الاتجار بالسوريين

31 اغسطس 2019
سوريون عند باب الهوى احتجاجاً على الأوضاع (إسراف موسى/الأناضول)
+ الخط -
شهدت مناطق الشمال السوري يوم الجمعة الماضي، تظاهرات عمّت معظم المدن والبلدات الخاضعة لسيطرة المعارضة، مطالبة الضامن التركي بوضع حد لعملية القضم المستمرة لمناطقهم من قبل الضامن الروسي الذي قاد عملية عسكرية قتلت مئات المدنيين وهجّرت نحو مليون مدني وحشرتهم ضمن منطقة لم تعد قادرة على استيعاب المزيد من اللاجئين. كما وصل متظاهرون إلى معبر باب الهوى الحدودي مع تركيا من أجل توجيه رسالة للحكومة التركية مفادها أن سكوت أنقرة عن عملية القضم المستمرة لمناطقهم من قِبل قوات النظام السوري، بحجة محاربة الإرهاب، أدى إلى كارثة إنسانية، وأن استمرار ذلك من شأنه أن يؤدي إلى انفجار قد يدفع المواطنين المدنيين إلى اللجوء لأي خيار بما فيه الضغط لفتح الحدود، طالما لا يوجد أمامهم سوى واحد من خيارين، إما الموت تحت قصف طيران نظام الأسد، أو البقاء في العراء وسط أسوأ الظروف الإنسانية.

وسارعت أنقرة إلى تحذير الأوروبيين من مغبّة تصاعد الوضع في سورية، الذي قد يؤدي إلى موجات نزوح جديدة. تزامن هذا التحذير التركي مع وصول 500 لاجئ سوري بشكل مفاجئ إلى اليونان عبر تركيا، الأمر الذي استوجب استدعاء اليونان السفير التركي لديها للاحتجاج على عدم ضبط بلاده حدودها أمام اللاجئين، لتتحوّل قضية اللاجئين السوريين إلى بازار مساومة بين الدول، من دون أن يكون للجانب الإنساني في تلك المساومات أي اعتبار. فأوروبا تدفع الأموال مقابل عدم وصول اللاجئين إليها، من دون أن تتخذ أدنى موقف أخلاقي يتعلق بعملية الإبادة التي يتعرض لها المواطنون في إدلب ومحيطها، ومن دون اتخاذ أي إجراء يمنع عملية حشر ملايين من المدنيين ضمن بقعة جغرافية ضيقة، فيما روسيا التي جعلت من مدنيي إدلب حقلاً لتجريب أحدث أسلحتها عليهم، وصلت إلى حد من الوقاحة أن صرحت بشكل علني أن تدخّلها في سورية مكّنها من اختبار أسلحتها.

ذريعة محاربة الإرهاب أمّنت فرصة ذهبية لموسكو لتقنع زبائنها المحتملين بجدوى سلاحها ومدى قدرته على الفتك بالبشر، من خلال تجربته بشكل عملي على مدنيي إدلب، لتتحوّل كل دول العالم المتحضر إلى مجرد تجار بالبشر تحقيقاً لمصالحها السياسية بعيداً عن أي اعتبار إنساني أو أخلاقي، وتتحوّل الشرعة الدولية لحقوق الإنسان إلى مجرد شعارات يستخدمها الأقوى بما ينسجم مع مصالحه، حتى لو استدعى الأمر دعماً للإرهابي أو التعاطي مع المواطن الأعزل كإرهابي.
المساهمون