لم تكن مسارعة النظام السوري عبر إعلامه الرسمي والخاص الموالي له، للتعامل مع الحدث التركي، سوى استجابة منظمة لتقييد الحدث ورسمه ضمن حكاية محددة يسهل تكرارها حسب الوصفة العسكرية للنظام السوري. فالنظام الذي تعامل مع الثورة السورية بوصفها تمرداً مُسلحاً دافعاً الجيش إلى مواجهة المظاهرات السلمية بقوة السلاح، يُريد استغلال أي حدث عسكري موازٍ لتعويم فرضيته التي اتبعها. وجعل السياق الإعلامي للحدث موازٍ ومُطابق للسياق الذي يتبعه هو.
في الساحل السوري عصبُ النظام الأقرب، وجمهوره الأكثر استجابة لرغباته ورؤاه وجِهت حركة إعلامية احتفالية الموالين لينظموا حفلات عامة، فالقنوات الرسمية تبنت عروضاً عسكرية للجيش التركي تمجيداً له، واستقبلت محللين تقليديين للحديث عن الانقلاب بوصفه معجزة
سورية داخل تُركيا. وجهزت أكثر من مقطع فيه أقوالٌ لبشار الأسد عن الحسم ضد أعدائه، وعن ضرب المشروع التركي، وإسقاط النظام الإخواني الأردوغاني حسب وصفهم. واستفادة العسكر التركي من تجربة سورية مع الإخوان المُسلمين (جملة قالها شريف شحادة على التلفزيون الرسمي)، في لجمهم وضربهم وقتلهم وسجنهم. هذه الصورة المتخيلة التعظيمية لما حدث كانت واجبة، ليست من باب غباء النظام في فهم الحدث. فالنظام السوري بأعماقه يعرف مدى صعوبة سقوط نظام أردوغان الديمقراطي، ومدى سرعة الأحداث والأخطاء التي رافقت التغطية الإعلامية التركية والعالمية، إلا أن النظام السوري بشقه الإعلامي له نوايا أخرى أشد ذكاء اتجاه مواليه. فالنظام يُريد تبسيط الحدث، وجعلهُ مقبولاً ومشابهاً للحالة السورية والعربية عامة، لضرب الصورة الموضوعية للجمهورية التركية، من حيث ديمقراطية العمل السياسي، والانجاز الكبير للساسة الأتراك في بناء دولة القانون.
حاول إعلام النظام جعل اختفاء أردوغان ممزوجاً بقصة القذافي، وهروبه من مدينة إلى مدينة خوفاً من العسكر الذي يريد اقتناصه. وظهر عنوان عريض للتلفزيون السوري يقول "قيادة الجيش التركي تُصدر بياناً للقبض على الهارب الأخونجي أردوغان" بلغة مبتذلة جداً ومقصودة. وأيضاً ربطه ببن علي الذي سارع نحو ضيافة السعودية بعد أن رفضت فرنسا استقباله على حد زعم هذا الإعلام. فنشرت كل المواقع الرسمية التابعة للنظام، والصفحات الهامشية على مواقع التواصل الاجتماعي خبرا مفاده، أن أردوغان يحاول الحصول على لجوء في أوروبا وألمانيا خصوصا، وأن بلدان أوروبا ترفض استقباله.
لم تكن هذه الحملة التبسيطية مجانية، هناك نية لدى النظام لجعل الموضوع ساذجاً لدى الجماهير، التي تحمل سماتٍ غير عقلانية في فهم السياسة كالطائفية والتعصب الديني، والجهل في العمل السياسي. فالنظام السوري أسوة بالمصري لا يحتاجُ إلى توكيد أو استقصاء حقيقة ما يجري، يكفي اقتباس الجملة الأولى للحدث، أي حدوث انقلاب، لإعادة سرد ما حصل وفق "منظومة ثورية" على طريقة الأنظمة العسكرية السورية والمصرية.
أما على مستوى الشارع فقد حول النظام بعد توجيه إعلامي مكثف الجماهير إلى الاحتفال غير المنظم في الطرقات العامة، طلقات نارية من كل مسلحي البلاد وفي كل المحافظات نحو السماء. مذيعة في قناة الدنيا قالت "يطلقون نيران الانتصار في سماء سورية الأسد." إلا أن هذه الطلقات عادت إلى رؤوس المواطنين وقتلت طفلاً في دمشق وطفلاً في اللاذقية. الإعلام المرافق للاحتفالات حول المحتفلين إلى سذج، يُجرون مقابلات يتحدثون فيها عن سقوط طاغية إسلامية، دون ان يعرفوا ما حدث، وفشل الانقلاب حتى في ساعات احتفالهم. ويقولون أسوة
بمشجعيهم على الاحتفال كلاماً لا يمت للسياسة ولا للحدث في شيء. في جميع المحافظات قاد الحملة الشعبية برلمانيون وأعيان تجارية شريكة لعائلة النظام. في دمشق والساحل كان آل الأسد ومخلوف في قيادة المظاهرات، وبعد فورة إطلاق النار الإجرامية خطبوا بالجماهير، ومجدوا الأسد. الأكثر سذاجة أن النخبة مجدت النظام العسكري في تركيا رغم جهلها بماهيته السياسية وخياراته المستقبلية. استثمارياً كان على جميع موالي النظام من النخبة الإعلامية والعسكرية والاجتماعية، أن تجعل زعيماً ديمقراطياً كأردوغان خاسراً أمام الأسد، ومكسوراً هارباً كالقذافي وبن علي وعلي عبدالله صالح. ففي عقلية الأسدييّن لا مكان لتوقف القتل من أجل البقاء. وفي الشارع أُوهِمَ المحتفلون بكلام قي أيضاً على التلفزيون السوري بأن الجيش السوري قد اتصل بالجيش التركي وأيد العملية الانقلابية، من هنا هتف الموالون الجيش السوري هو من أسقط أردوغان.
تدارك النظام التركي للوضع جعل النظام السوري فاشلاً حتى في جعل الموالين ينامون لليلة واحدة وهم يقولون كم تركيا تُشبهنا.
اقــرأ أيضاً
حاول إعلام النظام جعل اختفاء أردوغان ممزوجاً بقصة القذافي، وهروبه من مدينة إلى مدينة خوفاً من العسكر الذي يريد اقتناصه. وظهر عنوان عريض للتلفزيون السوري يقول "قيادة الجيش التركي تُصدر بياناً للقبض على الهارب الأخونجي أردوغان" بلغة مبتذلة جداً ومقصودة. وأيضاً ربطه ببن علي الذي سارع نحو ضيافة السعودية بعد أن رفضت فرنسا استقباله على حد زعم هذا الإعلام. فنشرت كل المواقع الرسمية التابعة للنظام، والصفحات الهامشية على مواقع التواصل الاجتماعي خبرا مفاده، أن أردوغان يحاول الحصول على لجوء في أوروبا وألمانيا خصوصا، وأن بلدان أوروبا ترفض استقباله.
لم تكن هذه الحملة التبسيطية مجانية، هناك نية لدى النظام لجعل الموضوع ساذجاً لدى الجماهير، التي تحمل سماتٍ غير عقلانية في فهم السياسة كالطائفية والتعصب الديني، والجهل في العمل السياسي. فالنظام السوري أسوة بالمصري لا يحتاجُ إلى توكيد أو استقصاء حقيقة ما يجري، يكفي اقتباس الجملة الأولى للحدث، أي حدوث انقلاب، لإعادة سرد ما حصل وفق "منظومة ثورية" على طريقة الأنظمة العسكرية السورية والمصرية.
أما على مستوى الشارع فقد حول النظام بعد توجيه إعلامي مكثف الجماهير إلى الاحتفال غير المنظم في الطرقات العامة، طلقات نارية من كل مسلحي البلاد وفي كل المحافظات نحو السماء. مذيعة في قناة الدنيا قالت "يطلقون نيران الانتصار في سماء سورية الأسد." إلا أن هذه الطلقات عادت إلى رؤوس المواطنين وقتلت طفلاً في دمشق وطفلاً في اللاذقية. الإعلام المرافق للاحتفالات حول المحتفلين إلى سذج، يُجرون مقابلات يتحدثون فيها عن سقوط طاغية إسلامية، دون ان يعرفوا ما حدث، وفشل الانقلاب حتى في ساعات احتفالهم. ويقولون أسوة
تدارك النظام التركي للوضع جعل النظام السوري فاشلاً حتى في جعل الموالين ينامون لليلة واحدة وهم يقولون كم تركيا تُشبهنا.