الإعلام المصري: أحجار الدومينو المتساقطة

04 سبتمبر 2014
ايقاف برنامج عبد الرحيم علي كان البداية (مواقع التواصل)
+ الخط -
"فاصل ونعود لنستكمل برنامجنا" حتماً عندما قال عبد الرحيم علي مقدّم برنامج "الصندوق الأسود" هذه الكلمات، لم يكن يعلم أن هذا الفاصل سيكون الأخير، وأن لا عودة إلى الهواء من بعدها، لأن برنامجه سيتوقّف.

الحجة يومها كانت أنّ البرنامج "يخالف سياسة المحطة". لم توضح إدارة محطة "القاهرة والناس" ما هي سياسة القناة التي وافقت على عرض البرنامج طوال أشهر، ثمّ انتبهت إلى مخالفته لسياستها. البرنامج كان يقوم على تسريب مكالمات هاتفية وبريدية وإلكترونية بين مواطنين مصريين، وهو ما يخالف الدستور الذي يكفل حرمة الحياة الخاصة.

طيّب، لن نتطرّق إلى السبب الحقيقي لوقف البرنامج، وعلاقة مكالمة نجيب ساويرس المسرّبة بالأمر. فما يهمّنا هنا هو الدلالة الكبيرة التي حملها وقف البرنامج قبل أسابيع. فبعدها مباشرة أوقفت القناة نفسها برنامج "حزب الكنبة" الذي تقدمه نائلة عمارة.

هل بدأ تساقط أحجار الدومينو؟ هل بدأ أصحاب فكرة "الثورة مؤامرة وكل الناشطين عملاء" يختفون عن الشاشة؟ هل انتهى دورهم؟ لا نعرف الجواب الحقيقي عن هذا السؤال. لكن ما نعرفه أن هناك إشارات مترابطة. فتوفيق عكاشة أيضاً اختفى عن الشاشة. أطلّ على قناته "الفراعين" ليخبرنا أنّ ديون المحطة المتراكمة لمدينة الإنتاج الإعلامي تحتّم إغلاق القناة.

لكن الجميع يعرف أن الحجة واهية. بل هي مجرّد شمّاعة تستعمل للتضييق على أي قناة بدأت تزعج الصورة التي تريدها أجهزة الدولة للإعلام. إذ من المعروف أن جميع الفضائيات التي تبث من داخل أسوار مدينة الإنتاج الاعلامي مَدينة بملايين الجنيهات، حتى أن "التلفزيون المصري" نفسه مدين بحوالى 143 مليون جنيه (أكثر من عشرين مليون دولار) حسبما صرح أسامة هيكل رئيس مدينة الانتاج في أغسطس/ آب الماضي.

أما تحريك هذه الديون بين الحين والآخر فهدفه الأساسي هو الرضوخ للتدخلات السياسية في هذه القناة أو تلك. هذه هي الحال منذ سنوات، والنظام الحالي، لم يشذّ عن القاعدة.

ولعل تعاقد قناة "القاهرة والناس" مع مقدمة البرامج  أماني الخياط  صاحبة الأزمة الأخيرة مع المملكة المغربية، يوضح بشكل كبير أن الساحة الإعلامية تدار على طريقة الكراسي الموسيقية.  فعلى الرغم من الخطأ الفادح الذي ارتكبته المذيعة إلا أن قناة "القاهرة والناس" رأت فيها وجهاً يمكن من خلاله تجديد محتوى شاشتها.

ولا شكّ أن الفضائية نفسها وجدت في الخياط وجهاً إعلامياً "معروفاً" يمكن إعادة قولبته ليناسب خطابها، النبرة الجديدة التي يريدها النظام الحالي.

كل هذه الخطوات ترسم لنا ملامح المرحلة، والتي ظهرت في وجود اتفاق على التخلص من جميع الوجوه الإعلامية القديمة التي ملأت الساحة صياحاً وهجوماً على ثورة 25 يناير باندفاع بدأ يسبب مشاكل للسلطة. وتزامن ذلك مع تقاطع مصالح مالكي بعض هذه  الفضائيات في التخلص من الوجوه القديمة أو إعادة إنتاجها بشكل مختلف.

إذاً المشهد يتغيّر على ما يبدو. وجوه الخطاب الانفعالي ـ العاطفي المتملّق بشكل فاقع للنظام بدأت تختفي أو تعاقب... ليحلّ محلّهم آخرون، لا يزالون على الشاشات، أولاً وأخيراً برضا هذا النظام، وهذه السلطة.
المساهمون