وقد دشن رئيس بلدية الاحتلال اليميني المتطرف، نير بركات، شارع رقم 21 الاستيطاني على أراضي بلدة شعفاط شمالي المدينة المقدسة، بطول يزيد عن كيلو مترين، ملتهماً نحو مائتي دونم من أراضي البلدة، ليربط مستوطنات القدس الشمالية بمثيلاتها في الشمال، وكذلك يربط مستوطنات القدس في الشرق بمثيلاتها في الغرب، دون الأخذ بعين الاعتبار مصالح الفلسطينيين أصحاب تلك الأراضي، وحتى سكان البلدة، حيث قطع هذا الطريق أوصال القرية، كما كان عليه الحال بالنسبة للقطار الخفيف الذي شطر القرية من شمالها إلى جنوبها نصفين، وحال دون التوسع العمراني في هذه البلدة المزدحمة بالسكان، وجزء كبير منهم يقيمون بموجب عقود إيجار شهرية تتراوح ما بين 1000- 1400 دولار شهرياً.
وليست العيسوية أحسن حالاً من شعفاط، حيث يتم مصادرة أراضيها، وتتعرض لعمليات هدم المنازل، لصالح التوسع الاستيطاني، وإقامة ما يسمى بالحدائق الوطنية والتوراتية على أراضي البلدة، التي تتميز بأعلى كثافة سكانية في القدس، ويصل معدل أفراد الأسرة في البيت الواحد إلى 15 نفراً، فيما تؤوي العديد من المنازل هناك أسراً من عائلة واحدة يزيد عدد أفرادها عن 30 نسمة.
وصباح اليوم، استيقظت البلدة على عملية هدم واسعة، طاولت، حتى ساعات ما قبل الظهر، شقتين سكنيتين قيد الإنشاء وفي مرحلة متقدمة من التشطيب تعودان لعائلة المواطن حسن محمود مصطفى وتصل مساحتهما إلى 270 متراً مربعاً. وتقع الشقتان في منطقة المدورة من أراضي البلدة من ناحيتها الجنوبية وتتاخم الجامعة العبرية، حيث تواصل الجامعة إنشاء مبان جديدة، وإضافة أبنية أخرى على مبان قائمة.
كما هدمت جرافات الاحتلال محال تجارية في المنطقة الشرقية من البلدة تعود لعائلة ترك، قبل أن تباشر هدم منزل مشيد، منذ أكثر من عشر سنوات، للمواطن صالح أبو ترك، وهو رب أسرة مكونة من أحد عشر نفراً، جلهم من الأطفال.
وأفاد محمد أبو الحمص، من لجنة المتابعة للدفاع عن العيسوية، وأحد سكانها، لـ"العربي الجديد": أن قوات الاحتلال تعاملت بهمجية مع أصحاب تلك المنازل والمنشآت، ولم تسمح لعائلة أبو ترك بإخراج أثاث المنزل، وهدمت المنزل فوق الأثاث، لينتهي المطاف بأفراد العائلة إلى العراء.
في حين، قال صاحب المنزل المواطن صالح أبو ترك، إن قوات كبيرة من أفراد الشرطة والوحدات الخاصة اقتحمت، صباح اليوم، منزله بعد محاصرته بالكامل، وأجبرت أفراد عائلته على الخروج من المنزل لتنفيذ هدمه، ومنعتهم من إخراج المحتويات.
وأكد أبو ترك لـ"العربي الجديد" أن عملية الهدم تمت بدون سابق إنذار، وكانت محكمة البلدية قد قررت تأجيل قرار الهدم لمدة عام، بعد فرض غرامة مالية عليه قيمتها 25 ألف شيكل يقوم بدفعها حتى اليوم.
ويقول أبو الحمص: إن طواقم الهدم التابعة لبلدية الاحتلال لا تبرح البلدة بصورة شبه يومية، وتقوم بحملات تفتيش على البناء في البلدة، وتصور منازلها وحاراتها وإضافات بناء يشيدها المواطنون على أبنية قائمة، لحل الضائقة السكنية التي يعانون منها، والتي تهدد بانفجار سكاني هناك.
وتنفذ حملات الدهم طواقم من بلدية الاحتلال بحماية قوات خاصة من الشرطة الإسرائيلية، في معظم أحياء المدينة الشمالية والجنوبية، وفي مخيم شعفاط، الذي بات يومياً عرضة لاقتحامات تتم في ساعات الفجر الأولى، وفي منتصف الظهيرة.
وكانت أحدث حملة دهم تمت، صبيحة الجمعة الماضي، ونفذت هذه المرة لحي البستان من أراضي بلدة سلوان، حيث يتهدد الهدم هناك منذ أكثر من عشر سنوات نحو تسعين منزلاً، نجح الأهالي على الدوام بتأجيل عمليات الهدم، إلا أنهم لم يستطيعوا انتزاع قرارات من محاكم إسرائيلية بوقفها أو إلغائها نهائياً.
ويقول الحاج فخري أبو دياب من سكان الحي، وأحد أصحاب المنازل المهددة بالهدم لـ"العربي الجديد": إن بلدية الاحتلال سلمت، يوم الجمعة، خمس عشرة عائلة من سكان الحي أوامر جديدة بالهدم، وطالبت تلك العائلات بالتوجه إلى بلدية الاحتلال لمراجعة المسؤولين هناك.
ويصف أبو دياب ما يجري في سلوان من استيلاء على العقارات، وتكثيف لعمليات الهدم، بأنه سياسة تطهير عرقي وطرد صامت وعنيف، ضد المواطنين المقدسيين في هذه البلدة، التي باتت جمعيات التطرف تسيطر على عشرات العقارات فيها، في حين مكنت حكومة الاحتلال تلك الجمعيات من إدارة كامل المنطقة حول البلدة القديمة، والتي يطلقون عليها "الحوض المقدس"، وكانت أحدث عملية استيلاء على عقارات في سلوان تمت فجر يوم الجمعة المنصرم، فقد اقتحم مستوطنون عقارا في حوش قراعين واستولوا عليه.
ويعاني المقدسيون عموماً من غياب المرجعيات الوطنية التي تساعدهم على مواجهة إجراءات التهويد الإسرائيلية، والتخفيف من غلواء سياسة الهدم والاستيلاء على المنازل ومصادرة الأراضي، في حين يوصف دور السلطة الفلسطينية بالضعيف جداً، وتحاربه سلطات الاحتلال بقوة، فيما تُمنع وزارة القدس التي يرأسها المهندس، عدنان الحسيني، من القيام بأي دور، في وقت تعاني فيه وزارته من شح الإمكانيات والموارد، ولا تتعدى موازنة وزارته السنوية المخصصة من السلطة الستة ملايين دولار، في مقابل مليارات الشواقل (عملة إسرائيل شيكل) التي تخصصها الحكومة الإسرائيلية لتعزيز الاستيطان اليهودي في القدس، كما يقول حاتم عبد القادر، مسؤول ملف القدس في حركة فتح، ووزير القدس الأسبق في عهد د. سلام فياض والذي اضطر إلى الاستقالة وترك منصبه في حينه احتجاجاً على عدم تخصيص الموازنات الكافية للمدينة المقدسة، وعجزه آنذاك عن متابعة أكثر من 600 ملف هدم لمقدسيين كانوا التجأوا إليه طالبين المساعدة القانونية.
يذكر أن بيت الشرق الذي جددت سلطات الاحتلال أمر إغلاقه لمدة ستة شهور أخرى، كان المرجعية الوحيدة لعشرات آلاف المقدسيين الذين كانوا يلجؤون إلى دوائره المختلفة طلباً للمساعدة القانونية والفنية، وحتى المالية، في قضايا هدم المنازل وسحب الإقامات منهم، ومصادرة أراضيهم. يقول عبدالقادر: "كان بيت الشرق العنوان الأقوى للمقدسيين، وكان يلعب دوراً مهماً في تدعيم صمودهم، حين كان الراحل الشهيد، فيصل الحسيني، على رأسه، وبرحيل الحسيني وإغلاق الاحتلال بيت الشرق لم يعد هناك عنوان قوي يستند إليه المقدسيون"، في مقابل انتهاك الاحتلال وخرقه لكل المعاهدات التي وقعت معه، وتصعيد حملته ضد أي نشاط تدعمه السلطة الفلسطينية في القدس بذريعة مخالفته اتفاق أوسلو.