الاحتلال يتجه لاعتماد عقيدة أمنية جديدة بديلة لتعاليم بن غوريون

12 نوفمبر 2018
تقر العقيدة الجديدة بنقاط ضعف جيش الاحتلال(جلاء مرعي/فرانس برس)
+ الخط -
عقيدة الستار الحديدي التي طرحها مؤسس الصهيونية التنقيحية، زئيف جابوتينسكي، في ثلاثينيات القرن الماضي، ونادت بتحكيم القوة العسكرية للدولة اليهودية بعد إقامتها لتشكل نوعاً من الستار الحديدي المحيط بالدولة اليهودية، ظلت مجرد طروحات ونظريات سياسية لم تعتمدها دولة الاحتلال على مدار السنوات السبعين الماضية، وذلك نظراً لاعتمادها العقيدة الأمنية التي طرحها دافيد بن غوريون. وقامت عقيدة بن غوريون على أسس الإنذار والردع والحسم العسكري، كأسس تمكّن لاحقاً من بناء "علاقات سلمية" أو على الأقل حالة لا حرب ولا سلم بين الدولة اليهودية وجاراتها العربية.

لكن طروحات جابوتينسكي بشأن الستار الحديدي عادت إلى الظهور في الخطاب السياسي الإسرائيلي تحديداً في الأسابيع الأخيرة مع موجة التطبيع المعلن بين الاحتلال وبين دول عربية في الخليج، توجتها زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الشهر الماضي إلى سلطنة عمان، وزيارات عدد من وزراء حكومة الاحتلال للإمارات العربية وسلطنة عمان وتوجيه البحرين دعوة رسمية لوزير الاقتصاد الإسرائيلي، إيلي كوهين، أخيراً، لزيارتها والمشاركة في مؤتمر دولي فيها.



وفي معرض تطرق نتنياهو، الأسبوع الماضي في جلسة كتلة الليكود في الكنيست لموجة التطبيع، أشار إلى أن سبب هذا التطبيع والإقبال على إسرائيل يعود بالأساس لقوتها العسكرية الآخذة بالتعاظم.
وتعكس تصريحات نتنياهو هذه عملياً ترجمة حديثة لمقولات "الستار الحديدي" التي كان طرحها جابوتينسكي في مقالة نشرها عام 1923. وتقول هذه الطروحات إن الدولة اليهودية يجب أن تكون على قدرٍ من القوة العسكرية بحيث لا يجرؤ أعداؤها على مجرد التفكير بمحاربة الكيان اليهودي بفعل قوته العسكرية القادرة على إخضاع كل من يحاول شن الحرب ضد الدولة اليهودية. ويردد نتنياهو تصريحاته الأخيرة من باب الاقتناع الفكري بها لكونه يصف نفسه بأنه يواصل طريق جابوتينسكي ويحمل أفكاره وعقيدته السياسية وبالتالي الأمنية.
وغير بعيد عن ذلك، كشفت الإذاعة الإسرائيلية، أمس الأحد، عن قيام نائب رئيس أركان جيش الاحتلال السابق، الجنرال يئير غولان، بوضع وثيقة تشمل تصوراً لعقيدة أمنية جديدة لدولة الاحتلال تضع حداً للعقيدة التي أرساها رئيس حكومة الاحتلال الأول، دافيد بن غوريون وأقرتها الحكومة الإسرائيلية عام 1953.

ووفقاً للإذاعة الإسرائيلية فإن الوثيقة الجديدة تقرّ بنقاط الضعف الحالية لجيش الاحتلال، وفي مقدمتها عدم القدرة أو انعدام الإرادة السياسة للحسم وإخضاع العدو، إلى جانب الإشارة إلى الفجوات القائمة في تفعيل القوة العسكرية وعدم استنفاد هذه القوة، ليس بفعل عدم الجاهزية وإنما بسبب عقيدة خاطئة في كيفية تفعيل الجيش في ساعات الطوارئ.
ولفتت الإذاعة الإسرائيلية إلى أن غولان اعتبر، في الوثيقة المقترحة التي عكف على وضعها على مدار العام الأخير بناء على تكليف من وزير الأمن أفيغدور ليبرمان، أنه لا يمكن وفقاً للطريقة الحالية المعتمدة في جيش الاحتلال "باستخدام قوة عسكرية ونيران مكثفة لوقت محدود تحقيق إنجازات حتى عندما يكون العدو ضعيفاً".
ودعا غولان في وثيقته المقترحة إلى اعتماد العقيدة العسكرية المعروفة بعقيدة الستار الحديدي لزئيف جابوتينسكي. وأشارت الصحيفة إلى أن الوثيقة التي سلمت إلى ليبرمان تمتد على 34 صفحة مع ملحق إضافي محدّث لعقيدة جيش الاحتلال، وستكون بمثابة موجه للجيش والشاباك والموساد.
وبحسب غولان، الذي فقد فرص تعيينه رئيساً لأركان جيش الاحتلال، فإن الاستراتيجية المتبعة لدى جيش الاحتلال، كما تجلّت في العدوان الأخير على لبنان عام 2005 وفي الحروب التي شنّت على قطاع غزة، لا تحقق الهدف المرجو من هذه الحروب، لأنها لا ترسّخ اليأس عند العدو.

وتقترح الوثيقة التي رفعها غولان إلى ليبرمان إجراء مداولات ومناقشات حول مسائل مثل الجبهة الداخلية، جهوزية الجيش، مراحل اتخاذ القرار، ومفاهيم استخدام القوة العسكرية، وبناء هذه القوة، وذلك بالاستناد لمحادثات ولقاءات أجراها غولان مع رجال من الأكاديميا والجيش ومجلس الأمن القومي وجنرالات في الجيش بمن فيهم جنرالات متقاعدون.
وسبق للحكومة الإسرائيلية، أن كلفت في السنوات الأخيرة الوزير السابق دان مريدور بوضع عقيدة جديدة لجيش الاحتلال. وبالفعل قدم الأخير وثيقة مقتضبة أضاف فيها إلى الأسس الثلاثة لعقيدة بن غوريون وهي الإنذار والردع والحسم، مركباً رابعاً هو الدفاع، لكن وثيقة مريدور لم تحظ بمصادقة الحكومة الإسرائيلية.
في المقابل أشارت الإذاعة إلى أن غولان يقتبس في الوثيقة الجديدة مما كتبه جابوتينسكي في عام 1923 عندما قال إنه "علينا دفع أعدائنا إلى حالة اليأس من جدوى (خوض) حرب ضدنا، واليأس من أي عملية عنف ضدنا". ويتعين على الجيش الإسرائيلي بحسب وثيقة غولان المقترحة العودة إلى أسلوب حسم المعركة والحرب حتى ضد عدو صغير، وهو تحول بحسب الإذاعة الإسرائيلية يناسب التغيير الحاصل في الوضع الاستراتيجي لجيش الاحتلال كما عكسته الحرب على لبنان والعدوان على قطاع غزة عام 2014.

ويأتي نشر هذه الاستراتيجية الجديدة في أوج سجال داخل الحكومة الإسرائيلية في ما يتعلق بالخيار المتاحة للتعامل مع الوضع في غزة وما إذا كان يجب "إخضاع" حركة حماس وإسقاط سلطتها في قطاع غزة، أم التوجه نحو التهدئة نظرًا لعدم وجود بديل في حال الخروج لعملية عسكرية واسعة تتضمن أو تفضي إلى إعادة احتلال القطاع من جديد.
وكان وزير التعليم، زعيم البيت اليهودي، نفتالي بينت، اتهم أمس، مجدداً بعد إدخال المنحة القطرية إلى القطاع، وزير الأمن الإسرائيلي الحالي بأنه يقوّض قوة الردع الإسرائيلية، ناهيك عن اعتباره أن مساعي التهدئة الجارية هي بمثابة رضوخ لحركة حماس. واستدعى هذا الموقف رداً من ليبرمان الذي نقل عنه قوله أمس الأحد عن بينت "إنه يهذي، إنه مجرد فتى من فتية التلال من رعنانا (بلدة اسرائيلية غنية داخل الخط الأخضر)". وأضاف ليبرمان "أنا معارض بشدة لأي اتفاق تهدئة مع حماس بغزة، ونقل الأموال القطرية للقطاع، وبينت يعلم ذلك".

دلالات
المساهمون