الاحتجاج عبر التعرّي: الكلمات لا تكفي أحياناً

19 ابريل 2019
فيكتوريا باتمين: بريكست سيترك بريطانيا عارية (جامعة كامبريدج)
+ الخط -
يحضر الجسد العاري في أغلب أشكال الاحتجاج السياسي. هو السلاح الأشد قدرة على لفت الانتباه، كأن العري الجديّ نفي لتاريخ ثقافي وسياسي طويل من القمع الممارس على الجسد لتغطيته وتقنين شكل ظهوره. قليلة جداً هي الفضاءات الجديّة التي تبيح العري، كون أغلبها ترى فيه جريمة أو جنحة ترتبط بالمعيب والمشين، فإن كان اللباس الرسميّ أشد أِشكال الانضباط مرئيّة، العري هو النقيض، هو الأشد نقدية لقوانين وأعراف الالتزام واحترام الشكل العام، خصوصاً في الفضاءات السياديّة.

يمثّل هذا ما حدث أخيراً في المجلس العمومي في بريطانيا، إذ وقف 11 ناشطاً لمدة عشرين دقيقة شبه عراة أثناء كلمة النائب عن حزب العمل بيتير كاير، الذي كان يطالب بتأكيد موعد بريكست، فما أن بدأ بالكلام حتى قام الناشطون بإلصاق أجسادهم على الزجاج الفاصل بين مساحة المشاهدين وساحة البرلمان، لنقرأ الشعارات الموجودة على أجسادهم كـ"الكل من أجل الحياة" و"أنقذونا"، في انتقاد لتجاهل المجلس قضية التغير المناخي.

وبعدما اعتقلتهم الشرطة بتهمة الإخلال بالآداب العامة، أشار المتحدثون من أعضاء البرلمان إليهم بسخرية، لكنهم في الواقع نموذج على التشويش والاحتجاج السياسي في مساحات اتخاذ القرار؛ المساحات شديدة الجديّة، تلك التي يرتدي الجميع فيها ثياباً رسميّة، بوصفهم متشابهين شكلاً، رجالاً ونساء، يعكسون "قوتهم" في لباسهم.

صرح مارك أوفلاند، أحد المتعرين، بأن الحكومة ووسائل الإعلام تتجاهل علنياً وبشكل متهور قضية التغير المناخي، وقد أراد مع زملائه جذب الاهتمام إليها أثناء النقاش حول بريكست، موضحاً أنهم عبر التعري في البرلمان وضعوا أنفسهم في موقع هش وضعيف، الموقع ذاته الذي سنكون فيه إن انهار النظام البيئي والاجتماعيّ.

الأهمّ أننا حين نقول إن العري سياسي، لا نقصد ذلك فقط ثقافياً أو مجازياً، بل حرفياً، فالنواب في المجلس بدأوا يحيلون إلى المؤخرات والأجساد العارية في الجلسة أثناء نقاشهم لبريكست، وتعليقاتهم هذه مكتوبة في سجل الجلسة، ما يجعل العري هنا، ولو بصورة ضئيلة، وسيلة لتعديل وخلخلة الكلام الجديّ، تاركاً أثراً على القرار السياسيّ وعملية اتخاذه.
تداول صور الجسد العاري وحضوره يجعله أداة ثورة، وفي الوقت ذاته لا بد من الحذر أين يتم العري، وجدواه، وكيفيّته. أبرز هذه الأمثلة في بريطانيا، أستاذة الاقتصاد في جامعة كامبريدج، فيكتوريا باتمين، التي توظف جسدها العاري إلى جانب نشاطها الفكري والأكاديميّ للتعبير عن موقفها من السياسات الأوروبية وآرائها النسويّة، فباتمين، صاحبة كتاب "عامل الجنس،" ترى أن دور المرأة في النهضة الصناعيّة في أوروبا هائل، لكنه مُتجاهل ولا يُذكر، وتعني الجهد ـ العمل الذي بذلته النساء ولم يكن مأجوراً أو تم التغاضي عنه.

العري الذي تمارسه باتمين لا يصنف كنزعة طبيعية أو استعراضية، هو نقديّ وتأشيريّ، وبدأ قبل بريكست، إذ توظف جسدها كوسيلة معرفيّة ونقدية كما "عقلها". تقول إن "الكلمات لا تكفي في بعض الأحيان للتعبير عن موقف ما"؛ فالمرة الأولى التي تعرت فيها كانت عام 2014؛ إذ طلبت من الفنان أنتوني كونلي أن يرسمها عارية في لوحة كجزء من معرض خاص، وتعلق على هذا الحدث بأنه ذو أهمية فنيّة، لأنه يندر في تاريخ الفنّ أن نرى عارضة اختارت أن تُرسم عارية وبالصورة.

ومع بريكست ازدادت شدة احتجاج باتمين، كون "بريكست سيترك بريطانيا عارية"، إذ حضرت اجتماعات في الجامعة عارية، وكتبت على جسدها العبارة السابقة. هذا العام قدمت محاضرة عن بريكست بعنوان "بريكست: الحقيقة العارية"، وطلبت من الجمهور التوقيع على جسدها كعريضة، لتحدثهم عن التهديد الاقتصادي الذي يشكله خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. أما عن دور عريها في تلك اللحظة، فتقول إن الفن أحياناً قادر على تجاوز قدرة الكلمات الأكاديميّة على التعبير.
المساهمون