الأميرات على طريق الطنطورة

31 مايو 2015
مصطفى الحلاج / فلسطين
+ الخط -

لم أجد الأميرات اللاتي جلسن على طريق الطنطورة
الأميرات وجبة التنين وقرابين الربّ
نساءٌ أخريات يجلسن الآن هناك
تلفّ أعناقهنّ حبالٌ وتلدغ أرغفة أفرانهن العقارب
يصعدن قباباً كان بعل يصلّي للأرض تحتها
فيذكرون اسمه سبع مراتٍ
ويصرخون في وجه الشمس
"يا خضر يا أخضر
يا النبي داود
احرسلي أرضي
أم عيون السود"

الأرض حريقها
البحر استشاطته
قبابٌ، فنادق، غزاةٌ
جنرالات بربطات عنق
بنادق مورّدةٌ
دباباتٌ بأشرطة حريريةٍ
كتب تاريخٍ ملونةٌ
أبطالها يثبون منها كالأرانب
من قبعة الساحر
وعودُ آلهةٍ ميتة
وصلواتٌ لحربٍ
لم يذكرن اسمها
بعد أن رحلن فيها

لم أجد الأميرات اللاتي جلسن على طريق الطنطورة
نساءٌ أخريات يجلسن الآن هناك
لا يشبهن الأميرات بشيء
سوى أنهن
سيغبن طويلًا في بطن البحر
بعد أن يركبن السفينة إلى مخيم البداوي.

***

هل سأجدك صابراً؟

بحجم نقرة العصفور الذي وقف على الصارية
أضع علامةً حمراء على الشاشة
ثم بلمسة زرٍّ
أخرق جسد سفين المقدوني
التي تركها معافاةً على شاطئ غزة
وجاء البحر على بطنه
ثم ارتمى على صدر أثينا

عند بوابة الشجاعية
حيث اخضرّت أقمارٌ
وتدلّت منها قلوبٌ
كانت تخفق سويةً
وبصوتٍ واحدٍ
تدفع الموج الذي يرفع عنقه كنمرٍ
ها هو يحدق فيّ
إلا أني لم أخشه
وقنصت قلب غلامٍ كان يغرس ورداً
ويحصد رصاصاً

ألم أقل لك إنك لن تستطيع معي صبرا؟

إلى الشمال شيّدت جداراً
أعلى من أحلامٍ سرقوها من مناماتنا
التي امتدت أربعين عاماً فوق الصحراء
وأصلب من ألمهم الذي يدق في عظامنا كالمطارق

يا ابن اللدية
أمضيت معي حقباً
قبل أن تورِّث سفناً وغلماناً وجدراناً
لكل من زرع بذرةً على شكل نبوءةٍ
كنت آخرهم
أعبد نجوماً سداسيةً
وعصى سحريةً
ونهراً يقابل بحراً
نسينا فيه حيتاناً مضغت أفئدتنا
بعد أن جففها القيظ

يا ابن اللدية
ألم أقل لك إنك لن تستطيع معي صبرا؟

***

كان لبناً
قبل أن نخرج من جراره
ويصعد صراخنا إلى الرب

أيدينا التي أخرجناها من أعبابنا
لم تخرج برصاء كيد موسى
خرجت مفاتيح
لبوابات الجليل
التي أكسدها الحنين
وشمّعتها الأسرّة المغبرّة
وأوصدها أنين المصابيح

الآن نخرج
تمشي علينا دروب الغزاة
وتطن في آذاننا أصواتهم
التي تركوها ملقاةً على الطيّون:
"هلمّ نختال لهم لئلا ينموا"

كان عسلاً
قبل أن نخرج من جراره
وننمو من هياكلها المقفرّة
في اليرموك وبنت جبيل

الآن نخرج
تقبض على قلوبنا مراكب الغزاة
وتطن في آذاننا أصواتهم
التي تركوها طافيةً على وجه الموج:
"اقتله واطمره في الرمل"

كان خمراً
قبل أن نخرج من جراره
وننفض الرمل عن وجوهنا
ونثمل من الفجيعة

ومن تكرار الصدى نثمل:
"خذ عصاك
ومدّ يدك
على مياههم
على أنهارهم
وعلى سواقيهم
وعلى آجامهم
لتصير دماً"

فكان دماً
بعد خروجنا
كان دماً
صراخنا الذي صعد إلى الربّ

***

كنتَ أضابير السماء
التي وصلت إلى يهوة عن طريق الخطأ
وحين دقت الحرب
أحرقها في سيناء
وسقطت حيفا

عليك السلام
كنت منديل المجدلية
الذي مسح دموع العالم
تلك التي ذرفت منذ ألفي عام
ثم عصرها في مقلة عجوز
عند حاجز قلنديا

عليك السلام

كنت سيف جوارجيوس طاعن الشر
ذاك الذي قطع مضاؤه رأس الأمل
وقذفه من سور عكا

عليك السلام

كنت السرير الذي أحيا ابن الأرملة
ومن خشبه دقّ نجارو الرب المختارون
توابيت الشجاعية

عليك السلام

كنت الأرض التي اخضرت تحت قدمي الخضر
وحين دسناها أنبتت فسفوراً ومعادن

عليك السلام

كنت عصى موسى التي
تحسست عمق الماء عند العبور
ثم سقطت قذيفةً تتحسس عمق أجساد صغيرة في قانا

لم تكن رسول الفضيلة
لم تكن مخلّص هذا العالم

عليك السلام


* شاعرة من فلسطين

المساهمون