الإدارة الأميركية وتحدي استعادة ثقة الحلفاء: جولة أوباما نموذجاً

28 ابريل 2014
الثقة بالالتزام الأميركي تجاه الحلفاء تزعزعت(جيم واتسون، فرانس برس،Getty)
+ الخط -

تنشغل الولايات المتحدة في هذه الأيام بمتابعة أكثر من ملف خارج حدودها. رئيسها، باراك أوباما، وجد أخيراً الوقت الملائم للقيام بجولته الآسيوية التي تأجلت من العام الماضي إلى مطلع الأسبوع الحالي. أما وزير خارجيتها، جون كيري، فيضطر أخيراً إلى تقسيم وقته بين متابعة الأزمة الأوكرانية ومتابعة المفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية التي انهارت.

هذا النشاط الدبلوماسي الأميركي لا يبدو مثمراً حتى اللحظة. الجولة الآسيوية التي بدأها الرئيس الأميركي من اليابان، وانتقل بعدها إلى كوريا الجنوبية وأكملها في الفيليبين وماليزيا، لديها أكثر من هدف، وتعكس التحول في السياسة الخارجية الأميركية تجاه آسيا والباسيفيك، والتي يطلق عليها بعض "الانعطافة الذكية".

يريد أوباما، تسوية الخلاف مع اليابان بما يتيح تطبيق الشراكة التجارية عبر الباسيفيك، التي تضم 12 بلداً، لتعزيز الاسواق المفتوحة أمام تصدير المنتجات الاميركية، في منطقة يُعدّ اقتصادها الاسرع نموا،ً وتجمع التحليلات الاميركية على التأكيد أنها ستؤدي الدور الأبرز في تحريك الاقتصاد العالمي مستقبلاً.

لكن جهود أوباما، في اليابان لم تثمر في توقيع الاتفاق المأمول. ذلك على الأقل ما بدا واضحاً من البيان الأميركي الياباني المشترك في ختام الجولة، الذي اكتفى بالإشارة إلى تحقيق تقدم في المحادثات.

الاتفاق التجاري على أهميته ليس الهدف الوحيد للجولة. هناك أيضاً حاجة إلى الوجود في الحديقة الخلفية للصين، التي تتمدد داخل آسيا وخارجها بالتزامن مع تعزيزها قدراتها العسكرية. وهو أمر باتت الولايات المتحدة مجبرة ليس فقط على عدم تجاهله بل على الثناء عليه. زيارة وزير الدفاع الأميركي، تشاك هاغل، حاملة الطائرات الصينية في السابع من الشهر الحالي تعكس هذا التوجه.

والأهم، أن الادارة الأميركية تريد طمأنة حلفائها الى الوقوف الأميركي الى جانبهم في مواجهة الصين في ما يعرف بـ"صراع الجزر" في بحر الصين الجنوبي، ولا سيما أن الثقة بالالتزام الأميركي تجاه الحلفاء تزعزعت على وقع التطورات في أوكرانيا وانتزاع روسيا للقرم من دون أن تتمكن الولايات المتحدة الأميركية أو أي طرف آخر من ردعها.

الملف الأوكراني أوكلت مهمة معالجته بشكل أساسي إلى وزير الخارجية الأميركي، جون كيري. لكنه فشل في تسويته. المسألة ليست مرتبطة بكيري، ومقاربته الأزمة بقدر ارتباطها بالأوراق التي تملكها الإدارة الأميركية لمحاولة التخفيف من حدة الأوضاع المتوترة.

منذ اندلاع الأزمة، وجدت الإدارة الأميركية أن خياراتها محدودة. لا نية لديها للتدخل العسكري دعماً للسلطات الأوكرانية الجديدة. أبعد ما ذهبت إليه الإدارة الأميركية عن دعم اقتصادي ودعم عسكري غير قتالي يرافقه عقوبات على روسيا، لم تفلح واشنطن حتى اللحظة في إقناع حلفائها في الاتحاد الأوروبي بمجاراتها وتطبيق المستوى نفسه.

في مقابل انحسار الخيارات الأميركية، تبدو روسيا أكثر صرامة. تهديدات وزير خارجيتها سيرغي لافروف، بتكرار تجربة التدخل في جورجيا لا تبدو مزحة. موسكو مصممة على أن تدفيع كييف ثمن إطاحة الرئيس الأوكراني، فيكتور يانوكوفيتش، لا يجب أن يقتصر على قضم القرم. الانفصاليون الموالون لروسيا في مدن الشرق يتكفلون بذلك. هم لا يترددون في احتلال المباني الحكومية، متى ما استدعى الوضع تصعيداً ميدانياً وضغطاً سياسياً من روسيا.

أما القوات الروسية فتتقدم ببطء باتجاه الحدود الأوكرانية، وبأعداد كبيرة بحجة المناورات العسكرية المتزايدة في إطار ضغطها العسكري.

تحدث جميع هذه التطورات، وتكتفي الولايات المتحدة بدور المتفرج. في الأصل، لولا قلة الحيلة الأميركية لما ولد اتفاق جنيف الأوكراني قبل نحو أسبوعين.

الاتفاق ولد من دون أي أمل له بالدخول حيز التنفيذ بشكل فوري. وهو ما أكدته أيضاً تصريحات المسؤولين الأميركيين بعد ساعات فقط من توقيعه. ولذلك، فإن السؤال الأهم قد يكون، ما الذي دفع الولايات المتحدة إلى التوافق عليه مع روسيا بحضور ممثلين عن أوكرانيا والاتحاد الأوروبي؟

على الأرجح، لم يكن لدى واشنطن خيارات أفضل. عدم الاتفاق يستوجب تصعيداً أميركياً في مواجهة التعنت الروسي. أمر لا تريد الولايات المتحدة أن تنجر إليه، ولذلك تصر على تأكيد إمكان إيجاد حل سلمي. كذلك تتجنب حتى اللحظة في وضع أي خطوط حمراء لروسيا في أوكرانيا، لإدراكها أن أي التزام من هذا القبيل، قد لا تكون بالضرورة قادرة على الوفاء به.

سياسة الولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط كفيلة بتأكيد ذلك. تمتلك الإدارة الأميركية تجربة سيئة مع الخطوط الحمراء، وتحديداً في سوريا. رسمت واشنطن خطاً أحمر وربطته باستخدام الكيماوي منذ ٢٠١٢. استخدم النظام السوري الكيماوي فوجد الادارة الأميركية تتجاهل ما يحدث، فكرر الأمر.

وعندما استُخدم الكيماوي في مجزرة الغوطة العام الماضي بدأت التلويح بالخيار العسكري. لكنه لم يكن في الحقيقة أكثر من تهويل أرادت منه الوصول سريعاً إلى تسوية مع النظام السوري تتيح لها استبعاد الخيار العسكري في مقابل حفظ ماء الوجه. وهو ما كان النظام السوري يدركه جيدا،ً فكانت تسوية تسليم الكيماوي، فيما يشهد الدور الأميركي في الأزمة السورية تراجعاً ملحوظاً منذ العام الماضي.

وهو تراجع ينسحب بشكل أو بآخر على المفاوضات الفلسطينية ــ الإسرائيلية، أحد أبرز الملفات التي ألقت الدبلوماسية الأميركية بثقلها فيها طوال الأشهر الماضية قبل ان تنهار المفاوضات في الأيام الماضية أمام التعنت الإسرائيلي وعجز الادارة الأميركية عن دفع الاحتلال لتقديم أي تنازل يتيح تمديد المفاوضات.

تبدو الادارة الأميركية أكثر من أي وقت مضى، فاقدة القدرة على التأثير في مجريات الأحداث على الساحة الدولية.

على وقع الأزمة الأوكرانية، فتحت صحيفة "نيويورك تايمز" الشهر الماضي، سجالاً حول الأداء الأميركي تحت عنوان "السياسة الخارجية الأميركية ضعف أم واقعية". الآراء حيال تصنيف وتفسير السياسة الأميركية تعددت.

قد تكون الإجابة الأدق، أن ما يحكم السياسية الأميركية اليوم، هو مزيج من الضعف والواقعية. الولايات المتحدة خلال العقود الماضية، المندفعة بنهمٍ إلى الحروب وتدمير الدول، ليست هي أميركا اليوم، التي ترى في القوة العسكرية عبئاً تدفع ثمنه في أوجه متعددة. أولها اقتصادي عبر أزمة لا تزال تحاول الخروج منها بعدما أوصلتها إلى شفا الافلاس الداخلي، وثانيها دبلوماسي عبر التراجع في نفوذها على الساحة الدولية، ولا سيما أمام الدب الروسي والتنين الصيني.