الاحتضان العالمي يستوجب مرجعية فلسطينية واحدة

16 نوفمبر 2014

أميركيون يرفعون العلم الفلسطيني في شيكاغو (15مايو/2014/Getty)

+ الخط -

أخذ الاعتراف بدولة فلسطين يتزايد، بعدما أقدمت دولة السويد عليه، ومن المتوقع أن دولاً أوروبية، وفي طليعتها السويد، وكذلك الخطوة التي اتخذها برلمانا فرنسا وبريطانيا، يشكل بوادر إصرار دولي جدي بأن فلسطين دولة تحت الاحتلال، كما ورد في قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة في 29 نوفمبر/تشرين ثاني 2012. هذا التطور الإيجابي بالنسبة لمستقبل القضية الفلسطينية هو، بدوره، احتجاجٌ صارخ على التمدد الاستيطاني المستمر في الضفة الغربية، كما في استمرار إسرائيل في البناء في القدس الشرقية، كإشارة تصميم، أن لا مجال للدولة الفلسطينية أن تكون لها القدس عاصمة. إن محاولة حرمان الشعب الفلسطيني من قدسه عملية اغتصاب همجي لحق فلسطين في قدسها، وهذا السلوك الاستفزازي الإسرائيلي، في هذه المرحلة، لا للشعوب العربية الإسلامية والمسيحية فحسب، بل لشعوب العالم، آخذ في الاستفزاز لدول أوروبية، لم تستطع الانفكاك من الهيمنة الأميركية التي بقيت تحول دون اتخاذ الإجراءات التي تمليها قرارات الأمم المتحدة ومقتضيات القناعة الوجدانية التي بقيت مهمشة، متوقعة احتمال امتثال إسرائيل للقانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة. وتدل هذه البوادر الإيجابية المتواصلة على أن الغبن التاريخي، منذ قيام إسرائيل، على حقوق الشعب الفلسطيني، أحدث اختراقاً لأن يكون الضمير عنصراً فاعلاً وواقعيّاً، وليس فقط وجدانيّاً، يشير إلى أن ما تقوم به إسرائيل أصبح استفزازاً صريحاً للرأي العام العالمي وضميره.

وقد كان مما زاد في تصميم الدول الأوربية، وغيرها، في تسريع بلورة سياسة الاعتراف بدولة فلسطين، فجاجة تلك التصريحات الواضحة، والتي عبرت، أخيراً، عن فوقية عنصرية، مثلاً عندما صرح وزير الدفاع الإسرائيلي، موشي يعالون، في أثناء زيارته الولايات المتحدة، أخيراً، أن الفلسطينيين يستطيعون أن تكون لهم "دولة، بل وإمبراطورية إذا أرادوا"!، هذا الاستخفاف الوقح من وزير إسرائيلي وغيره من وزراء نتنياهو لهو دليل على أنه لم يكن هناك التزام بحل الدولتين، منذ اتفاقيات أوسلو التي مضى على توقيعها واحد وعشرون عاماً، والتي أثبتت المحادثات العبثية التي مهدت لما تقوم به إسرائيل حاليّاً من تمدد استيطاني مكثف، ومتواصل، في الضفة الغربية والقدس الشرقية، إضافة إلى الحروب الثلاث على قطاع غزة، والتي اعتبرتها إسرائيل كياناً عدائيّاً.

لذلك، من شأن التطور الحاصل باحتمال تزايد الاعترافات بدولة فلسطين من المجتمع الدولي أن يوفر الفرصة، بشكل سريع، لمرجعية موحدة واضحة المعالم للشعب الفلسطيني، من دون أي إيحاء بأية ازدواجية بين حكومة الوحدة الوطنية والسلطة الفلسطينية، هذا الانطباع بوجود ازدواجية في هذا الشأن قد يعطل من فاعلية وجدوى الاعترافات الدولية المتنامية عالميّاً، والتي لا يمكن لها أن تحتضن القضية الفلسطينية إلا بمرجعية واحدة. يستتبع ذلك أن أي اختلاف أو تباين جذري بين بعض مكونات القيادات الفلسطينية يجب أن يحفز على سرعة استقامة وجدية الوحدة الوطنية، بشكل فوري وحاسم، ووضوح في وحدة القيادة بشكل فوري، حتى لا تصبح، بحد ذاتها، استنزافاً لجدية الوحدة الوطنية لقيادة الشعب الفلسطيني، ما يشكل استجابة صادقة وحقيقية لآمال وتطلعات الشعب الفلسطيني الذي بدأ يدرك ضرورة أخذه زمام المبادرة، إذا ما استمر وجود أي دليل على انقسام، أو ازدواجية في المرجعية الفلسطينية.

يفرض الواقع العربي في هذه المرحلة، والاحتضان الدولي المتنامي لشعب فلسطين، وحقه في دولة مستقلة وعاصمتها القدس، استقامة البوصلة في العمل الفلسطيني، لكي تستقيم البوصلة بدورها في العمل العربي، وذلك بالتوقف الفوري عن تبادل التصريحات الاستفزازية والضارة بالوحدة الوطنية المطلوبة بإلحاح، خصوصاً في هذه المرحلة المفصلية في تاريخ القضية الفلسطينية- كتلك التي وردت في الاحتفال بالذكرى العاشرة لرحيل القائد، ياسر عرفات – وعندئذ، تبقى حقوق فلسطين مسؤولية عربية قومية، وباستقامة البوصلة الفلسطينية، تعود الأمة إلى استقامة بوصلتها المتعثرة حاليّاً.

وعليه، إذا استعادت المرجعية الفلسطينية وحدتها، ووضوح أهدافها، عندئذ يصبح الاحتضان والاعتراف الدوليان ليس مجرد إضافة إلى الدول المائة والثلاث والثلاثين، بل تمهيداً لتسريع استعادة البصيرة في اتخاذ موقف موضوعي، قد يؤدي إلى بداية إدراك الولايات المتحدة والشعب الأميركي ضرورة رفع الغبن الواقع على الشعب الفلسطيني، وعبثية الرعاية الأميركية لما سمي "المفاوضات"، التي أدت إلى الوضع الحالي، حيث تبين أنه ليس هناك احتلال للأرض الفلسطينية، بالمعنى القانوني الذي تمليه بنود اتفاقية جنيف الرابعة، بل اغتصاب الأرض وإنكار الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، والتي أصبحت مدعومة برأي عام عالمي متنامٍ.

يبقى أنه عندما انتقد الرئيس، باراك أوباما، البناء الإسرائيلي في القدس الشرقية، رد عليه نتنياهو بأن هذا الكلام "Un-American". هذه العبارة تختزل الجديد في طبيعة العلاقة الأميركية الإسرائيلية!.
 
clovismaksoud3@gmail.com