الإسلاميون بين الأصولية والمحافظة

13 مايو 2015

بنكيران: لست إخوانياً (Getty)

+ الخط -
مجدداً، يُذكّر رئيس الحكومة المغربية، عبد الإله بنكيران، بأنه ليس إخوانيا، وإن تربى فكرياً على إنتاج "الإخوان المسلمين" وتنظيراتهم. وقال في مشاركته في منتدى الجزيرة في الدوحة "لست إخوانيا، ولا وجود لتنظيم الإخوان المسلمين في المغرب"، وفي حوار سابق مع صحيفة الشرق الأوسط، قال "لست إسلامياً. أنا مسلم، بالكاد أقوم بواجباتي الدينية، ولم آت إلى الحكومة لأغير نمط تدين المغاربة".

لو أن بنكيران في المعارضة اليوم، خارج الحكومة، هل كان سيقول هذا الكلام؟ وهل كان سيعرّف نفسه وهويته السياسية، بعيداً عن "الإخوان" وحتى عن الإسلاميين؟ لا أظن أنه كان سيجرؤ على تعريف نفسه بعيداً عن قبعة الإسلام السياسي، لأن المعارضة مكان احتجاجي مريح، على غير السلطة التي تحيط بها إكراهات كثيرة داخلية وخارجية.

ما يقوم به بنكيران من إعادة تعريف نفسه وحزبه وتجربته، بعيداً عن الإسلام السياسي، مسألة تندرج في مسار التطور الطبيعي لحزب قدم من أوساط مغلقة للإسلاميين إلى ساحة مفتوحة لكل المغاربة. بنكيران اليوم لم يعد داعية إسلامياً، ولا صوتاً احتجاجياً، ولا مناضلاً في قاع المجتمع، ينحو نحو الراديكالية. هو اليوم مسؤول في دولة فيها تيارات عدة، ومراكز قوى دولة لها مصالح وعلاقات مع دول أخرى، وموقع إقليمي ودولي. بنكيران لم يعد خطيباً في مسجد في حي شعبي، بل الشخصية الثانية في الدولة بعد الملك محمد السادس.

النزعة الأصولية التي تسربت إلى المغرب في السبعينيات، على يد جمعية الشبيبة الإسلامية، التي كان يقودها عبد الكريم مطيع، كانت موضة وتقليدا وموجة ورد فعل على اليسار وثقافته المهيمنة، وعلى الفرنكفونية وجبروتها في التعليم والإدارة، وعلى الظلم الاجتماعي وآثاره المدمرة في المجتمع، وعلى الاستبداد السياسي وتداعياته على شباب ما بعد الاستقلال. الأصولية الإخوانية والسلفية الوهابية والإسلام الجهادي كلها منتوجات مشرقية مصرية سعودية سورية أفغانية. أغلبية الكتب والأدبيات والمحاضرات والرموز التي تربى عليها الإسلاميون المغاربة كانت منتوجات وافدة على المغرب، ولم تكن نابعة منه. لم يهتم عبد الكريم مطيع وعبد الإله بنكيران ومصطفى الرميد وعبد الله بها وأحمد الريسوني بكتابات المنظرين المحليين، ولا بإنتاجات الفكر الإسلامي المغربي، أو الأندلسي، ولا بمساهمة الزعيم علال الفاسي، وهو عالم مقاصدي ومناضل وطني، ولا بسيرة شيخ الإسلام بالعربي العلوي، وهو مجدد ومعارض للسلطة، ولا بإنتاجات المختار السوسي، وهو أديب كبير، ولا بغيرهم من أعلام الفكر الإسلامي المغربي، بل راح الإسلاميون المغاربة يعكفون على كتب سيد قطب التي كتبها في السجن، فجاءت غاضبة ونظرته إلى المجتمع لا تخرج عن الجاهلية، وراحوا يروجون فكر أبي الأعلى المودودي من باكستان.

عزف الإسلاميون المغاربة عن تراث الأجداد، حيث يتعايش العرب والأمازيغ، والمسلمون واليهود، والموريسكيون والأفارقة، وراحوا يتطلعون إلى أممية أصولية غاضبة، تعد الشباب بالجنة على الأرض، وبعودة آمنة إلى أصل نقي، وبإحياء الخلافة التي لم تكن في جل تاريخ المسلمين راشدة.

قطع بنكيران نصف الطريق، للابتعاد عن المرجعية الأصولية المنغلقة التي تربى في كنفها، لكنه لم يقطع المسافة المتبقية، وهي تعريف العدالة والتنمية حزباً محافظاً وليس أصولياً، مدنياً وليس دينياً، إصلاحياً ديمقراطياً وليس إسلامياً منغلقاً.

المجتمع المغربي محافظ، والدولة محافظة، والمؤسسة الملكية محافظة، ولهذا، جل الأحزاب والتيارات التي اصطدمت بهذه المحافظة لم تنجح في أن تصير أحزاباً، وتيارات جماهيرية وواسعة، لكن المحافظة لا تعني الجمود ولا الانغلاق، ولا مخاصمة العصر وقيمه والغرب وحضارته. إنها مذهب سياسي يعطي الدين والثقافة والتاريخ واللغة والتقاليد والهوية مكانتها في الحياة العامة، وفي السياسات العمومية، ولا يتجه إلى القطيعة مع الماضي والتراث، لكن المحافظة لا تتعارض مع التقدم والتطور.

لهذا، أمام "العدالة والتنمية" المغربي فرصة كبيرة لأن يعطي نموذج الحزب المحافظ الذي تخطى الأصولية، ووضع رجلاً في حقل ما بعد الأصولية.

A0A366A1-882C-4079-9BED-8224F52CAE91
توفيق بوعشرين

كاتب وصحفي مغربي، رئيس تحرير جريدة "أخبار اليوم" المغربية.