02 فبراير 2016
الإعلان الكردي في سورية وعبرة "مهاباد"
في غضون مباحثات جنيف بين النظام السوري والمعارضة، اختار الحزب الديمقراطي الكردي، عبر ما يسمى المجلس التأسيسي لـ "روج آفا" (غربي كردستان) الرد على عدم دعوته للاجتماع، بإعلان الانتقال من "الإدارات الذاتية" إلى النظام الاتحادي في مناطق سيطرة قواته شمال سورية، إثر اجتماع عقد في بلدة رميلان في ريف الحسكة. وتعني هذه الخطوة توسيع نظام الإدارة الذاتية المطبق بالفعل منذ أربع سنوات، والذي يدّعي حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي أنه لن يمثل الأكراد وحدهم، بل مختلف المجموعات العرقية، ويعتبر، من وجهة نظره، مقدمة لاعتماد نظامٍ مماثلٍ في كل الأراضي السورية بعد نهاية الحرب. ولاقى هذا الأمر رفضا من النظام والمعارضة، ومن القوى الإقليمية والدولية، بما في ذلك واشنطن التي قالت إنها "لن تعترف بأي نوع لمناطق حكم ذاتي، أو شبه مستقلة في سورية"، وموسكو التي قال نائب وزير خارجيتها، ميخائيل بوغدانوف، إنه لا يمكن لأكراد سورية إقامة نظام حكم فيدرالي بشكل أحادي.
تبرز هذه الخطوة الدور المتزايد الذي يلعبه الاكراد في الأزمه السورية، عامل تعقيد إضافي لهذه الأزمه التي باتت ساحة صراع وتجارب لقوى كثيرة إقليمية ودولية. وعلى الرغم من أن القوى السياسية الكردية في سورية ليست جسماً واحداً، وثمة تباين في تشخيصها "المسألة الكردية" في سورية، وسبل التعامل معها، إلا أن معطيات عدة تفيد بأن الكرد في سورية إلى حد كبير، اختطف إرادتهم الحزب الديمقراطي الكردي بزعامة صالح مسلم، والذي يعتبر امتداداً سياسياً، وربما عسكرياً لحزب العمال الكردستاني في تركيا، برئاسة عبدلله أوجلان. يدلل على ذلك أن لهذا الحزب الوجود العسكري الأقوى في "المناطق الكردية"، عبر أجنحته المختلفة، مثل وحدات حماية الشعب، ووحدات حماية المرأة، فضلاً عما يسمى قوات سورية الديمقراطية التي تشكلت، أخيراً، بدعم من الولايات المتحدة، لإخراج هذا الحزب من إطاره الكردي الشوفيني، ومحاولة تجميله بوجود رمزي لقوى أخرى، عربية وسريانية وآشورية... إلخ.
ومنذ انطلاق الثورة السورية في مارس/ آذار 2011، اتخذت القوى السياسية الكردية موقف الحذر، على الرغم من محاولاتٍ متكرّرة من النشطاء وقوى المعارضة، لجلبها إلى صف الثورة ضد النظام الذي طالما اشتكت من جوْره وسلبه حقوق الأكراد، لكنها فضلت، على الرغم من ذلك، إمساك العصا من المنتصف، وحاولت ابتزاز الجانبين معاً، على أمل تحقيق مكاسب مرحلية من النظام، مثل المرسوم الذي صدر، في الأشهر الأولى للثورة، بشأن منح الجنسية لأكرادٍ حرموا منها نتيجة إحصاء عام 1962، بينما وضعت هذه القوى قدماً أخرى مع المعارضة، على أمل أن تكون شريكاً فاعلاً معها، لرسم ملامح سورية المستقبل في حال سقط النظام، ورهنت زيادة تعاونها مع المعارضة، باعتراف الأخيرة بشكل واضح "بحقوق الأكراد التاريخية"، ومنها قضايا إشكالية عديدة، مثل تغيير اسم الدولة وعلمها ودستورها، وهو ما لم يكن في وسع المعارضة تقديمه، خصوصاً في تلك المرحلة المبكرة.
ومع انكفاء المظاهرات السلمية، حيث رفعت شعارات الإخاء العربي الكردي والدولة الديمقراطية التعددية التي تستوعب جميع مواطنيها، وبروز العمل المسلح الذي استند إلى خلفياتٍ متعددة إسلامية وعشائرية ومناطقية، بدأت تنمو بشكل أوضح التطلعات القومية الكردية، محاولة الإفادة من الظروف الصعبة للمعارضة والنظام معاً، ومن التناقضات الدولية والإقليمية في المسألة السورية.
ومن الواضح أن الصراع بين القوى الكردية التي تنادي بـ "الانتماء السوري"، وتحاول حل "المشكلة الكردية" في الإطار السوري عبر منح المواطنين الأكراد حقوق المواطنة الكاملة، مثل التجنيس والاعتراف بهم قومية ثانية في البلاد، والاعتراف بلغتهم وثقافتهم، وتلك التي تنظر إلى أكراد سورية، جزءاً من شعب كردستان الموزع في أربع دول، حسم فيما يبدو لصالح الخط "الأوجلاني" الذي فرضه بقوة السلاح الحزب الديمقراطي، بقيادة صالح مسلم، وتمثل أولاً في إقامة "إدارات ذاتية للحكم الديمقراطي" في التجمعات الكردية الثلاثة الرئيسية، الجزيرة وعين العرب (كوباني) وعفرين، وصولاً إلى إعلان النظام الاتحادي. لكن، ما لم يحسم حتى الآن، وما يحاول هذا الحزب فرضه بالقوة، كما يبدو، هو تحقيق التواصل الجغرافي المقطوع حالياً بين هذه التجمعات، بالاستيلاء على الأراضي والبلدات العربية والتركمانية الفاصلة بينها.
ولعل أكبر خدمةٍ أسديت لـ "المشروع الكردي" في سورية، حتى الآن، ظهور ما يسمى تنظيم الدولة الاسلامية (داعش)، والذي يحاول الحزب الديمقراطي الكردي، بذريعة محاربته، ترسيم حدود الكيان الكردي المنشود، بدعمٍ شبه مفتوح من الولايات المتحدة، على الرغم من الاعتراضات التركية المتكرّرة، ومن ثم دعم روسيا، ربما نكايةً بهذه الاعتراضات، فضلاً عن الجانب الوظيفي لقوات الحزب الديمقراطي، خدمة للنظام السوري الذي صرّح كبار المسؤولين فيه أن مقاتليه يتدربون وينسقون مع الجيش النظامي.
ولا يخفي أكرادٌ كثيرون قلقهم من أن جميع الأطراف التي دعمتهم، وفي مقدمتها الولايات المتحدة وروسيا والنظام السوري، قد تخذلهم لاحقاً، حالما ينتهي دورهم المرحلي، ووفقاً للتفاهمات الدولية والإقليمية الجديدة. وعندها سيكون الأكراد وحيدين في مواجهة جيرانهم من العرب والتركمان، فضلاً عن الأتراك المغلولة أيديهم حالياً، بسبب الخلافات مع إدارة الرئيس باراك أوباما.
وفي غمرة "انتصاراتهم" المصطنعة بفضل عوامل مؤقتة ومتبدلة، يجدر بالأكراد أن يتذكّروا أيضاً أن "المظلومية التاريخية" التي نمت وترعرعت لديهم، في ظل حكم "البعث" المديد في سورية، كانت جزءاً من العنف والقهر الذي مارسه الحزب، ومن ثم النظام الأسدي، ضد جميع مكونات الشعب السوري، ولم يخص به الكرد وحدهم، وأن خلاصهم يرتبط بخلاص جميع السوريين من هذا النظام، وعليهم أن يتحلوا بالصبر والوعي التاريخي، ولا يصغوا كثيراً لمن يخوفهم من حكم الإسلاميين بعد نظام الأسد، وأنه لن يقبل بقيام دولة تعددية ديمقراطية تحترم فيها حقوق الأقليات، لأن هذا، ببساطة، مطلب الثورة السورية منذ قيامها، ولا يخص الأكراد وحدهم.
وعليهم أن يتذكّروا، أخيراً، أن الدول الكبرى لا تعبأ بمصير الأكراد، بغض النظر عن الخدمات التي قد يقدمونها لها في الوقت الحاضر. وأي دويلة كردية قد تغري الفوضى السورية الحالية بالإعلان عنها لن يكون مصيرها أفضل من مصير جمهورية "مهاباد" الكردية التي أعلنت في منتصف أربعينات القرن الماضي، بقيادة قاضي محمد، ولم تعمر أكثر من عام، بعد أن تخلت روسيا عنها في مقابل حصولها على الغاز الإيراني.
تبرز هذه الخطوة الدور المتزايد الذي يلعبه الاكراد في الأزمه السورية، عامل تعقيد إضافي لهذه الأزمه التي باتت ساحة صراع وتجارب لقوى كثيرة إقليمية ودولية. وعلى الرغم من أن القوى السياسية الكردية في سورية ليست جسماً واحداً، وثمة تباين في تشخيصها "المسألة الكردية" في سورية، وسبل التعامل معها، إلا أن معطيات عدة تفيد بأن الكرد في سورية إلى حد كبير، اختطف إرادتهم الحزب الديمقراطي الكردي بزعامة صالح مسلم، والذي يعتبر امتداداً سياسياً، وربما عسكرياً لحزب العمال الكردستاني في تركيا، برئاسة عبدلله أوجلان. يدلل على ذلك أن لهذا الحزب الوجود العسكري الأقوى في "المناطق الكردية"، عبر أجنحته المختلفة، مثل وحدات حماية الشعب، ووحدات حماية المرأة، فضلاً عما يسمى قوات سورية الديمقراطية التي تشكلت، أخيراً، بدعم من الولايات المتحدة، لإخراج هذا الحزب من إطاره الكردي الشوفيني، ومحاولة تجميله بوجود رمزي لقوى أخرى، عربية وسريانية وآشورية... إلخ.
ومنذ انطلاق الثورة السورية في مارس/ آذار 2011، اتخذت القوى السياسية الكردية موقف الحذر، على الرغم من محاولاتٍ متكرّرة من النشطاء وقوى المعارضة، لجلبها إلى صف الثورة ضد النظام الذي طالما اشتكت من جوْره وسلبه حقوق الأكراد، لكنها فضلت، على الرغم من ذلك، إمساك العصا من المنتصف، وحاولت ابتزاز الجانبين معاً، على أمل تحقيق مكاسب مرحلية من النظام، مثل المرسوم الذي صدر، في الأشهر الأولى للثورة، بشأن منح الجنسية لأكرادٍ حرموا منها نتيجة إحصاء عام 1962، بينما وضعت هذه القوى قدماً أخرى مع المعارضة، على أمل أن تكون شريكاً فاعلاً معها، لرسم ملامح سورية المستقبل في حال سقط النظام، ورهنت زيادة تعاونها مع المعارضة، باعتراف الأخيرة بشكل واضح "بحقوق الأكراد التاريخية"، ومنها قضايا إشكالية عديدة، مثل تغيير اسم الدولة وعلمها ودستورها، وهو ما لم يكن في وسع المعارضة تقديمه، خصوصاً في تلك المرحلة المبكرة.
ومع انكفاء المظاهرات السلمية، حيث رفعت شعارات الإخاء العربي الكردي والدولة الديمقراطية التعددية التي تستوعب جميع مواطنيها، وبروز العمل المسلح الذي استند إلى خلفياتٍ متعددة إسلامية وعشائرية ومناطقية، بدأت تنمو بشكل أوضح التطلعات القومية الكردية، محاولة الإفادة من الظروف الصعبة للمعارضة والنظام معاً، ومن التناقضات الدولية والإقليمية في المسألة السورية.
ومن الواضح أن الصراع بين القوى الكردية التي تنادي بـ "الانتماء السوري"، وتحاول حل "المشكلة الكردية" في الإطار السوري عبر منح المواطنين الأكراد حقوق المواطنة الكاملة، مثل التجنيس والاعتراف بهم قومية ثانية في البلاد، والاعتراف بلغتهم وثقافتهم، وتلك التي تنظر إلى أكراد سورية، جزءاً من شعب كردستان الموزع في أربع دول، حسم فيما يبدو لصالح الخط "الأوجلاني" الذي فرضه بقوة السلاح الحزب الديمقراطي، بقيادة صالح مسلم، وتمثل أولاً في إقامة "إدارات ذاتية للحكم الديمقراطي" في التجمعات الكردية الثلاثة الرئيسية، الجزيرة وعين العرب (كوباني) وعفرين، وصولاً إلى إعلان النظام الاتحادي. لكن، ما لم يحسم حتى الآن، وما يحاول هذا الحزب فرضه بالقوة، كما يبدو، هو تحقيق التواصل الجغرافي المقطوع حالياً بين هذه التجمعات، بالاستيلاء على الأراضي والبلدات العربية والتركمانية الفاصلة بينها.
ولعل أكبر خدمةٍ أسديت لـ "المشروع الكردي" في سورية، حتى الآن، ظهور ما يسمى تنظيم الدولة الاسلامية (داعش)، والذي يحاول الحزب الديمقراطي الكردي، بذريعة محاربته، ترسيم حدود الكيان الكردي المنشود، بدعمٍ شبه مفتوح من الولايات المتحدة، على الرغم من الاعتراضات التركية المتكرّرة، ومن ثم دعم روسيا، ربما نكايةً بهذه الاعتراضات، فضلاً عن الجانب الوظيفي لقوات الحزب الديمقراطي، خدمة للنظام السوري الذي صرّح كبار المسؤولين فيه أن مقاتليه يتدربون وينسقون مع الجيش النظامي.
ولا يخفي أكرادٌ كثيرون قلقهم من أن جميع الأطراف التي دعمتهم، وفي مقدمتها الولايات المتحدة وروسيا والنظام السوري، قد تخذلهم لاحقاً، حالما ينتهي دورهم المرحلي، ووفقاً للتفاهمات الدولية والإقليمية الجديدة. وعندها سيكون الأكراد وحيدين في مواجهة جيرانهم من العرب والتركمان، فضلاً عن الأتراك المغلولة أيديهم حالياً، بسبب الخلافات مع إدارة الرئيس باراك أوباما.
وفي غمرة "انتصاراتهم" المصطنعة بفضل عوامل مؤقتة ومتبدلة، يجدر بالأكراد أن يتذكّروا أيضاً أن "المظلومية التاريخية" التي نمت وترعرعت لديهم، في ظل حكم "البعث" المديد في سورية، كانت جزءاً من العنف والقهر الذي مارسه الحزب، ومن ثم النظام الأسدي، ضد جميع مكونات الشعب السوري، ولم يخص به الكرد وحدهم، وأن خلاصهم يرتبط بخلاص جميع السوريين من هذا النظام، وعليهم أن يتحلوا بالصبر والوعي التاريخي، ولا يصغوا كثيراً لمن يخوفهم من حكم الإسلاميين بعد نظام الأسد، وأنه لن يقبل بقيام دولة تعددية ديمقراطية تحترم فيها حقوق الأقليات، لأن هذا، ببساطة، مطلب الثورة السورية منذ قيامها، ولا يخص الأكراد وحدهم.
وعليهم أن يتذكّروا، أخيراً، أن الدول الكبرى لا تعبأ بمصير الأكراد، بغض النظر عن الخدمات التي قد يقدمونها لها في الوقت الحاضر. وأي دويلة كردية قد تغري الفوضى السورية الحالية بالإعلان عنها لن يكون مصيرها أفضل من مصير جمهورية "مهاباد" الكردية التي أعلنت في منتصف أربعينات القرن الماضي، بقيادة قاضي محمد، ولم تعمر أكثر من عام، بعد أن تخلت روسيا عنها في مقابل حصولها على الغاز الإيراني.