الإصلاح السياسي في الأردن: حلم بلا إرادة تنفيذ

06 يناير 2020
يتعرض أي حراك شعبي للحصار الأمني (خليل مزرعاوي/فرانس برس)
+ الخط -
ما زال ملف الإصلاح السياسي غائباً عن أجندة الحكومة الأردنية، على الرغم من وعود رئيسها عمر الرزاز عند تسلّمه مهامه في 2018 بأن "الإصلاح السياسي سيكون قبل الإصلاح الاقتصادي"، فيما "مجلس النواب عبارة عن ديكور" وفق تعبير البرلماني المخضرم عبد الكريم الدغمي لإحدى القنوات المحلية.
ولم يشكّل تعديل قانون الانتخاب ونظامه أولوية في الأجندة الحكومية، فيما يبقى تشكيل الحكومات من رحم الكتلة السياسية في البرلمان حلما لم ينضج بعد، لتبقى الحكومات المُعيّنة وأجهزتها صاحبة القرار الفصل في السياسات الداخلية والخارجية. وفي ظل هذا الواقع، تتناسى الحكومة أهمية الإصلاح السياسي باعتباره مدخلاً مهماً وموازياً للإصلاح الاقتصادي، في مقابل قيامها بإطلاق أربع حزم اقتصادية في محاولة لالتقاط الأنفاس وسط الاحتقان الشعبي العارم، على الرغم من أن وجود حياة سياسية مستقرة، أقرب الطرق وأفضلها لحفظ الدولة الأردنية من أي تقلبات سياسية أو اقتصادية غير متوقعة وتحصن أركان الدولة وأسسها الدستورية.

ولا يمكن عند الحديث عن الإصلاح السياسي عدم المرور على الحراك الشعبي الأردني، وفي العادة يجتمع حوالي 200 شخص بالمعدل بشكل أسبوعي في الساحة المقابلة لمستشفى الأردن قرب مقر الحكومة الأردنية، يتفقون على المطالبة بالإصلاح، لكنهم يختلفون على آليته وسقوف المطالب. وهذا الحراك محاصر من قبل الحكومة وأجهزتها في المكان والزمان ومساحة الحركة، وقد تعرض العديد من رموزه للاعتقال بسبب رفع السقوف في الهتافات، ليبقى بشكله الحالي حراكاً مشتتاً، بلا رأس أو قيادة أو أثر واضح على آلية صنع القرار. وهنا لا يمكن إغفال الحراكات العشائرية والمناطقية الموازية كحراك قبيلة بني حسن، وحراك ذيبان، وغيرها.

ويرى العديد من السياسيين الأردنيين، أن الإصلاح السياسي في البلاد ليس أولوية حكومية. ويقول الأمين العام لحزب "جبهة العمل الإسلامي" (الذراع السياسية لحركة الإخوان المسلمين)، مراد العضايلة، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن الإصلاح الاقتصادي لن يتحقق من دون إصلاح سياسي يفرز حكومة وطنية قادرة على معالجة التحديات الداخلية، ومنها النهج الاقتصادي واستشراء الفساد، مضيفاً "لدينا شعور بعدم وجود رغبة حقيقية بالإصلاح، كنتاج لقناعات ترى أن إيجاد بعض الحلول الاقتصادية من الممكن أن يزيل الاحتقان الشعبي".
ويعتبر أن "هناك أطرافاً داخل الدولة لا ترغب برؤية الإصلاح السياسي، بل لديها رغبة بعدم إحداث أي تغيير، وهي ما تمكن تسميتها بقوى الشد العكسي"، مشيراً إلى تجاهل المطالبات الوطنية بتحقيق الإصلاح السياسي، وغياب أي حديث عن تعديل للقوانين الناظمة للحياة السياسية وفي مقدمتها قانون الانتخابات والأحزاب السياسية.

ويلفت العضايلة إلى عدم وجود إرادة لدى صانع القرار بوجود حياة سياسية وحزبية حقيقية، وإقرار نظام انتخابي قادر على تجسيد الإرادة الشعبية والمشاركة في صنع القرار، بما يفضي إلى حكومات برلمانية، معتبراً أن الإصلاح السياسي الشامل هو المدخل للإصلاح الاقتصادي والاجتماعي، وأنه لا يمكن إعادة الثقة الشعبية بمؤسسات الدولة إلا عبر الإصلاح السياسي، وتعديل قانون الانتخاب هو قاعدة أساسية للإصلاح.
كما يرى أن الفاعل الشعبي مفكك وضعيف أمام القوى التي ترغب بإبقاء الوضع كما هو عليه حالياً، معتبراً أن هذا الضعف ليس دائماً "مؤشراً إيجابياً" لهذه القوى، ففي أي لحظة قد تتفاقم الأمور، لأن تأجيل الإصلاح ليس مكسباً، متابعاً "البيئة المحفزة للأحزاب غير موجودة، فهناك ضغوط شديدة على الأحزاب وملاحقات للأعضاء، وحتى حرمان أقاربهم من التوظيف".


من جهته، يقول الرئيس السابق للجمعية الأردنية للعلوم السياسية، خالد شنيكات، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن مسألة الإصلاح السياسي في الأردن متوقفة، ومسار الحياة السياسية في حالة جمود على الرغم من أن الظروف الداخلية تضغط باتجاه الإصلاح السياسي. ويضيف "كان يُتوقع على الأقل من حكومة عمر الرزاز إعادة النظر بالإصلاح السياسي والقوانين الناظمة للحياة السياسية، فقانون الانتخاب الذي اختير بموجبه مجلس النواب الحالي لم يؤدِ إلى فرز كتل برلمانية قوية قادرة على مناقشة السياسات العامة، فالمجلس أضعف من المتوقع، وكانت النتيجة أداء هزيلاً للسلطة التشريعية".

ويصف شنيكات نظام تمويل الأحزاب السياسية الجديد، الذي ربط تقديم الحوافز المادية بالأداء، بأنه تراجع عن محاولات دفع العملية السياسية إلى الأمام، مما يعني احتمال تراجع عدد الأحزاب وانسحاب بعضها من الحياة السياسية في الفترة المقبلة، معتبراً أن "الظروف الداخلية يجب أن تدفع صنّاع القرار إلى القيام بإصلاحات سياسية، فبقاء الوضع الراهن قد يؤثر على مسألة الاستقرار، وقد تصبح الأمور في مهب الريح، خصوصاً أن هناك حاجة لإشراك الشباب والمواطنين في صنع القرار، وفرز نخب جديدة لقيادة المشهد السياسي في ظل عجز النخب الحالية عن إحداث تقدّم في البلاد، ومع ارتفاع العجز والمديونية".
ويرى أن المفتاح لحل مشاكل الأردن يبدأ بالإصلاح السياسي، الذي قد يكون مقدمة للاستقرار الثابت، خصوصاً في ظل مجلس النواب الضعيف الذي يمثّل أهم مخرجات قانون الانتخاب الحالي، لا سيما أن الفرز ما زال يتم على أسس عشائرية ومناطقية غير قادرة على انتشال البلد من الوضع الراهن.

أما عضو البرلمان الأردني المحسوب على التيار المدني، خالد رمضان، فيقول في حديث لـ"العربي الجديد": "لدينا أزمة اقتصادية واجتماعية وسياسية مركّبة، ظاهرها البطالة والفقر والجوع وعدم ثقة الشعب بكل المؤسسات الحكومية والنقابية والحزبية، في ظل تحدٍ إقليمي كبير له علاقة بمحاولة تصفية القضية الفلسطينية، والذي إذا حدث سيكون على حساب الأردن والأردنيين". ويضيف أن "هذا المشهد العام له أثر على كل المؤسسات الأردنية وتفاصيل الحياة السياسية والاقتصادية، فيما أصحاب الإدارة يمارسون سياسة إطفاء الحرائق"، لافتاً إلى أن "الحديث عن الإصلاح السياسي ترف يفتقد إلى العزيمة والدافعية والصدقية في القرار من قبل السلطات"، معتبراً أن الإدارة الأردنية تحوم ولا تتعمّق في مجال الإصلاح وتعمل على تأزيم مؤسسات البلد، وهي فكرة باطنية ونسخة رديئة من القاتل الاقتصادي.
ويختتم بالقول "المشهد يكشف أن الحديث عن الإصلاح السياسي هو حديث عام للاستهلاك وتمنيات، فالإصلاح الحقيقي يبدأ من الأخذ في الاعتبار أن على صاحب القرار عندما يشعر بأن هناك فوضى ومشاكل تتعمّق، أن يبادر فوراً إلى ثورة سلمية بيضاء في البناء الفوقي قبل الوصول إلى فوضى لا تحمد عقباها".

أمام هذا الوضع، يمكن القول إن الواقع الأردني اليوم يعكس غياب الإرادة السياسية للإصلاح، ويجسد رغبة "قوى الأمر الواقع" في إبقاء الوضع القائم، وتعليق أي تعثّر في مسار الإصلاح على غياب الوعي وضعف الأحزاب، لقطع الطريق على أي "اختراقات محتملة" في هذا الملف.