تعمد السلطات المصرية، وعلى نحو متزايد إلى مضايقة الأكاديميين الأجانب، وتحظر عليهم دخول البلاد وتقوم بترحيلهم، وتستهدف بخاصة أولئك الذين يجرون بحوثا تتعلق بالثورة المصرية أو بقضايا اجتماعية مثل النقابات العمالية- موضوع رسالة الدكتوراه للطالب الإيطالي جوليو ريغيني الذي قتل مؤخرا في ظروف غامضة.
قضية جوليو ريغيني عمقت فقط المخاوف السائدة في أوساط الأكاديميين من أنهم باتوا يلاحقون في حملة الحكومة المصرية التي شنتها في العامين المنصرمين ضد خصومها. واختفى ريغيني في الذكرى الخامسة لثورة يناير، وعثر على جثته بعد أيام وعليها آثار تعذيب.
ونفت وزارة الداخلية المصرية تورط أجهزتها الأمنية في واقعة مقتله، وقالت إن الشرطة لم تعتقله إطلاقاً.
يقول الأكاديميون إن المضايقات التي تعرضوا لها في السنوات الماضية تظهر مدى حساسية الأعمال البحثية في أعين السلطات، خصوصاً في ظل جو عام حيث تصف وسائل الإعلام الأجانب بأنهم جواسيس وعملاء يثيرون الاضطرابات.
تعرف آمي أوستن هولمز، أستاذة علم الاجتماع في الجامعة الأميركية في القاهرة، العديد من زملائها الأجانب الذين اعتقلوا أو منعوا من دخول مصر بسبب عملهم. وقالت إن أغلبهم يفضل التزام الهدوء وعدم إثارة الموضوع خشية استعداء السلطات.
وأضافت "إنهم يعتقدون أن عدم إثارتهم الضجة سيمكنهم من الحصول على تأشيرة دخول في المرة القادمة. وهذا هو سبب عدم إدراك الناس أن ثمة نمطا ساريا هنا. إنه أمر مخز طالما أنه يخلق فجوات في البحوث العلمية، ما له تداعيات على مختلف فروع المعرفة. كما لو أن ثمة حملة لمحو التاريخ الحديث".
وشهدت مصر اضطرابات في أعقاب الثورة التي أطاحت بالرئيس المخلوع حسني مبارك، عام 2011. وانتخب رئيس ينتمي لجماعة الإخوان المسلمين، إلا أن الجيش أطاح به عام 2013 وسط احتجاجات جماهيرية ضده. وأخيرا انتخب عبد الفتاح السيسي رئيسا واعدا بتحقيق الاستقرار.
في ظل حكم السيسي شنت السلطات حملات قمعية ضد الإسلاميين ثم النشطاء اليساريين وأخيرا ضد المعارضة الأوسع. أي شخص يعبر عن انتقادات يمكن أن يتعرض للإدانة في وسائل الإعلام أو المضايقة أو ملاحقة السلطات أو الاحتجاز أو حتى لعمليات الاختفاء القسري.
وثقت الجماعات الحقوقية حالات المئات من الأشخاص الذين اختفوا، ثم يظهر معظمهم في وقت لاحق في احتجاز الشرطة، لكن الشرطة تنفي وجود تلك الممارسة.
في رسالة مفتوحة، طالب نحو 4600 من الأكاديميين البارزين السلطات المصرية بالتحقيق، ليس فقط في وفاة ريغيني، ولكن في جميع حالات الاختفاء القسري.
جمعية دراسات الشرق الأوسط، واحدة من أبرز هيئات العلماء الذين يدرسون في المنطقة، قالت في بيان شديد اللهجة، إن "نمو العنف والقمع ضد الأكاديميين والباحثين المرتبطين في مصر وصلت الآن لنتاجها الذي يمكن التنبؤ به بشكل مأساوي وهو القتل (المتعلق بريغيني)".
بعض الأكاديميين، من المصريين أو الأجانب الذين يكتنف عملهم حساسية سياسية يقولون إنهم واجهوا الترهيب بطرق متعددة كبيرة وصغيرة.
في العام الماضي، ألقي القبض على طالبة الدراسات العليا الفرنسية، فاني أوهييه، في مدينة دمياط الساحلية، في وقت قريب من الذكرى السنوية للإطاحة بالرئيس محمد مرسي في الثالث من يوليو/تموز 2013.
كانت أوهييه تجري أبحاثا عن حركة 6 أبريل، وهي مجموعة مؤيدة للديمقراطية كانت بارزة في ثورة 2011، ولكن تم حظرها منذ ذلك الحين. وقالت إن العشرات من عناصر الأمن دخلوا الفندق الذي تقيم فيه، واقتادوها إلى قسم الشرطة المحلي ومن ثم إلى القاهرة، حيث طلب منها شراء تذكرة عودة إلى باريس على الفور أو أن تقبع في زنزانة قبل ترحيلها.
وأضافت "لم يسمحوا لي حتى بالتوقف عند شقتي لأخذ أشيائي. غادرت فقط بحقيبة كتبي بعد قضاء ليلة في قاعة الترحيل في المطار. حتى الآن ليس لدي أي تفسير رسمي؛ أجابوا بالصمت فحسب".
خلود صابر، المدرسة المساعدة بقسم علم النفس بكلية الآداب بجامعة القاهرة، والناشطة في مجال حقوق الإنسان، كانت في إجازة في بلجيكا، حيث بدأت منحة دراسية للحصول على درجة الدكتوراه لمدة أربع سنوات، حيث يطلب منها موافقة من جامعتها، عندما قيل لها فجأة إن إجازتها قد ألغيت، ويجب أن تعود إلى الديار أو تفقد وظيفتها.
وقالت إنها أخبرت بشكل غير رسمي أن مسؤولين أمنيين كانوا وراء ذلك. بعد رفع دعوى قضائية وإثارة حملة تضامن؛ تم إبلاغ خلود فجأة أنها يمكن أن تستمر في برنامج الدكتوراه.
وواجه باحثون في عدد من المجالات مشاكل. يرتبط بعض هذه المجالات بالقضايا الحقوقية أو أي موضوع تعتبره السلطات حساسا. وفي يناير/كانون الثاني، اعتقلت آمال قرامي، وهي أستاذة تونسية في حقوق المرأة، في المطار، ورحلت لدى وصولها لحضور مؤتمر.
وكان الإيطالي ريغيني يركز على قضايا عمالية، ومنها الباعة الجائلون والنقابات المستقلة، والتي غالبا ما كانت تشارك في إضرابات وتمثل قلقا دائما للحكومة. وكان قد أبلغ أصدقاءه أنه قلق وخائف من خضوعه للمراقبة، بعدما التقط شخص ما صورة له في اجتماع عمالي كان يحضره.
وقالت هدى كامل، المختصة بملف العمل في المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، إنها اصطحبت ريغيني عدة مرات للقاء الباعة الجائلين. وتخشى أن ترهب حالته آخرين. وأضافت "كيف لأي شخص من الخارج أن يأتي إلى هنا الآن؟ لا يمكنك على الإطلاق تصور الخطوة التالية لقوات الأمن. ولهذا الأمر خطورة بالغة".
كذلك، منعت الفرنسية ماري دوبوك، من الدخول في سبتمبر/أيلول 2011، على الرغم من امتلاكها بالفعل لعقد موقع مع الجامعة الأميركية في القاهرة، كأستاذة مساعدة بقسم علم الاجتماع، وعمل زوجها بالفعل في الجامعة. وانتظرت 12 ساعة في المطار مع رضيعها البالغ من العمر ثلاثة أشهر، قبل أن تعود أدراجها في الرحلة التالية.
وقالت "لم يقدم توضيح مثلما هو الحال في هذه الحالات قاطبة"، والسبب الوحيد الذي اعتبرت أنها يمكن أن تتخيله هو بحثها السابق عن الإضرابات العمالية في قطاع النسيج في عصر حسني مبارك. وأضافت "لا أستطيع أن أتصور أن مشرفي الدكتوراه سيشجعون الطلاب على إجراء عمل ميداني".
اقرأ أيضا:اعتقال شقيقين تركيين وإخفاؤهما في مصر