الأيام اللبنانية في باريس.. أنشطة متنوعة وجمهور خجولٌ

18 مايو 2015
دبكة ارتجالية للحضور (العربي الجديد)
+ الخط -

يودّعنا "أبو العبد" البيروتي، كما استقبلنا، بابتسامة وفنجان قهوة على طريقة مقاهي بيروت الشعبية. الشخصية الفلكلورية البيروتية الشهيرة، التي حيكت على لسانها طرائف العاصمة المحلية والنكات والأحاجي، اختيرت لتكون الرمز الشعبي الذي يفتتح جولة زائري "الأيام اللبنانية في باريس" التي اختتمت أمس الأحد 17 مايو/أيار، في "بلان مانتو" في المقاطعة الرابعة.

وهو يقدّم فنجان القهوة لك، ترحيباً، يقول بنوع من اليقين: "إنها تفتح الشرايين"، كما تنفتح أجواء الأنشطة على الوئام والتبادل الثقافي والحوار الحضاري.

وقد عبّر ممثلو عمدة باريس والمقاطعة الرابعة في العاصمة عن ترحيبهم بهذه الأيام اللبنانية، وعن أملهم في جعل باريس عاصمة أوروبية وعالمية توحّد بين جميع الثقافات، وتفتح نقاشات من دون أي محاذير ومحرّمات، بروحٍ من الحُبّ والانفتاح، خصوصاً بعد مأساة "شارلي إيبدو".

وكان للمتطوعين من الجمعيات المدنية دور كبير في خروج هذه الفعالية للنور، كرّسوا وقتهم لإنجاحها، كما قامت البلديات المعنية بتوزيع مناشير عن هذه التظاهرة، لتستقطب الجمهور الفرنسي بكلّ أطيافه.

رولا نور الدين، ممثلة لسفارة لبنان، قالت إن الباريسيين وخاصة سكان هذه المقاطعة سيتعرفون إلى مختلف مظاهر وثراء ثقافة بلاد الأرز، وسيلتقون بفاعلين وفنانين ورسامين ونحاتين وموسيقيين ومطربين وكُتّاب ومخرجين سينمائيين وطباخين وحرفيين لبنانيين يشاركون لأجل مدّ أيديهم نحو الآخر، وتبادل المعارف معه. وعبّرت عن ابتهاجها لأن ريع هذه الأيام سيكون لفائدة أبناء شهداء الجيش اللبناني، الذين سقطوا وهم يؤدون واجبهم الوطني.

اقرأ أيضا:فرنسا تتعهد بالدفاع عن الحلفاء العرب ولو "عسكريا"

كما وجّه النائب الفرنسي هنري غبرايل، تحية للجالية اللبنانية التي تحترم "الجمهورية وقوانينها" والتي لم "تصنع قط الحدث في فرنسا إلا عبر مشاركتها في بناء الوطن، على عكس جاليات أخرى". واقترح انعقاد الدورة الثانية لهذه الأيام اللبنانية، السنة القادمة، في مدينته مارسيليا: "إذا كان لبنان بخير فالجميع، هنا، سعيدٌ، وإذا كان لبنان يُعاني فإن الجميع حزينٌ. لبنان محلّ حُبّ كبير في فرنسا".

والجدير بالذكر أنه أعلن خلال الفعالية حصول السيد إدموند عبد المسيح، رئيس الاتحاد اللبناني الثقافي العالمي، فرع فرنسا، ورئيس لجنة تنظيم هذه الأيام اللبنانية، على ميدالية الشرف التي يمنحها البرلمان الفرنسي.

مسيحيو لبنان واللغة العربية
من أبرز أنشطة الفعالية المحاضرةُ التي ألقاها المطران مارون ناصر الجميّل، عن "المثقفين المستشرقين اللبنانيين"، رغم ضعف الحضور. فقد كشف الجميّل عن حضور العرب، من خلال اللبنانيين المارونيين، في الغرب ودفاعهم عن اللغة العربية ونشرها في أوروبا والعالَم قبل أربعة قرون، وعن دورهم في العلاقات بين الشرق عموماً والغرب.

مما جاء في بحث المطران: "قرّر مسؤولو المجمّع الديني في بلدة فيينا في فرنسا والبابوية، في سنتي 1311 و1312، أي بعد فشل الحروب الصليبية، البدء في تدريس أربع لغات، من لغات الخصوم، سواء منهم السياسي أو الديني أو الثقافي، فدرسوا اللغة العربية للوصول إلى الإسلام، واللغة السريانية للوصول إلى المسيحيين السريان، واللغة الإغريقية للوصول إلى كل الأبعاد الإغريقية والبيزنطية، والعبرية للوصول إلى اليهود، أو بالأحرى التعمّق في دراسة الكتاب المقدّس.

وتمّ تعميم تدريس هذه اللغات في جامعات بولونيا (شمال إيطاليا) وأكسفورد وباريس وروما وحتى في سالامانكا في إسبانيا. وفي ما يخصّ تدريس العربية تمّت الاستعانة بأطباء، إذ كان من المفروض في تلك الفترة على كلّ طبيب أن يدرس العربية، ليتمكّن من قراءة كتاب "القانون في الطب" لابن سينا. وكان أول كتاب عربي يُطبع، مترجَما إلى اللاتينية، هو كتاب ابن سينا في سنة 1592".

اقرأ أيضا:"أهالي الجمهورية" الفرنسي يحتفل بالذكرى العاشرة لتأسيسه

وفي ختام مداخلته الغنية، قال المطران الجميّل: "لا يمكن لأحد أن يتّهمنا بأنّنا لسنا عرباً أو أننا لم نفعل شيئاً للغة العربية وللعروبة. لقد أنقذنا اللغة العربية في كل العواصم الأوروبية الكاثوليكية، كان يتواجد مارونيون يُدرّسون اللغتين العربية والسريانية، وهذا منذ القرن السابع عشر.

في فيينا، العاصمة النمساوية، كان عندنا أنطوان عريضة، وفي مدريد، العاصمة الإسبانية، كان هناك ميخايل الغزيري (الذي يعتقد الكثيرون أنه إيطالي، في حين أنه ماروني من "غزير")، أكبر مختصّ عن الشرق؛ وهو الذي ألّف كاتالوغ عن 1770 مخطوطاً عربياً في مكتبة الإسكوريال (45 كيلومتراً عن مدريد). وتضمّ مكتبة ثرية، حوت مخطوطات مولاي زيدان حاكم تونس، التي نهبها الإسبان ولم يحرقوها، من دون أن يعرفوا محتوياتها، وبينها خمسة آلاف مخطوط عربي، تنتظر من يجمعها ويحقّقها".

نشاط آخر جذب الحضور هو ركن "المطبخ اللبناني"، خاصة التبولة اللبنانية الشهيرة، حيث اختبر الجمهور الحاضر، بشغف، طريقة إعدادها، بكلّ الخطوات والمقادير، واستمعوا إلى مكانتها في المطبخ اللبناني، تراثياً وسياحياً، وكيف تضاهي هذه السَلَطة سلطات شهيرة أخرى من مطابخ حول العالم، وكيف تعكس نكهات الطبيعة اللبنانية وخضرواتها، المزيّنة بتتبيلة فريدة من الحامض وزيت الزيتون والسماق.

كما نبّهت السيدة التي كانت تقوم بتحضير الطبق المعروف، إلى ضرورة التمييز بين التبولة المغاربية واللبنانية، وهو أمر كان يجهله كثيرون.

وبعد الطبخ، جاء دور الرقصة الفولكلورية اللبنانية الشهيرة، الدبكة، بنوعيها التقليدي الأصيل والجديد العصري. واستطاع الفنان رابح حداد، الذي يشرف على فرقة دبكة في باريس أن يُقدّم نصائحه وتوجيهاته لكثير من الحاضرين الذين صعدوا المنصّة لتعلّم الرقصة اللبنانية وممارستها على الفور على أنغام وموسيقى لبنانية راقصة.

أجواء مرحة واحتفالية ورائعة، ولكن الجمهور للأسف لم يكن حاضراً بقوة. ربما لأنها البدايات، التي تكون غالباً صعبة.

اقرأ أيضا:عالم اجتماع فرنسي:المسلمون الفرنسيون أقلية مهضومة الحقوق
المساهمون