الاتحاد الأوروبي غاضب من نتنياهو: رسائل تحذير علنية

12 نوفمبر 2018
نتنياهو ورئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان (الأناضول)
+ الخط -
تدل كل المؤشرات على أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قد أخطأ في محاولاته التأثير على اتجاهات السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي من خلال مراكمة التأثير على دول أوروبا الشرقية، الأعضاء في الاتحاد.

تحريض نتنياهو الصريح والفج لقادة الحكومات في أوروبا الشرقية، خلال اللقاء الذي جمعه بهم في العاصمة المجرية بودابست أخيراً وما سبقه من اجتماعات، على تبني مواقف مغايرة لتلك التي يتبناها الاتحاد من الاتفاق النووي مع إيران، وتشجيعه الصريح لهم على عدم التعاطي مع القرارات التي تعتمدها مؤسسات الاتحاد بشأن الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، ناهيك عن حثه هؤلاء القادة على مواصلة تطبيق السياسات المتشددة تجاه هجرة المسلمين، أثار غضب الاتحاد الأوروبي. وفاقم الغضب الأوروبي حقيقة أن نتنياهو تجاوز كل مستويات اللياقة الدبلوماسية من خلال تفاخره بدور جهاز الموساد في إحباط عمليات قال إن إيران خططت لتنفيذها في عدد من الدول الأوروبية، لاسيما في فرنسا والدنمارك.



وفي السياق، نقلت قناة التلفزة الإسرائيلية الثانية أول من أمس عن مصدر كبير في الاتحاد الأوروبي اتهامه لنتنياهو بأنه يسعى إلى تفكيك الاتحاد الأوروبي من خلال تشجيع دول أوروبا الشرقية على تبني سياسات مغايرة للسياسات التي يعتمدها الاتحاد الأوروبي.
وحرص المصدر الأوروبي على لفت أنظار نتنياهو إلى أن إسرائيل ستكون الخاسر الأكبر في حال تراجع مستوى العلاقة بينها وبين الاتحاد، مشيراً إلى أن الاتحاد الأوروبي هو الشريك التجاري الأكبر لإسرائيل.
المصدر، الذي اختار أن يتحدث إلى القناة الأكثر مشاهدة في إسرائيل، عمد إلى نسف الرواية التي يحاول نتنياهو تكريسها والتي تقدم إسرائيل على أنها تؤدي دوراً حاسماً في الحفاظ على أمن القارة العجوز من خلال المعلومات الاستخبارية التي تقدمها للحكومات الغربية. وعمد المصدر إلى تذكير نتنياهو بأنه حتى من ناحية استخبارية، فإن استفادة إسرائيل من المعلومات الاستخبارية التي تجمعها أجهزة الاستخبارات الأوروبية أكبر بكثير من تلك التي يؤمنها الموساد.
وقد عرى المصدر ازدواجية معايير نتنياهو إذ أشار إلى أنه يختار تطوير العلاقات مع دول أوروبا الشرقية التي تشهد أكبر مستوى من ظاهرة معاداة السامية، بدون أن يبدي أي انزعاج من ذلك.
لكن الذي يثير غضب الأوروبيين بشكل خاص ولم يتطرق له المصدر يتمثل في أن نتنياهو يستغل الواقع الأمني في أوروبا، في محاولة التأثير على الرأي العام هناك لإجباره الحكومات الأوروبية على تغيير موقفها من الاتفاق النووي.
على سبيل المثال، يعي الأوروبيون أن نتنياهو اختار بشكل متعمد توقيت الكشف عن ما يقول إنه دور أداه الموساد في إحباط عملية خططت إيران لتنفيذها ضد معارضين للنظام في العاصمة الدنماركية قبيل بدء الولايات المتحدة فرض الموجة الأخيرة من العقوبات، لكي ينزع الشرعية عن تشبث الدول الأوروبية بالاتفاق النووي مع طهران.
وما فاقم الشعور بالغضب لدى الأوروبيين حقيقة أنه قد تبين أنه حتى بالاستناد إلى المعلومات التي وفرها الموساد فإنه لم يكن بنية الإيرانيين تنفيذ العملية قريباً.
إلى جانب ذلك، فإن الاتحاد الأوروبي منزعج من توجه نتنياهو لاستغلال العلاقات الأمنية والاقتصادية مع دول أوروبا الشرقية في توظيفها لتشكل مركز ثقل مقابلا لإعاقة سياسات الاتحاد تجاه الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.
وهناك ما يؤشر إلى أن تحركات نتنياهو المكثفة لدى حكومات أوروبا الشرقية جاءت بهدف تجنيدها لإيجاد بيئة تقلص من فرص نجاح المبادرة التي يمكن أن يطرحها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لحل الصراع.

في الوقت نفسه فإن حرص نتنياهو على تعزيز العلاقات مع الحكومات التي يسيطر عليها اليمين المتطرف في أوروبا الغربية، لا سيما النمسا يثير حساسية الدول الأوروبية. وهناك ما يدلل على أن رئيس الوزراء الإسرائيلي يستغل حاجة حكومات اليمين المتطرف لدرء تهمة تبني التوجهات النازية عنها أو عن بعض الأحزاب المشاركة فيها، في دفعها لتبني سياسات تتجاوز سياسات الاتحاد الأوروبي.
إلى جانب ذلك، فإن التنسيق الكامل والتقارب الكبير بين حكومة نتنياهو وإدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، والذي لا يفوت فرصة تسمح له بالاشتباك مع دول الاتحاد الأوروبي، لا يلقى استحساناً لدى الاتحاد الأوروبي، لا سيما أن الأوروبيين يعون تماماً الدور الذي يؤديه نتنياهو في دفع ترامب للانسحاب من الاتفاق النووي.
من الواضح أن نتنياهو حالياً في حيرة من أمره. فهو من ناحية لم يتوقع ردة الفعل الأوروبية الغاضبة بسبب طابع علاقاته مع أوروبا الشرقية، مع إدراكه أنه لا يجدر به التفريط بالعلاقة مع الدول المركزية في أوروبا، لاسيما فرنسا، ألمانيا وبريطانيا. لكنه في الوقت ذاته لا يبدو مستعداً للتفريط بالمكاسب السياسية التي يرى أنه تمكن مراكمتها عبر العلاقة مع دول أوروبا الشرقية وحكومات اليمين المتطرف في القارة العجوز.