تمتلئ مواقع التواصل الاجتماعي بتسجيلات وفيديوهات تظهر القتل الهمجي الذي يمارسه "داعش". كُلّ تلك الفيديوهات، لا يُمكن التحقّق منها. لكنّها بالتأكيد، تعتمد أسلوباً فنياً، وتهدف لإيصال رسائل مُعيّنة.
وتتميّز هذه الفيديوهات بتصوير دقيق يوافق معايير الصورة الصحيحة أو المبدئية على الأقل، مثل حجم الكادر وموقع الشخص أمام الكاميرا التي تعتمد "قاعدة التثليث في التصوير/Rule of Thirds" والتي تنص على عدم توسيط الجسم المراد تصويره، أي وضعه في وسط الصورة.
قاعدة التثليث تنصّ على وقوع الجسم المصور بالكادر في أحد أثلاث الصورة، أو احتواء الجسم المصور قرب أحد الأثلاث. بذلك تكون الصورة مريحة إلى المشاهد. أيضاً هناك مراعاة في الصور للمساحة ما بين رأس الجسم المصور في الكادر أو ما يعرف بـالـ "HeadRoom"، آخذين بعين الاعتبار وجهة المنظور مع عدسة الكاميرا. بالإضافة إلى اعتماد تقنية "تلوين الصورة"، وإضافة مؤثرات بصرية أخرى مثل "Feather Effect".
هناك فارق واضحٌ في نوعيّة الصورة بين الثورة العربية (التي استخدمت كاميرات الهواتف المحمولة) ضد الديكتاتورية الداعشيّة. ولكن لماذا يريد "داعش" الدخول في كل هذه التقنيات البصرية؟
يأتي الجواب سريعاً عن هذه الفروقات والأسئلة، تحت تبرير واحد، وهو "التأثير على المتلقي، واستدراجه". فالصورة هي لغة تخاطب مشاعر المتلقي. وقد تمّ إثبات ذلك في الأفلام، إذ إننا غالباً ما نشاهد الألوان الدافئة في المشاهد العاطفيّة أو الحساسة، والتي تتضمّن حوارات أو مواقف حزينة، أو التي تعود بالمشاهد إلى ماضيه ضمن Flash Back. ويتم استخدام الألوان الباردة للتعبير عن قساوة الموقف وجديته، وهذا تماماً ما نشاهده في فيديوهات "داعش".
وليس ذلك فقط، بل اعتمد "داعش" في فيديوهات ذبح الصحافيين على عوامل عدّة اخترقت من خلالها عقل المشاهد (الغربي على وجه الخصوص)، إذ ارتدى الصحافيون في الفيديوهات (جايمس فولي) بزّات باللون البرتقالي، تماماً كتلك التي ارتداها معتقلو "غوانتانامو"، في رسالةٍ انتقاميّة واضحة. كما عمد إلى ترجمة الفيديوهات.
وفي فيديو ذبح الصحافي ستيفن سوتلوف، استنسخ "داعش" إخراجاً أميركياً، استخدم أسلوب افتتاحيّة مسلسل "هوملاند" ذي الشعبيّة الكبيرة، والتي ظهر فيها الرئيس الأميركي باراك أوباما، ما يؤكّد أنّ "داعش" يستخدم أسلوب التوليف (المونتاج) الذي يُستخدم لجذب المشاهدين في المسلسلات التلفزيونيّة لرفع مستوى الإرهاب الذي قد تحدثه مشاهدة الفيديو على الجمهور الأميركي، فيظهر الإرهاب أكثر "رومانسيّة".
إلى ذلك، فإنّ للفيديوهات أبعاداً أكثر مما تُظهره الصورة. فهي تبثّ رسائل عبر المونتاج نفسه، لتستقطب مُجاهدين غربيين. فالأسلوب الهوليوودي المستخدم في الفيديوهات، مدروسٌ بعناية ليقول للمشاهد الغربي إنّ "داعش" يشبهه أكثر من السلطات الغربيّة، ليتمّ تجنيده بعدها. ويقول مدير "المركز الدولي لدراسة التطرّف"، بيتر نيومان أنّ للفيديوهات هذه "تأثيرٌ قوي وفعّال، لأنّه يُشكّل خوفاً لدى الناس، ويكاد يكون بنفس مستوى العمليّات الإرهابيّة".
على صعيدٍ آخر، فإنّ من يُشاهد فيديوهات "داعش"، ولا يتأثّر بالبروباغاندا التي تحتويها، فإنّه يطرح أسئلة حول أداء حكومة بلاده، ومسؤوليّتها تجاه مواطنيها لحمايتهم من الإرهاب. وقد يكون ذلك في بعض الأحيان كافياً بالنسبة لهوليوود الإرهاب.
"داعش" أونلاين: عن التجنيد وأكثر
هل ساعد سنودن مقاتلي "الدولة"؟
"داعش" والميديا: الإرهاب صوتاً وصورة وكلمات