تابعت صحف ومجلات عالمية عدة قرار إعلان الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، القدس المحتلة عاصمة لدولة الاحتلال الإسرائيلي، أمس الأربعاء. وبينما ركزت معظمها على ردود الفعل العربية الغاضبة إزاء القرار، أشارت أخرى إلى أن الديكتاتوريات العربية المتحالفة مع إدارة ترامب "أجهضت" هذه التحركات، واعتبرت صحف أخرى أن الضوء يجب أن يسلط على لا قانونية وأخلاقية قرار ترامب، عوضاً عن ردود الفعل.
"نيويورك تايمز" رأت أن "صراخات الأقصى الغاضبة في العالم العربي خسرت قوتها"، وعزت الأمر إلى "تراجع أهمية القضية الفلسطينية" بحسب قولها، على خلفية ثورات الربيع العربي والحروب في سورية والعراق واليمن وتهديد تنظيم "داعش" الإرهابي، بالإضافة إلى الصراع بين المملكة العربية السعودية وإيران من أجل السيطرة على المنطقة.
ورأى كتّاب المقالة، آن برنارد وبِن هيوبارد ودكلان والش، أن "الحكام العرب اعتمدوا مراراً على إعلان دعمهم القضية الفلسطينية، كوسيلة مضمونة للتقرّب من الشعوب، وأحياناً لتشتيت هذه الشعوب عن المشاكل الداخلية، مثل قمع الحريات والفرص الاقتصادية".
وأكدوا أن "الشغف إزاء القضية الفلسطينية فطري بين العرب، لكن أصحاب السلطة يستغلون ذلك في تحقيق أهدافهم الخاصة"، وضربوا مثالاً على ذلك تصريحات أمين عام "حزب الله" اللبناني حسن نصرالله أن "طريق القدس تمر بعدد من المدن السورية"، تبريراً لقتاله إلى جانب قوات رئيس النظام السوري بشار الأسد.
كما سلطت المقالة الضوء على الأسباب التي تمنع الشعوب العربية من الانتفاضة من أجل فلسطين، مثل ديكتاتورية عبدالفتاح السيسي في مصر ومنعه التظاهر، بالإضافة إلى أن "ولي العهد السعودي محمد بن سلمان نادراً ما تطرق إلى القضية الفلسطينية في تصريحاته العلنية، وأقرّ لزواره الأجانب أنه لا يعتبر الصراع العربي الإسرائيلي أولوية حالياً في ظل الصراع مع إيران على المنطقة"، وفقاً لكتّاب المقالة.
ونوه الكتّاب إلى أن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وولي العهد السعودي محمد بن سلمان أبرز حلفاء ترامب العرب.
Twitter Post
|
وفي السياق نفسه، اعتبر الكاتب، شادي حميد، في مجلة "ذي أتلانتيك" أن "الدول العربية لن تبدي اهتماماً بالغاً إزاء قرار ترامب إعلان القدس عاصمة لإسرائيل، خاصة المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة ومصر التي تبدي توافقاً مع إسرائيل، أكثر من أي وقت مضى، على الأولويات الإقليمية".
ورأى حميد أن الدول الثلاث المذكورة تتشارك وإدارة ترامب "الهوس بإيران كمصدر للشر كله في المنطقة، العداء إزاء جماعة الإخوان المسلمين، ومعارضة نية وإرث الربيع العربي".
Twitter Post
|
شبكة "سي أن أن" الأميركية تطرقت إلى الشأن الداخلي الأميركي، وأفادت أن شعبية الرئيس الأميركي إلى تراجع، إذ أبدى 74 في المائة من الأميركيين المشاركين في الاستطلاع ثقة منخفضة أو معدومة إزاء ترامب، ورأت أن إعلان ترامب القدس المحتلة عاصمة لإسرائيل سيزيد الأمر سوءاً، خاصة أنه تجاهل حلفاءه في أوروبا والشرق الأوسط، من المملكة المتحدة إلى المملكة العربية السعودية، وفقاً لكاتبة الرأي، فريدا غيتيس، التي اعتبرت أن "مصداقية ترامب العالمية رُميت بالرصاص".
وبينما اعتبرت صحف ومجلات أميركية عدة قرار ترامب "تخلياً عن حل الدولتين"، مثل "فورين بوليسي" و"واشنطن بوست" و"نيويورك تايمز"، رأت "وول ستريت جورنال" في افتتاحيتها أن "القرار ليس انحرافاً جذرياً في السياسة" مؤكدة أن ترامب تبنى حل الدولتين.
مجلة "ذا نيو يوركر" الأميركية نشرت نصاً ساخراً للكاتب، آندي بورويتز، قال فيه إن "الأغلبية الساحقة من الأميركيين تدعم نقل ترامب إلى القدس"، وأضاف "63 في المائة من المشاركين في استطلاع الرأي ومن مؤيدي نقل ترامب إلى القدس اشترطوا إجراءه في (أقرب وقت ممكن) على أن يكون (نهائياً)".
وتابع بورويتز ساخراً "على الرغم من حماسة الأميركيين الشديدة لنقل ترامب إلى القدس، إلا أن العرب والإسرائيليين عارضوا هذه الخطوة بشدة، في توافق نادر للآراء".
القرار تصدر غلاف "ذا غارديان" البريطانية التي ركزت على "الأصوات الغاضبة واليائسة في الشرق الأوسط". صحيفة "ذا تايمز" البريطانية نشرت رسماً كاريكاتورياً للفنان، بيتر بروكس، صوّر الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، مرتدياً الطاقية اليهودية (كيباه)، وقاتلاً بيده حمامة السلام على حائط البراق الغربي (حائط المبكى)، بينما يقع غصن الزيتون على الأرض.
Twitter Post
|
في المجلة الأميركية الإلكترونية "سلايت"، كتبت ماريا حنون مقالة عنوانها "رؤى النار"، وناقشت فيها أن "ردّة الفعل على إعلان ترامب القدس المحتلة عاصمة لإسرائيل ركزّت على الخوف من الموقف العربي، لكنها لم تسلّط الضوء بشكل كافٍ على لا أخلاقية ولا قانونية القرار نفسه".
وأشارت حنون إلى أن قرار الأمم المتحدة رقم "478" الصادر عام 1980 والذي يعتبر إسرائيل القدس "عاصمة كاملة وموحدة" ينتهك القانون الدولي، وحثّت الدول الأعضاء على سحب البعثات الدبلوماسية من المدينة. كما أن النصف الشرقي من القدس يخضع للاحتلال الإسرائيلي غير القانوني، منذ عام 1967. بناء المستوطنات غير الشرعية وهدم منازل الفلسطينيين لا يزال مستمراً، وشهد ارتفاعاً في السنوات الأخيرة.
ونظراً إلى الوقائع المذكورة أعلاه، فإن قرار ترامب بإعلان القدس المحتلة عاصمة لإسرائيل "يشرعن الأعمال غير القانونية"، ويجب أن تتصدر هذه العوامل أي معارضة سياسية حقيقة لترامب، عوضاً عن التركيز على الخوف وردود الفعل العنيفة، وفقاً لحنون.
كما رأت حنون أن التركيز على احتمالات تحركات العرب الغاضبة في تصريحات المسؤولين والإعلام العالمي يغذّي الصورة النمطية عن "العرب الغاضبين"، خاصة في وقت يعاني فيه العرب والمسلمون من الخطابات الانقسامية والتمييز ضدهم.