بين سندان جماعة أنصار الله (الحوثيون) ومطرقة تحالف دعم الشرعية، يعيش القطاع التجاري في اليمن أياماً سوداء، حيث أعلن تجار إفلاسهم، فيما تستعد البقية لمواجهة نفس المصير واللحاق بهم.
وفرضت قوات تحالف دعم الشرعية، خلال الفترة الأخيرة، إجراءات تعسفية في الموانئ، في حين لجأت سلطات الحوثيين إلى التضييق عليهم وإجبارهم على دفع رسوم ضريبية مضاعفة لتمويل أنشطة الجماعة وتغطية العجز المالي الذي تعانيه، بعد توقف موارد مالية مهمة، منها عائدات ميناء الحديدة.
وقال تجار يعملون في استيراد الأغذية والأدوية لـ"العربي الجديد" إن السفن التي تحمل بضائعهم لا تزال، منذ 3 أشهر، في محيط ميناء عدن، تنتظر تصاريح الدخول من القوات السعودية والإماراتية التي تتعمد تأخير السفن، على رغم كونها تحمل مواد أساسية، وغير ذلك تفرض حواجز التفتيش الكثيرة إتاوات غير قانونية على الشاحنات التي تنقل البضائع، وفي صنعاء اتخذ الحوثيون قرارات قاصمة للتجار بزيادة الضرائب بنسبة 200%.
وبدعوى منع وصول الصواريخ الإيرانية إلى جماعة الحوثيين، يفرض التحالف، الذي تقوده كل من السعودية والإمارات لدعم الشرعية في البلد الفقير، إجراءات أمنية تدفع الخطوط الملاحية إلى مغادرة الموانئ اليمنية، وتحاصر النشاط التجاري في البلد الذي يستورد 90% من احتياجاته، حسب تقارير رسمية.
وتسببت إجراءات التحالف في تأخير دخول 13 سفينة إلى ميناء عدن، منذ منتصف ديسمبر/كانون الأول الماضي. وحذّر رئيس مؤسسة موانئ خليج عدن، محمد أمزربة، في 16 يناير/كانون الثاني، من أزمة اقتصادية بسبب "توقف بعض الخطوط المنتظمة لنقل البضائع المتجهة إلى ميناء عدن، بسبب تأخير إصدار التصاريح".
في هذا السياق، قال المستورد أحمد خالد لـ"العربي الجديد"، إن بضائعنا محتجزة منذ 3 أشهر ومعرّضة للتلف، بسبب الانتظار لمدة كبيرة في عرض البحر، مضيفاً أننا نتلقى يوميا تأكيدات من شركات الشحن تقول إن البضائع وصلت، لكنها لم تدخل الميناء، في انتظار موافقة قوات دعم الشرعية التي تسيطر على ميناء عدن أن تصدر تصاريح بدخول السفن إلى الميناء".
ويقع اليمن، منذ نحو 3 أعوام، بين سلطتين إحداهما شرعية تعمل من العاصمة المؤقتة عدن (جنوبي البلاد) وأخرى لتحالف الحوثيين وتسيطر على العاصمة صنعاء. وتتعرض شاحنات التجار للابتزاز وفرض إتاوات غير قانونية في الحواجز الأمنية على طول الطرقات من الموانئ إلى المدن، ولجأت جماعة الحوثيين إلى تعويض النقص في الموارد من خلال ابتزاز التجار.
وتسببت إجراءات التحالف، الذي تقوده السعودية، وقرارات الحوثيين، في زيادة الضرائب على التجار، في إغلاق العشرات من الشركات، وهروب الكثير من كبار التجار إلى سلطنة عمان وتركيا وماليزيا، فيما بات صغار التجار على وشك الإفلاس.
وأكدت مصادر تجارية لـ"العربي الجديد" أن متجر "ظمران"، وهو أكبر متاجر صنعاء، الذي أغلق أبوابه منذ مطلع فبراير/ شباط الجاري يستعد لإشهار إفلاسه في إعلان ينذر بانتهاء القطاع التجاري الذي ظل صامدا خلال سنوات الحرب، رغم صعود قطاع طفيلي نشأ معتمدا على السوق السوداء.
وقال الموظف في متجر ظمران، أحمد حلمي لـ"العربي الجديد": "لم يكن مجرد محل تجاري، بل شركة كبيرة تمتلك عددا من المحال التجارية وتشغّل نحو ألفي موظف وعامل، وإغلاقها بمثابة كارثة على هؤلاء الموظفين الذين كانوا يعيلون عشرات الأسر ووجدوا أنفسهم في الشارع وعلى رصيف البطالة".
وأكد تجار أن عشرات من صغار التجار على حافة الهاوية، وأن متاجر ملابس جاهزة ومواد غذائية تستعد للإغلاق، بسبب سياسات التضييق على القطاع التجاري من قبل التحالف والحوثيين، فضلا عن تدني القدرة الشرائية للمواطنين.
ويشتكي تجار صنعاء من قيام الحوثيين بفرض رسوم جمركية إضافية على شحناتهم القادمة من مناطق الحكومة الشرعية بنسبة 50%، لكن سلطات الحوثيين لم تكتف بذلك، بل رفعت نسبة الضريبة على شحنات التجار بنسبة 100% منذ مطلع العام الجاري.
واستنكر الاتحاد العام للغرف التجارية الصناعية اليمنية، في تقرير حديث، الإجراءات غير القانونية التي فرضتها ما تسمى بـ"مكاتب الرقابة الجمركية" التابعة للحوثيين، على القاطرات والشاحنات المحملة بالبضائع القادمة من الموانئ والمنافذ البرية والبحرية في مناطق الحكومة، وعلى وجه الخصوص (ميناء عدن– المنطقة الحرة– ميناء نشطون– منفذ الوديعة– منفذ شحن).
واعتبر الاتحاد، في تقرير اطلعت عليه "العربي الجديد"، أن هذه الإجراءات غير قانونية، ويحمل المسؤولية عنها كافة موظفي وقيادة مصلحة الجمارك. وطالب الاتحاد، الحكومة، بوقف هذه الإجراءات فورا، لأنها ستكون القشة التي تقصم ظهر البعير على القطاع الخاص والمستهلك اليمني في المقام الأول.
وأكد اتحاد الغرف التجارية، أن إجبار المستوردين على دفع رسوم جديدة بنسبة 100% يعد مخالفة صريحة للقانون والدستور وكارثة ستتسبب في فقدان القدرة الشرائية للمستهلكين وزيادة فقرهم وتشجيع التهريب بكل أشكاله.
ووصف الاتحاد هذه الإجراءات بـ"الجنونية" من قبل مصلحة الجمارك الموالية للحوثيين، واعتبرها استهدافا مباشرا لرأس المال الوطني وبنيته التحتية المثقلة أصلا في الأضرار والخسائر بسبب الحرب.
وأوضح اتحاد التجار، أن الدستور ونصوص قانون الجمارك النافذ تؤكد عدم جواز إعادة أي إجراء جمركي أو فرض أية مبالغ مالية على أي بضائع تجارية دخلت من إحدى الدوائر الجمركية الرسمية للجمهورية اليمنية وتحمل وثيقة جمركية رسمية صادرة عن الدائرة الجمركية.
وبحسب البيان، فإن كل ضرر يطاول القطاع الخاص سينعكس على المواطنين الذين لم تعد لديهم قدرة على تحمل المزيد من الأعباء، نتيجة توقف تسليم مرتبات موظفي الدولة وتدني القدرة الشرائية للمواطنين إلى أدنى مستوياتها وزيادة نسبة الفقر والبطالة إلى مستوى خطير.
وكانت الدوائر الجمركية الجديدة التي استحدثها الحوثيون تحت مسمى (مكاتب رقابة جمركية) في كل من البيضاء وذمار وعمران وصنعاء، قد أجبرت، منذ مطلع فبراير/شباط الجاري، مئات من شاحنات التجار وجميع وسائل النقل التجارية، على إعادة كافة الإجراءات الجمركية مرةً أخرى، من فحص ومعاينة وتثمين، وإلزامها بدفع رسوم جديدة بنسبة 100%.
وفي مدينة إب الخاضعة للحوثيين (وسط البلاد)، يشتكي التجار من ابتزاز الحوثيين لهم بدفع مبالغ مالية تحت مسمى "ضرائب أجور العاملين"، رغم دفع تلك المحلات لضرائب النشاط التجاري وضرائب العمال وفق السندات التي بحوزتهم.
وأكد عدد من ملاك المحلات التجارية في العاصمة صنعاء، أنهم على وشك الإفلاس وإغلاق محالهم، نتيجة قرارات جنونية لسلطات الحوثيين التي فرضت ضرائب مضاعفة وغير قانونية، واستحدثت سجون أو غرف حجز في أقسام الشرطة للمكلفين الذين ليست لديهم قدرة على دفع الضرائب غير القانونية.
وقال صاحب محل للمواد الغذائية، محمد زريقي لـ"العربي الجديد": "دفعت 30 ألف ريال كضرائب خلال العام الماضي، لكن فوجئت باستلامي سندا رسميا من مأموري الضرائب باستلامهم، وهذا العام طلبوا 300 ألف ريال، هذا جنون وخراب بيوت".