الإرباك الليلي... استنزاف الاحتلال ومستوطنيه على حدود غزة

غزة

يوسف أبو وطفة

avata
يوسف أبو وطفة
23 سبتمبر 2018
+ الخط -
مع حلول ساعات المساء، يتجمّع عشرات النشطاء الفلسطينيين قبالة الحدود الشرقية لقطاع غزة، ثم يتجهون إلى أقرب نقطة حدودية تفصلهم عن أراضيهم المحتلة، ليقوموا بإشعال الإطارات وتشغيل مكبرات الصوت المزودة بأصوات صفارات الإنذار، إلى جانب إطلاق الألعاب النارية.

وأطلق هؤلاء النشطاء الذين باشروا نشاطهم خلال الأيام القليلة الماضية، اسم "وحدة الإرباك الليلي" على أنفسهم، إذ يهدفون إلى زيادة الإشغال والضغط الليلي على جنود الاحتلال، إلى جانب ما تشهده الحدود والمناطق الشرقية للقطاع خلال ساعات النهار. وتتحوّل هذه المناطق إلى ساحة مواجهة شبه يومية، إذ يعمد النشطاء الشباب إلى افتتاح نقاط مواجهة جديدة إلى جانب خيام العودة المتواجدة منذ بدأت مسيرات العودة الكبرى وكسر الحصار في الثلاثين من مارس/آذار الماضي، من خلال اختيار أقرب المناطق القريبة للجنود والمستوطنات المقامة على الأراضي المحتلة عام 1948.

وأضحت هذه المناطق النائية بالنسبة للغزيين تضجّ يوميّاً بحركة غير معهودة بفعل ما يقوم به النشطاء من فعاليات يومية، يحشدون خلالها أكبر عدد ممكن من أجل إرباك جنود الاحتلال وتنظيم فعاليات تهدف لإزعاج المستوطنين والجنود على حدٍ سواء. وعمدت وحدة الإرباك الليلي أخيراً إلى توجيه رسائل لبعض سكان هذه المستوطنات بشكلٍ استباقي، كان من ضمنها مستوطنة كيسوفيم الواقعة شرقي دير البلح وسط القطاع، إذ دعوا المستوطنين لمغادرة مناطق سكنهم.

يقول أحد أعضاء الوحدة، الذي طلب تسميته "أبو أحمد"، لـ"العربي الجديد"، إن ابتداع الوحدة جاء من أجل زيادة وتعزيز الضغط على الاحتلال للاستجابة لمطالب مسيرات العودة الكبرى، وعلى رأسها إنهاء الحصار الإسرائيلي المفروض على غزة. ويوضح أبو أحمد أن الفكرة تعززت بعد اتساع الفعاليات الحدودية التي تشهدها المناطق الشرقية للقطاع خلال الآونة الأخيرة، خصوصاً بعد افتتاح نقاط جديدة كالنقطة البحرية القريبة من منطقة زيكيم، ونقطة بيت حانون/ إيرز شمالي القطاع، وكلها خطوات من أجل تعزيز الضغط سواء في النهار أو الليل.

والفعاليات التي تقوم بها الوحدة تتنّوع بين إشعال الإنارة وتوجيه الليزر وقص السلك الحدودي الذي يفصل القطاع عن الأراضي المحتلة عام 1948، أو إطلاق الألعاب النارية وبعض المفرقعات مرتفعة الصوت، إلى جانب تشغيل صافرات الإنذار، وفق أبو أحمد. ويوضح أن سبب التركيز على تشغيل صافرات الإنذار في الفعاليات الليلية يهدف لتذكير جنود الاحتلال ومستوطنيه على حدٍ سواء بإمكانية تدهور الأمور بشكل أكبر مما هي عليه، لتعود صواريخ المقاومة للانطلاق مجدداً إذا لم يتم الاستجابة لمطالب الغزيين.

ويلفت عضو آخر في وحدة الإرباك الليلي، إلى أن الفكرة العامة جاءت بهدف دبّ الخوف والرعب في صفوف جنود الاحتلال ومستوطنيه، من خلال الفعاليات شبه اليومية في المناطق الشرقية والحدودية الملاصقة للأراضي المحتلة عام 1948. وتبدأ الفعاليات الليلية يومياً بحدود الساعة العاشرة إلى الحادية عشرة ليلاً، وفي بعض المرات يتم اختيار أوقات غير محددة من أجل إرباك جنود الاحتلال المتواجدين في المناطق الحدودية ومستوطنيه، خصوصاً في المناطق التي توجد فيها مستوطنات ملاصقة وقريبة للقطاع.


وفي السياق، يقول الكاتب والمحلل السياسي مصطفى الصواف، لـ"العربي الجديد"، إن الهدف من استحداث هذه الوحدة يعود إلى الرغبة في إنجاز أحد أهم أهداف انطلاق مسيرات العودة وهو إنهاء الحصار الإسرائيلي المفروض على غزة منذ عام 2006. ووحدة الإرباك الليلي، وفق الصواف، "هي إبداع فلسطيني جديد، وفي حال لم تنجح أو استنفدت هذه الوسيلة، فالفلسطينيون قادرون على استحداث وسائل جديدة، خصوصاً أن هدف كل هذه الوسائل الضغط على الاحتلال المتردد في رفع الحصار مقابل التهدئة".

ويشير الصواف إلى أن عملية الاختيار المنتظمة للأماكن التي تتواجد بها هذه الوحدات ليلاً تهدف للتأثير على الجيش والمستوطنين على حدٍ سواء، من أجل إرباكهم وإرباك المؤسسة العسكرية وفي الوقت نفسه زيادة الضغط على المستوطن الإسرائيلي الذي لا يقبل العيش تحت الضغط النفسي. ويلفت إلى أنّ "الاحتلال في حال استشعر بالضيق سيقوم بالتصعيد وسيحاول جر المقاومة الفلسطينية لمواجهة لا يريدها هو الآخر، وهذا الخيار سيبقى قائماً إذا لم يستطع الاحتلال إنهاء ما يجري على الحدود الشرقية للقطاع".

يُذكر أن مسيرات العودة الكبرى وكسر الحصار التي انطلقت في 30 مارس/آذار الماضي، ابتدع خلالها الفلسطينيون وسائل عدة للمقاومة الشعبية، كان منها البالونات والطائرات الورقية الحارقة وقص السلك وإحراق الدشم العسكرية القريبة والملاصقة للقطاع من الجهة الشرقية والشمالية.

ويرى الباحث في الشأن العسكري رامي أبو زبيدة، أنّ وحدة الإرباك الليلي من شأنها زعزعة الواقع الأمني لجنود الاحتلال المتواجدين على طول الشريط الحدودي، بفعل النشاط الذي يقوم به النشطاء الفلسطينيون. ويقول أبو زبيدة، لـ"العربي الجديد"، إن الإرباك الليلي يهدف إلى استنزاف الجنود وإبقائهم مستنفرين والعمل على إرهاقهم، خصوصاً أن النشطاء يتّبعون سياسة المباغتة وعدم الاعتماد على نقاط محددة، بل يتنّوع الأمر في بعض الأحيان ليصل إلى اجتياز الحدود وحرق دشم عسكرية للجنود.

ويوضح الباحث الفلسطيني أن إبقاء حالة الإشغال بشكلٍ متواصل من قِبل وحدة الإرباك الليلي يهدف لإبقاء جنود الاحتلال غير مستقرين وغير آمنين ويعزز الإرباك النفسي ويبث القلق في صفوفهم وفي صفوف سكان المستوطنات المحاذية والقريبة من القطاع. ويرجّح أن يتعامل الاحتلال مع نشاط هذه الوحدة عبر زيادة قوة الإرهاب والقنص والعنف، متوقعاً أن تتسم الأيام المقبلة بزيادة في الضغط ضد جنود الاحتلال ومستوطنيه من جانب آخر عبر الأنشطة التي ستشهدها الحدود، سواء عبر وحدة الإرباك الليلي أو الأنشطة النهارية.
ووفق أبو زبيدة، فإن أعضاء هذه الوحدات وغيرها من الوحدات المشاركة في أنشطة مسيرات العودة باتوا يعوّلون على عامل الوقت من أجل استجابة إسرائيل لمطالب كسر الحصار، لا سيما أن الاحتلال عمل على قتل الوقت عبر الوفود التي أرسلها طيلة الفترة الماضية لإيقاف الحراك وشلّه.

المساهمون