الإرهاب خلفية بارزة للصراع في اليمن

01 مايو 2016
+ الخط -
كان الجيش اليمني، في منتصف العام 2014، يطهّر آخر أوكار المتطرفين في محافظة شبوة الجنوبية في عمليات عسكرية واسعة، تحمس لها أغلب اليمنيين، بل وعدّوها الحرب الوطنية الوحيدة التي يخوضها الجيش منذ تأسيسه. وكاد الجيش اليمني أن يحقق انتصاره النهائي على تلك الجماعات، بقيادة اللواء محمود الصبيحي الذي كان، حينها، قائداً للمنطقة العسكرية الرابعة، غير أن جماعة الحوثي بادرت إلى إشعال حرب أخرى في محافظة عمران الشمالية مع اللواء 301، متهمين قائده حميد القشيبي بأنه متمرّد على الدولة.
في وقت لاحق، سيفهم الجميع، وقد توقفت الحرب الرسمية على الجماعات المتطرفة، أن جماعة الحوثي، ومن خلفها علي عبدالله صالح، لا يريدون التفريط بالمنجم الذي سيستثمرونه في الأيام المقبلة، وسيكون خير وسيلة لتحقيق الهدف الأكبر المتمثل بالحصول على السلطة.
تظهر الحرب الأخيرة التي بدأتها قوات التحالف ضد المتطرفين في محافظة حضرموت، حجم الفزع الذي طرأ على مقربين من دائرة سلطة الأمر الواقع (تحالف الحوثي وصالح)، فتارة تراهم يفسرون اختفاء مجاميع كبيرة من تلك الجماعات التي فضلت عدم المواجهة، أنها في الأصل جماعات تتبع الشرعية ودول التحالف، وهم الذين لم يدّخروا جهداً في سبيل إقناع اليمنيين أن القاعدة في اليمن حقيقة ماثلة. حينها كان تحالف الحوثي وصالح بأنه الوحيد من يستطيع شن هذه الحرب، وأن الغرب لا يزال في صفهم حتى الآن لهذا السبب.
أما أولئك المقربون من سلطة الأمر الواقع، والذين أصبحت لديهم رؤية جديدة للإرهاب في اليمن، ستجدهم، تارة أخرى، يعبرون عن غضبهم من استمرار العمليات العسكرية، في الوقت الذي توجد هدنة ومفاوضات جارية. كان الإرهاب بالنسبة لهؤلاء المعضلة الكونية، والتي تبرّر الحرب وجرائمها وآثارها المأساوية، وفجأة سيصبح موقفهم هذا الذي نتابعه. ويحمل هذا القدر الهائل من التناقضات والغرابة.
في الحقيقة، تبدلت عناوين الحرب التي شنها تحالف الثورة المضادة في اليمن، وذلك بحسب ظروف كل مرحلة. في البداية، قالت جماعة الحوثي إنها تواجه التكفيريين في صعدة، ثم مراكز القوى القبلية، كما حدث في عمران، وبعدها مواجهة مراكز النفوذ في صنعاء، وإسقاط قرار رفع الدعم عن المشتقات النفطية، لكن العنوان الأبرز كان، ولا يزال، ذريعة محاربة الإرهاب وداعش، بينما الهدف هو السيطرة على السلطة والاستئثار بها.
حاول الحوثيون، بمعية صالح، منذ وقت مبكر، تنفيذ المخطط نفسه الذي اتكأ عليه بشار الأسد ليحافظ على سلطته، من خلال حرف الصراع من كونه بين الشعب الثائر والنظام المستبد إلى كونه بين النظام وجماعات متطرفة. وكان للمخلوع دور الأسد نفسه في تسهيل عمليات استيلاء الجماعات المتطرفة على مناطق واسعة من البلاد.
والآن، لا يزال تحالف الحوثي وصالح يعوّل على مزيد من مساندة الدول الكبرى، باعتبارهم
الطرف الوحيد القادر على محاربة الجماعات المتطرفة، بعد أن أصبحت الدولة اليمنية شبه مقوّضة. من باب استثمار الهلع الغربي لكون خطر هذه الجماعات وصل إلى عقر دارهم. وفعلاً، كانت الولايات المتحدة الأميركية التي ترفع جماعة الحوثي شعارات تدعو بالموت لها، قد بدأت في مساندة الحوثيين، في الأشهر الأولى من سيطرتهم على العاصمة صنعاء، في 21 سبتمبر/ أيلول 2014، عندما اتجه الحوثيون إلى توسيع دائرة الحرب في محافظة البيضاء.
وظهرت المساندة الأميركية على شكل ضربات الطائرات بدون طيار في كل من رداع التابعة للبيضاء وأجزاء أخرى شملتها المعارك، قبل أن تتسع وتصبح حرباً تستهدف الغالبية العظمى من اليمنيين، في محافظاتٍ يمنيةٍ كثيرة، من دون التخلي عن شعار محاربة الإرهاب "الدواعش".
من الواضح أن الشرعية في قاموس الغرب، أصبحت، عندما يتعلق الأمر باليمن، هي المتصلة بمحاربة الإرهاب. وقد احتفظوا بصالح حتى الآن، ويبدو أنهم يريدون له أن يكون شريكاً في أي عملية سياسية قادمة، لاعتقادهم أن صالح هو الوحيد من يستطيع محاربة الإرهاب.
باتت الجماعات المتطرفة في اليمن تشكل جزءاً من الثورة المضادة، لأنها تقاتل لأجل خيالات ليس لها علاقة بظروف اليمنيين وواقعهم الصعب. تلعب معظم فصائل هذه الجماعات دورها الذي يصب في صالح الثورة المضادة، ربما دون نية مبيتة، لكن هذا ما يحدث في النهاية. وأخيراً، كانت هذه الجماعات قد اتجهت إلى أن تنشط في مساحاتٍ، هي في الأساس الميدان الفعلي للثورة، كما يحدث في تعز وعدن مثلاً.
بالطبع، للإرهاب جذوره، لكن ليست المصادفة وحدها ما تجعل هذا الإرهاب يصب، في النهاية، في خدمة أجندة بعينها. ثم أن معظم الملتحقين بهذه الجماعات لم يلتحقوا بها لأسباب عقائدية. ولكن، لأنها تمنحهم رواتب في ظروف معيشية صعبة، أصبحت تتدهور كل يوم بشكل أسرع بسبب الحرب. وهذا ما مكّن تلك الجماعات من تجنيد آلاف خلال عام من الحرب.
ويعود انتعاش الجماعات المتطرفة، إلى جانب كل الظروف الموضوعية، إلى انتعاش الطائفية التي فرضها تحالف الحوثي وصالح أمراً واقعاً، فقد اتجهت الحرب صوب محافظات ومناطق معروف تاريخياً أن سكانها يتبعون المذهب السني، بينما برزت الحوثية حالة إحيائية للمذهب الزيدي الذي يأتي ضمن تصنيف المذاهب الشيعية.
عملية الانقلاب على الدستور والسلطة الشرعية في البلاد من خلال الاستقواء بالسلاح إلى جانب عدم وجود قوى حاملة للمشروع الوطني اليمني تجابه الانقلابيين، كل هذا جعل من الجماعات المتطرفة ملاذاً لدى بعض القطاعات. وهذا ما سعى صالح إلى إثباته طوال الفترة الماضية، وبأثر رجعي. (الطائفية والإرهاب أصبحا بمثابة شيء أساسي لأي ثورة مضادة). لكن الحديث عن وجود دافع طائفي وراء ازدهار هذه الجماعات، لا ينفي الدافع الأبرز الذي هو اقتصادي واجتماعي، إلى جانب تجلي عملية الإقصاء التاريخي، ومحاولة استئثار تحالف الحوثي وصالح بالسلطة مجدداً، ووصم كل من لا يوافقونهم بأنهم دواعش ومتطرفون.
avata
وسام محمد

كاتب يمني