثل وربما بشكل أشنع، فتأتي ردود الفعل متفاوتة بشكل صارخ.

وتخوض تركيا الجبهة الأوسع عالمياً في ما يسمى "الحرب على الإرهاب"، ضد التنظيمات التي تضعها جميع الدول الغربية أو معظمها ضمن قائمة الجماعات الإرهابية المسلحة، سواء حزب العمال الكردستاني أو "داعش"، لا بل تكاد تتحمل أنقرة العبء الأكبر في هذه المعركة، على المستوى العسكري والاستخباراتي وفي حصيلة ضحايا الاعتداءات أيضاً. وعلى الرغم من ذلك، لا يتوقف الإعلام والساسة الغربيون ومعهم طبعاً طيف واسع من النخبة السياسية والإعلامية في إسرائيل، عن اتهام أنقرة في التواطؤ أو التقصير في مكافحة الإرهاب، أو عدم الاعتراف بدورها، وتارة عبر الاستمرار في تقديم الدعم لحزب العمال الكردستاني، عبر جناحه السوري (الاتحاد الوطني)، على الرغم من الحرب الواسعة التي يشنها التنظيم الأم على أنقرة. حتى في الأزمة التي اندلعت بين تركيا وعدو الغرب الأول أي روسيا، إثر إسقاط سلاح الجو التركي الطائرة الروسية، في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، كان دعم حلف شمال الأطلسي محدوداً للغاية ومن باب حفظ ماء الوجه أمام حليفه الأطلسي التاريخي لا أكثر.


الإدارة التركية واعية تماماً للأمر، مما بدا واضحاً في التحولات الكبيرة التي تشهدها السياسة الخارجة التركية لناحية المصالحة مع روسيا على الرغم من استمرار العقوبات الغربية عليها، وكذلك في البيان الذي أصدره الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، يوم أمس، وأدان فيه الهجوم الانتحاري على مطار "أتاتورك"، داعياً العالم وبالذات الدول الغربية للوقوف بشكل صارم في مواجهة الإرهاب.

وقال أردوغان: "ننتظر من العالم وبالذات من الدول الغربية بقياداتها وبرلماناتها وإعلامها ومنظمات المجتمع المدني أن تظهر وقفة صارمة في وجه الإرهاب". وبهذا المنحى، تمنى أردوغان أن يكون هذا الهجوم نقطة تحول في التعاون العالمي في مواجهة الإرهاب، قائلاً: "على الجميع أن يكون متأكداً من أن التنظيمات الإرهابية لا تميّز بين إسطنبول ولندن وبين أنقرة وبرلين أو بين إزمير وشيكاغو أو بين أنطاليا وروما، وإن لم تقم جميع الدول بل والإنسانية جمعاء بالتعاون في مكافحة الإرهاب، ستحدث جميع المخاوف، حتى تلك التي لم تخطر ببالنا، وأتمنى أن يكون الهجوم على مطار "أتاتورك" في مدينة إسطنبول نقطة تحول وميلاد لتعاون العالم أجمع في مكافحة الإرهاب وبالذات الدول الغربية".

ويستمر الأوروبيون والأميركيون في اتباع سياسات النفاق في دعم تركيا في وجه التنظيمات الإرهابية المعتمدة في قوائمهما، ولا يكتفيان باتهام أنقرة بعرقلة قتال "داعش"، بل أيضاً لا يقدمان أي مساعدة حقيقية لأنقرة في قتال عدوها التاريخي "العمال الكردستاني"، الذي شن هجمات انتحارية في أنقرة وإسطنبول لا تقل دموية عن اعتداءات "داعش". وكذلك يخوض حرباً طاحنة ضد الدولة التركية في مدن جنوب وشرق البلاد، أدت إلى تدمير أجزاء كبيرة من هذه المدن وخسائر تقدر بملايين الدولارات إضافة إلى مقتل حوالى 700 شخص من قوات الأمن التركية، وأكثر من 7500 من المواطنين الأتراك الأكراد، الذين زجتهم قيادة الكردستاني في مغامرتها العسكرية، منذ شهر يوليو/تموز من العام الماضي.

ويتقاسم حزب العمال الكردستاني و"داعش" المسؤولية عن مهاجمة المدن التركية الكبرى، إذ تعرضت مدينة إسطنبول في الأشهر السبعة الماضية إلى ست هجمات، قام بها مناصفة كل من "الكردستاني" و"داعش" بواقع ثلاث هجمات لكل منهما، أدت مجتمعة إلى مقتل 64 شخصاً، بينما تعرضت أنقرة، خلال أكثر من عام، إلى ثلاث هجمات انتحارية، كانت حصة "الكردستاني" منها هجومين.

وشن الكردستاني على مدينة إسطنبول، ثلاثة اعتداءات، كان آخرها الهجوم الذي حصل بسيارة مفخخة في منطقة فزنجيلار في قلب المدينة في 7 يونيو/حزيران، والذي أدى إلى مقتل 11 شخصاً، إضافة إلى الهجومين اللذين تبناهما تنظيم "صقور كردستان" التابع لـ "العمال الكردستاني" في كل من سنجق تابة والذي أدى إلى جرح 7 أشخاص، وكذلك الهجوم بقذائف الهاون على مطار صبيحة غوكجك في القسم الآسيوي من المدينة والذي أدى إلى مقتل أحد العاملين في المطار.


وإضافة إلى جريمة، يوم أمس، في مطار "أتاتورك"، نفذ "داعش" عملية في منطقة السلطان أحمد في فبراير/شباط الماضي، أدت إلى مقتل 12 سائحاً ألمانياً، و4 أشخاص في الهجوم الذي وقع في شارع الاستقلال في قلب المدينة في مارس/آذار الماضي، ليكون هجوم، يوم أمس، الأكبر على الإطلاق والذي أدى إلى مقتل 41 شخصاً.

أما في العاصمة التركية أنقرة، فقد تعرضت المدينة إلى ثلاث هجمات، كانت حصة تنظيم "صقور كردستان" منها هجومين انتحاريين وقعا في قلب المدينة، الأول في فبراير/شباط الماضي، واستهدف حافلة تابعة للجيش التركي وأدى إلى مقتل 28 شخصاً وجرح 81 آخرين، والثاني في مارس/آذار 2016 واستهدف موقفاً للحافلات وأدى إلى مقتل 37 شخصاً من المدنيين وجرح 125 آخرين. أما الهجوم الثالث فقد كان من حصة "داعش"، عبر الهجوم الانتحاري المزدوح الذي كان الأكبر في تاريخ تركيا واستهدف قلب المدينة أيضاً، وأدى إلى مقتل 103 أشخاص وجرح 400 آخرين.

وفي حين شن "داعش" هجوماً في بلدة سوروج التابعة لولاية أورفا الحدودية في يوليو/تموز 2015، مما أدى إلى مقتل 31 شخصاً وإصابة مائة آخرين، شن "الكردستاني" هجوماً انتحارياً، أيضاً، في مدينة بورصة، في أبريل/نيسان الماضي، أدى إلى جرح 17 شخصاً.

في هذا الصدد، يؤكد الصحافي التركي البريطاني في جريدة "صباح" التركية الموالية للحكومة، محمد سولماز، أن الإعلام الغربي يستمر في تقديم المعارك بين قوات الأمن التركية وحزب العمال الكردستاني في شرق البلاد على أنها معركة بين أنقرة والمجتمع الكردي في البلاد، على الرغم من أن "الكردستاني" لا يحظى إلا بتأييد النسبة الأقل بين أكراد تركيا، وكذلك يخوض صراعات مع رئيس إقليم كردستان العراق، مسعود البرزاني، والأكراد المعارضين له في سورية. ويشير سولماز إلى الطابع الخجول لحملات التضامن مع تركيا في وجه هجمات "الكردستاني"، بل إن أول الإدانات لهجمات الأخير الانتحارية في أنقرة جاءت حينها ممن كانوا يعتبرون أعداء تركيا، أي كل من إسرائيل وروسيا.

ويضيف سولماز، أن أحد قيادات "العمال الكردستاني"، كالكان دوران، توعد تركيا بعد هجمات الحزب في فبراير/شباط في أنقرة، بتنفيذ آلاف الهجمات المشابهة في المدن التركية، على الرغم من أنه ليس كردياً بل تركي آذاري، انضم لحزب العمل الكردستاني مدفوعاً بإيمانه بالماركسية الستالينية. وكان تم الإعلان، قبل أيام من الهجوم، عن تشكيل "الحركة الشعبية الثورية المتحدة" بالتحالف بين "الكردستاني" وثمانية أحزاب ماركسية تركية متطرفة ومحظورة، بهدف شن هجمات مسلحة في المدن التركية. في المقابل، تقوم صحيفة "ديرشبيغل" الألمانية وكذلك الإذاعة البريطانية، بالمساهمة في "بروباغندا" حزب العمال الكردستاني، بنشر مقابلات مع قياداته، فيما يتوعدون تركيا بحرب واسعة، خلال صيف العام الحالي، علماً أن الكردستاني مدرج على قوائم الإرهاب الأوروبية.

صحيح أن الدبلوماسيين الغربيين يدعون "الكردستاني" إلى إلقاء السلاح والعودة إلى المفاوضات، مؤيدين حق تركيا في الدفاع عن نفسها، إلا أنهم يستمرون في تلميع صورة "الكردستاني" في سورية على المستوى الإعلامي، عبر جناحه السوري، مهملين العرب السنة الذين يقاتلون "داعش"، ولا يقدمون لهم سوى الدعم الضئيل على الرغم من أنهم الأقدر على إعادة الاستقرار إلى مناطقهم. أمر مشابه يحصل في ليبيا مثلاً، حيث أن النجم المفضل لدى الغرب أو بعض الغرب ربما، هو اللواء خليفة حفتر، بينما لا يتردد مسؤولون غربيون وإعلامهم باتهام فئات واسعة جداً من فصائل فجر ليبيا مثلاً، ممن يقاتلون "داعش" بشراسة كبيرة، بـ"الإرهاب" و"التطرف" و"التشدد".

أكثر من ذلك، تمتلئ مناطق سيطرة "الاتحاد الديمقراطي"، الجناح السوري لـ "الكردستاني" في سورية بالمستشارين العسكريين الغربيين سواء الفرنسيين أو البريطانيين أو الأميركيين، الذين يعملون على تدريب قوات "الكردستاني" عبر جناحه السوري ويقدمون له السلاح بحجة قتال "داعش"، على الرغم من اعتراضات الحليف التركي، لاسيما بعدما بدأت بعض هذه الأسلحة بالتدفق إلى داخل الاراضي التركية. كما أن عدداً من الانتحاريين الذين نفذوا الهجمات في تركيا تلقوا تدريباتهم في معسكرات "الكردستاني"، المحمية في سورية من واشنطن، في حين تستمر شبكات "الكردستاني" بالعمل بحرية في كل من برلين وبروكسل وباريس، بهدف جمع التبرعات وتقديم الدعم المالي للتنظيم.


المساهمون