الأمم المتحدة تدين النظام السوري بكيميائي خان شيخون...فمتى تحاكمه؟

07 سبتمبر 2017
رئيس لجنة التحقيق البرازيلي باولو بينييرو (ألبن لور جونز/Getty)
+ الخط -
إدانة جديدة تسجلها الأمم المتحدة للنظام السوري بجريمة من العيار الثقيل هي قتل السوريين بالسلاح الكيميائي، من دون إعفاء مقاتلات التحالف الدولي الذي تقوده أميركا بغارات لا توفر المدنيين، من دون أن يؤدي كل ذلك إلى تحرك على مستوى مجلس الأمن الدولي وتحت الفصل السابع لمحاسبة النظام، أو أن تفتح إدانة لجنة التحقيق الدولية باباً لمحاكمة النظام أمام محكمة العدل الدولية. لكن القاضية الفرنسية المكلفة من الأمم المتحدة برئاسة الآلية الدولية لملاحقة مجرمي الحرب في سورية، كاترين أوهيل، أعلنت يوم الثلاثاء، أنها ستعمل مع فريق من نحو خمسين شخصاً، لدراسة وتحليل كل المعلومات حول جرائم الحرب في سورية. وقالت القاضية التي سبق أن عملت في القضاء الدولي الخاص بكوسوفو وكمبوديا وفي محكمة الجزاء الدولية الخاصة بيوغوسلافيا السابقة، إن التحضيرات لمحاكمة مرتكبي جرائم الحرب في سورية "تحرز تقدماً". 


وفي ظل هذه الإدانة الموثقة بالأدلة وبالصور الجوية، كان المبعوث الخاص للأمين العام إلى سورية، ستيفان دي ميستورا، مشغولاً بما يشبه الشماتة بالمعارضة، على اعتبار أنه آن الأوان لها لكي تعترف بأنها خسرت الحرب، من دون أن يكمل العبارة ويشرح لماذا خسرت الحرب، ربما بسبب جرائم النظام "الكلاسيكية" و"الكيميائية" مثلما تفيد أدلّة منظمته الأممية. 


وقد أعلنت لجنة التحقيق التابعة للأمم المتحدة، بقيادة البرازيلي باولو بينييرو، أمس الأربعاء، أن الحكومة السورية هي المسؤولة عن هجوم غاز السارين على مدينة خان شيخون في الرابع من إبريل/ نيسان الماضي وقتل 87 سوريّاً. وجاء في التقرير الرابع عشر الذي تصدره لجنة التحقيق حول وضع حقوق الإنسان في سورية، أنه "في الرابع من إبريل، وفي إطار حملة جوية (...) استخدمت القوات الجوية السورية غاز السارين، ما أدى إلى مقتل أكثر من 80 شخصاً غالبيتهم من النساء والأطفال". ورفضت اللجنة في تقريرها، رواية النظام التي تفيد بأن الضربات الجوية استهدفت مخزناً ينتج ذخائر كيميائية. وجاء في التقرير أن "العكس هو الصحيح، لأن كل الأدلة الموجودة تتيح القول إن هناك ما يكفي من الأسباب الموضوعية للاعتقاد بأن القوات الجوية ألقت قنبلة نشرت غاز السارين". وأضاف التقرير: "إن استخدام غاز السارين في خان شيخون في الرابع من إبريل من قبل القوات الجوية السورية يدخل في خانة جرائم الحرب". وكان مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة أنشأ هذه اللجنة عام 2011، إلا أن السلطات السورية لم تسمح لمحققيها بزيارة سورية للقيام بتحقيقاتها هناك، لذلك اعتمد المحققون على آلاف الشهادات للضحايا، وعلى وثائق وصور من الأقمار الاصطناعية.


وأضاف التقرير: "وحدها القوات السورية تستخدم" نوع الطائرات التي ارتكبت الاعتداء. وهذه اللجنة ليست الوحيدة التي تحقق في جريمة خان شيخون، إذ هناك لجنة أخرى مشتركة بين الأمم المتحدة والمنظمة الدولية لحظر الأسلحة الكيميائية تقوم أيضاً بالتحقيق في هذا الاعتداء. ويصدر تقرير الأمم المتحدة ومنظمة حظر الأسلحة الكيميائية بحلول أكتوبر/ تشرين الأول ليحدد الطرف المسؤول عن جريمة خان شيخون. وفي نهاية يونيو/ حزيران، أكدت المنظمة الدولية لحظر الأسلحة الكيميائية أن غاز السارين استخدم في الهجوم على خان شيخون من دون تحديد مسؤولية أي طرف. كما نددت بخضوع المحققين لضغوط هائلة. وأفادت السلطات السورية بأنها تقوم بالتحقيق لكشف ملابسات حادثة خان شيخون، إلا أنها لم تصدر أي تقرير بهذا الشأن. وأعلنت في منتصف أغسطس/ آب الماضي، أنها مستعدة للتعاون مع الخبراء لإثبات عدم تورطها في الهجوم على خان شيخون. وجاء في تقرير لجنة التحقيق أيضاً أن الهجوم على خان شيخون أوقع 83 قتيلاً على الأقل، بينهم 28 طفلاً و23 امرأة، في حين تؤكد مصادر أخرى أن ما لا يقل عن 87 شخصاً قتلوا، بينهم 30 طفلاً، في هذه الجريمة التي دفعت الولايات المتحدة إلى توجيه ضربة عسكرية "رمزية" إلى مطار الشعيرات في ريف حمص. ضربة لم تعطّل المطار الذي انطلقت منه الطائرات التي رمت الغازات الكيميائية على المدنيين في إدلب، وظهر أنها لم تكن سوى رد فعل شكلي من إدارة دونالد ترامب تلتها طمأنة من البيت الأبيض تفيد بأن واشنطن لا ترغب بتغيير النظام السوري.


وأجرى محققو الأمم المتحدة بقيادة الأكاديمي البرازيلي بينييرو، الذي أعلن خلاصة تقرير لجنته في مقر الأمم المتحدة في جنيف أمس الأربعاء، مقابلات مع 43 من الشهود والضحايا ورجال الإسعاف. واستخدم فريق المحققين صور الأقمار الصناعية وصوراً لبقايا القنابل وتقارير عن إنذارات مبكرة وتقارير طبية وفيديوهات، وأجرى الفريق ما مجموعه 300 مقابلة.

من جهة ثانية، اعتبرت اللجنة في تقريرها أيضاً أن الولايات المتحدة "لم تتخذ كل الاحتياطات اللازمة لحماية المدنيين" عندما قصفت مسجداً في قرية الجنة بريف حلب في مارس/ آذار الماضي، "وخرقت بذلك القانون الدولي الإنساني". وقتلت الغارة الأميركية، بحسب التقرير، 38 شخصاً بينهم أطفال. ومما جاء في تقرير لجنة التحقيق الدولية: "واصلت القوات الحكومية نمط استخدام الأسلحة الكيميائية ضد المدنيين في المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة. في الواقعة الأخطر استخدمت القوات الجوية السورية غاز السارين في خان شيخون بإدلب فقتلت العشرات، وكان أغلبهم من النساء والأطفال". ووصف ذلك بأنه جريمة حرب. وقال المحققون إنهم وثقوا في المجمل 33 هجوماً كيميائياً حتى اليوم وذلك في تقريرهم الرابع عشر منذ عام 2011. وأضافوا أن القوات الحكومية نفذت 27 هجوماً كيميائياً، منها سبعة بين الأول من مارس والسابع من يوليو/ تموز، وأنه لم يتم تحديد المسؤولين عن ست هجمات سابقة.



وعن جرائم غارات التحالف الدولي، ورد في التقرير أن المحققين الدوليين "يشعرون بقلق شديد من أثر ضربات التحالف الدولي على المدنيين". وأضاف التقرير أنه "في الجنة بمحافظة حلب، تقاعست قوات الولايات المتحدة عن أخذ كل الاحتياطات الواجبة لحماية المدنيين والأشياء المدنية خلال هجوم على مسجد، وذلك انتهاكاً للقانون الإنساني الدولي". وسبق لمحقق عسكري أميركي أن قال في يونيو/ حزيران إن الضربة الجوية هجوم سليم وقانوني على اجتماع لمقاتلي تنظيم القاعدة. لكن تقرير الأمم المتحدة أوضح أن طائرات أميركية من طراز ف-15 أصابت المبنى المجاور لقاعة الصلاة بعشر قنابل. وأعقب ذلك هجوم بطائرة بدون طيار من طراز "ريبر" أطلقت صاروخين من طراز "هلفاير" على الفارين. وأضاف التقرير أن "أغلب سكان الجنة وأقارب الضحايا والمسعفون الذين أجرت اللجنة مقابلات معهم، قالوا إن مبنى للخدمات ملحقاً بالمسجد كان يستضيف تجمعاً دينياً في ذلك المساء. وهذا أمر عادي". وقال التقرير الدولي إن "فريق الاستهداف الأميركي كان يفتقر لتفهم الهدف الفعلي بما في ذلك كونه جزءاً من مسجد يتجمع فيه مصلون مساء كل خميس لأداء الصلاة".

لكن في غضون كل ذلك، كان ستيفان دي ميستورا متفرغاً لكتابة تاريخ سورية المعاصر، فاعتبر أن على المعارضة السورية قبول أنها لم تنتصر في الحرب. وقال دي ميستورا في مؤتمر صحافي في جنيف، إن "القضية هي: هل ستكون المعارضة قادرة على أن تكون موحدة وواقعية بالقدر الكافي لإدراك أنها لم تفز بالحرب؟"، وبسؤاله عما إذا كان يقول ضمناً إن الأسد انتصر في الحرب، قال دي ميستورا: "لست أنا من يكتب تاريخ هذا الصراع... لكن في اللحظة الحالية لا أعتقد أن أي طرف بإمكانه حقيقة إعلان الانتصار في الحرب".