الإعلانات في لبنان: كل شيء تغيّر

بيروت

جاد شحرور

avata
جاد شحرور
07 يناير 2015
+ الخط -
"لبنان كان ولا يزال الرائد في مجال الإعلانات في المنطقة العربية، إذ إن أغلب مناصب الإخراج الفنيّ والكتابة الإبداعية عادة ما تكون من الجنسيّة اللبنانيّة"... هذا ما يقوله آلان شقير، المخرج الإبداعي في فرع لبنان في شركة Dentsu العالمية الخاصة بالإعلانات.

تعتبر حقبة التسعينيات العصر الذهبي للبنان في مجال الإعلانات والدعايات. ويعود ازدهار المجال ونجاحه للتنوع الثقافي الذي ينعم به لبنان، بحسب شقير. ويرى أيضاً أنّ "اقتصاد الإعلانات تدهور في لبنان بعد العدوان الإسرائيلي في تموز/يوليو عام 2006". ويُضيف في حديث لـ"العربي الجديد": "تحوّلت كل المشاريع إلى دول الخليج، دبي تحديداً، إذ إنّ أكبر الشركات توجهت إلى تنفيذ أعمالها في الإمارات، بعد أن كان مركزها الدائم في لبنان، إلا أن الفريق التنفيذي للدعاية في الخليج ما زال في الغالب لبنانيّاً، لذلك نستطيع القول إنّ للبناني الفضل في تطوير مجال الإعلانات في العالم العربي".

الأغاني والنكات

تطورت الدعايات في لبنان في مختلف المجالات منذ الثمانينيات حتى الآن (من مأكولات إلى بنوك أو حملات توعية...). في تلك الحقبة كانت الفكرة الدعائية تشبه الاستراتيجية الدعائية في مصر التي تعتمد على الأغاني، إذ إن المستهلك لا شعوريّاً يحفظ الأغنية ويرددها وربما تكون وسيلة إقناع لشراء المنتج. وهذا ما حصل فعلاً مع المستهلك اللبناني، فاستطاعت بعض الأغاني الدعائية أن تدخل الذاكرة اللبنانية وأن تتحول إلى نكتة يومية عندما يسمح الأمر في سياق أي حديث فكاهي.

على صعيد دعايات منتوجات الحليب مثلاً، هناك إعلان "نيدو"، الذي تمّ تصويره في التسعينيات، حيث تقول الأغنية: "ذكريات أيام سعيدة لحظات بعيدة على القلب قريبة، مع نيدو ربيوا ولاد الصغار، تغذّوا صاروا كبار، ذكريات أيام طفولة، أيام الحنونة على قلب قريبة...مع نيدو كبروا الولاد الصغار بصحة وفرح...".

في المجال الدعائي نفسه، تطورت الأساليب وتنوعت فانتقل النص المصور من أغنية إلى مونولوج كوميدي، كما فعلت شركة "دايري خوري" المنتجة للألبان والأجبان، والتي استعانت بالممثل الكوميدي فادي رعيدي، الذي اشتُهر بأدواره الكوميدية في برنامج "أس أل شي". إذ تمّ إلغاء الأغاني ليُطرح نص كوميدي حول الحليب والبقر في إعلانها عام 2013: "خربونا دايري ميلك، أشو بقرتن turbo يعني!"، تقول الدعاية.

ثمّ يذكر في النص أن هذا المنتج حاصل على شهادة الـ ISO، أي أنها مطابقة للمواصفات الصحيّة. وهذا في حد ذاته فارق، فقد أصبحت الدعايات، اليوم، تتجه نحو إظهار الجانب الصحي والمفيد من منتجها، بينما لم تكترث لهذا الموضوع في بداية التسعينيات. وأصبح في نهاية كل دعاية علامة تشير إلى جودة المنتج، حتى في المشروبات الكحولية.





تأثير التكنولوجيا

يرى رئيس نقابة أصحاب شركات الإعلانات في لبنان، جورج جبوّر أنّ "تطوّر قطاع الإعلانات في لبنان يتأثر بتطور وسائل الإعلام والتكنولوجيا، مثلاً في الثمانينيات لم تكن متوافرة تقنيات الغرافيكس في الصورة، إلا أن هذا لم يمنع أن ينشط لبنان في هذا القطاع في فترة التسعينيات. لكن تطور وسائل الإعلام والتكنولوجيا يساهم في ازدهار هذا القطاع"، مُبيّناً أنّ "الإعلان كان عبارة عن مانشيت في جريدة فقط ثمّ أصبح مقطوعة موسيقية في الراديو ومن ثمّ تطور ليصبح إعلاناً مصوّراً على التلفاز، واليوم أصبح موجوداً على الإنترنت"، لكنّه يعتبر أن هذه التقنية ما زالت ضعيفة في لبنان.

ويقول في حديث مع "العربي الجديد": "تمّيز إعلان "yes" بالنجاح، لأسباب كثيرة أهمّها، شعبية المنتج والشخصية الناجحة أي "أبو فؤاد" كما أن الدعاية صوّرت على شكل مسلسل دعائي فطرحت للناس على مراحل وبذات الشعار "يس 3 بـ 1".

أمر آخر تطور على صعيد النص الدعائي هو التعليق الذي يرافق الفيديو Voice Over، حيث كان يستخدم بشكل كثيف في الدعايات اللبنانية في حقبة التسعينيات وباللغة الفصحى أيضاً. أما الآن فالـ voice over، إن وجد، يكون باللهجة العامية. أما بالنسبة للحوار فهو، أيضاً، باللهجة العامية.



المصطلحات القريبة للمستهلك

كما أصبح مفهوم لغة المستهلك من أوائل الأمور على لائحة إرشادات التوجيه لموضوع الدعاية (guidelines). على سبيل المثال، اعتمدت الحملة الإعلانية الخاصة ببنك "الجمّال" على مرادفات كلمات معينة أقرب للمستهلك. فكُتب في إعلان قرض السيارة ثلاث مفردات تدل عليها هي: "عربية، أوتومبيل، وسيارة".

أما بالنسبة لمساحيق الغسيل، فلم يتغيّر نصها الدعائي وأغانيها كثيراً. فلا تزال الصورة ذاتها: الغسالة والمسحوق والغطاء الأبيض، والمقارنة مع مساحيق أخرى. هذه الصورة بدأن ننبدّل اليوم، إذ دخلت الإعلاميات عالم الإعلانات الخاصة بمساحيق الغسيل.

صوّرت الإعلامية، منى أبو حمزة، دعاية لمسحوق "بيرسيل" في نص دعائي يحاكي فكرة برنامجها التلفزيوني (حديث البلد) في أكثر من إعلان تلفزيوني في السنتين الأخيرتين. وبالعودة إلى عام 1983، وفي إعلان لمسحوق "آريال" للغسيل، ظهر رجل في أحد المتاجر الاستهلاكيّة، ليقابل امرأة ويحاورها عن مسحوق الغسيل، مقارناً إيّاه بمساحيق أخرى. تُعرف باسم INFOMERCIAL، وهو معتمد كثيراً في الدول الأوروبية. والهدف من هذا النوع هو تعريف المستهلك على مميزات المنتج، لكسب ثقته.






الوضع السياسي مؤثر أيضاً

أثّر الوضع الاقتصادي في لبنان، والمتأثّر بدوره بالوضع السياسي، على تراجع قطاع الإعلانات. وترى مديرة شركة Intermarkets العالمية في لبنان، سارة عساف، أنّ ذلك "أنتج هجرة المبدعين من لبنان، إلى شركات خاصّة بالإعلانات في دول الخليج".

وبسبب الوضع السياسي، أيضاً، لم يعد الزبون يملك الثقة الكافية ليصوّر إعلاناته في لبنان، إذ إنّ كلفة التصوير، لليوم الواحد، تقارب 80 ألف دولار أميركي. ويعتبر التصوير، في مكان غير آمن، نوعاً من المخاطرة"، بحسب عساف. وتُشير، أيضاً، إلى أنّ "نيدو وماجي منتوجات أجنبية وليست محليّة، بالتالي إعلاناتها ليست لبنانية وإن كانت مصوّرة في لبنان أو موجّهة إلى المستهلك اللبنانيّ، بينما "يس" و"exotica" إعلانات لبنانية مائة في المائة.

كما قامت الشركات العالمية بشراء حصص كبيرة من شركات الإعلانات في لبنان ليتحول الربح إلى الخارج، "مثلاً قامت شركة BBDO بشراء شركة IMPACT ومن ثمّ تمّ تسمية الشركة Impact BBDO ومن بعدها أصبحت فقط BBDO... مثلٌ آخر شركة Team التي اشترتها شركة Y&R وأصبحت Team Y&R ومن ثمّ أصبحت Y&R فقط لأنها اشترت الشركة كلها"، بحسب عساف.

يجتمع جبّور وعساف على فكرة أن السوشال ميديا ألحقت ضرراً في إنتاجية الإعلانات في لبنان. وتقول عساف: "جميع المنتجات العالمية بدأت تلتفت إلى هذا النوع من الإعلانات (أي الأونلاين) إلا أن هذا النوع ما زال ضعيفاً في لبنان وغيّر فعال".

دلالات
المساهمون