الاستغلال في تونس يصل حد التفرقة الجهوية

16 نوفمبر 2015
أثناء قطاف الزيتون في تونس(فرانس برس)
+ الخط -
بعد ثورة الياسمين، التي رفعت شعار الكرامة والعدالة، كأحد مطالبها الكبرى، ما تزال العنصريّة والتمييز الاقتصاديّ أحد سمات المجتمع التونسيّ الذي اختصر الثورة في السياسة، متناسيا البعد الاقتصاديّ.
تؤكد الناشطة الحقوقيّة المختصّة في شؤون اللاجئين، آمال الحمراوي، أنّ أغلب العمالة الأجنبيّة والعربيّة في تونس تتكوّن بالأساس من الأفارقة. وتكمن المشكلة الرئيسيّة، بحسب الحمراوي، في استغلال المهاجرين غير الشرعيّين، ليتمّ إخضاعهم لما يشبه حالة الاستعباد.
وتفيد الدراسة الأخيرة للمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعيّة، بأنّ ما يقارب الـ100 ألف مهاجر من مختلف دول أفريقيا، جنوب الصحراء، عبروا إلى التراب التونسيّ خلال السنتين الماضيتين. هؤلاء الوافدون يتعرّضون لشتّى أنواع الاستغلال، حيث يتم تشغيلهم لأكثر من 14 ساعة في مشاريع البناء والفلاحة والمطاعم، من دون توفّر أدنى الضمانات أو شروط العمل الآمن. كما تقلّ أجورهم عن نظرائهم التونسيّين لتصل إلى النصف تقريباً.
وتشير الحمراوي إلى أن التخلّص من هؤلاء من قبل مستغلّيهم سهل للغاية، في ظلّ المنظومة القانونيّة الحاليّة، حيث ما إن يصبح المهاجر غير قادر على العمل يتم الإبلاغ عنه وترحيله، من دون أن تتم محاسبة أحد على المدّة التي قضاها في ظلّ الاستعباد والإهانة.

الإقصاء والتهميش

المعاناة والتمييز الاقتصاديّ لا يقتصران على الأفارقة فحسب، إذ تؤكد الحمراوي أنّ السوريّين الذين لجأوا إلى تونس هرباً من الحرب في بلادهم يعانون من الإقصاء والتهميش الاقتصاديّ. حيث تشير الأرقام إلى أنّ 89% من السوريّين، يعيشون في الأحياء الشعبيّة، حيث يعمل نصفهم في التسوّل أو بيع المناديل الورقيّة والعلكة، كما ينشط 30% منهم في التجارة الموازية والسوق السوداء.

في نفس السياق، تقول الآنسة أنجيليك، وهي مهاجرة من سيراليون تعمل في أحد مطاعم العاصمة التونسيّة، إنّها اضطرت للانقطاع عن دراستها في تونس، نظراً لقرار حكومتها وقف المنح الدراسيّة. وتضيف أنها تعاني الأمرّين نتيجة استغلال مؤجّرها وضعيتها المعقّدة، فقد انتهت بطاقة إقامتها بعد انقطاعها عن الدراسة، ومقابل توفير لقمة العيش وإخفائها عن الأنظار فهي تعمل منذ الساعة السابعة صباحاً حتى الحادية عشرة مساء مقابل أجر لا يفوق 100 دولار.
التمييز الاقتصادي لا علاقة له بالعرق أو الجنسيّة، بحسب الخبير الاقتصاديّ محمد ياسين السوسي، بل يرتبط مباشرة بالوضع الاجتماعيّ والاقتصاديّ والثقافيّ للفئة المستهدفة. ويضيف أنّ فئات عديدة في المجتمع التونسيّ تخضع للاستغلال الاقتصاديّ في ظل تعامي السلطات، بدعوى التخفيف من الاحتقان الاجتماعي.
المرأة في تونس هي إحدى أكبر الفئات المستغلّة، حيث تفيد الإحصائيات الواردة من وزارة التشغيل ووزارة المرأة، أنّ 250 ألف امرأة في قطاع النسيج يعملن في ظروف مهنية صعبة، إذ تتجاوز حصّة العمل الواحدة عشر ساعات بأجر لا يزيد عن 150 دولاراً.
يضيف السوسي أنّ وضعيّة المرأة الريفيّة أكثر بؤساً، ففي حين تبلغ نسبة البطالة لدى الذكور 15%، تصل لدى المرأة الريفيّة إلى 30%. وفي حين لا تقلّ أجور الرجال في القطاع الفلاحي عن 15 دولاراً يوميّاً، إلا أن النساء يتقاضين ما لا يزيد عن دولارين يوميّاً مقابل نفس العمل المنجز. أما تمثيل المرأة في النقابات ظلّ دون 10%، وهو ما يحرمها من الدفاع عن حقوقها.
في نفس السياق يشير السوسي إلى أنّ العنصرية الاقتصاديّة وثقافة التهميش تطاولان أحياناً مناطق بعينها، فبعض أهالي المناطق الداخليّة يصدّرون بناتهم لعائلات الأثرياء في المدن، كي يعملن خادمات طيلة فترة المراهقة والشباب، في ظروف أشبه بالعبوديّة، حيث لا يتمتّعن بأجر مناسب، أو تغطية اجتماعيّة، أو حتّى علاقات اجتماعيّة خارج البيوت التي يعملن فيها.

اقرأ أيضاً:الشغل والتضخم والتهميش هواجس يومية تونسية
المساهمون