07 ابريل 2022
الأقصى ليس جسراً إلى التطبيع
بالتزامن مع الذكرى الثالثة والخمسين لهزيمة يونيو/ حزيران، واحتلال القدس، كثر الحديث أخيرا في موضوع الوصاية على المسجد الأقصى، واحدا من تعبيرات صفقة الرئيس الأميركي دونالد ترامب. يروّج لها الإعلام الإسرائيلي سواء بالتسريبات، ونسب أخبار وتصريحات إلى جهات عربية أو إسرائيلية غير معرّفة، أو في لقاءات مباشرة يجريها مع إسرائيليين وعرب. وعلى الرغم من أفضلية عدم التعاطي مع المصادر الإعلامية الإسرائيلية الموجهة، في محطاتٍ كثيرة، لخدمة أغراضٍ سياسية أمنية إسرائيلية، إلا أن عدم مناقشتها لا ينفي وجود ما تبثه وتنشره، بل يصبح الرد عليها ضرورة لشرح مقاصد إسرائيل منه، خصوصا أن بعض العرب لا يزالون يجهلون إسرائيل وكيفية تفكيرها وأهدافها، وأصبح بعضهم ينظر إليها صديقا، وليس عدوا وتهديدا. ولم يعد نفي تلك الأحاديث ممكنا بعد إعلان متحدّثين سعوديين على الإعلام الإسرائيلي أخيرا عن رغبتهم بإشراف بلدهم على المقدّسات الإسلامية في القدس المحتلة، وبأن اتصالات تجري في هذا الخصوص مع الحكومة الإسرائيلية، والموافقة بيد رئيس هذه الحكومة نتنياهو.
وإذا صحت هذه الاتصالات فإنها تجري من وراء ظهر الشعب الفلسطيني وقواه السياسية، وأيضا من وراء ظهر الأردن صاحب الوصاية والإشراف على المقدسات الإسلامية في القدس، وفي مقدمتها المسجد الأقصى، سواء بموجب مبايعة شخصيات فلسطينية الأردن بالوصاية على الأقصى في العام 1924، أو الاتفاق بين الرئيس الفلسطيني محمود عباس وملك الأردن عبدالله الثاني على تمديدها في العام 2013.
وتؤكد لك مراقبة الاتصالات الإسرائيلية مع بعض الأنظمة العربية، ومقابلات الإعلام الاسرائيلي مع من يسميهم مثقفين وإعلاميين عربا، أن هذه وتلك لم تعودا اختراقا إسرائيليا في الموقف
العربي فقط، أو تجاوزا للشعب الفلسطيني وقيادته، ولا حتى تطبيعا عربيا مع إسرائيل، وإنما أيضا أن بعضها تجاوز ذلك كله، وأصبحت تخريبا وعبثا بالقضية الفلسطينية، ما يفرض إثارة الموضوع لإفشاله، وفي الوقت نفسه، مع عدم الوقوع في الفخ الإسرائيلي بالدخول في صراعات عربية عربية، وإحداث تناقضات داخلية جديدة، وحرف البوصلة وتشتيت القوى مع تفهم صمت القيادة الفلسطينية أحيانا، وكظمها الغيظ، على الرغم من معرفتها بالضرر الواقع جرّاء تلك الاتصالات العبثية التي تشكل طعنة في ظهر القضية الفلسطينية، وتخليا عن مسؤوليات تلك الأنظمة إزاء هذه القضية التي كانوا يعتبرونها، حتى فترة قريبة، قضيتهم الأولى.
ويواصل الإعلام الإسرائيلي استضافة متحدّثين من دول خليجية، وخصوصا السعودية والبحرين، وحين تشاهدهم وتسمع ما يتحدثون به يتأكد لديك أن استضافتهم تمت ليقولوا ما يريد الإسرائيلي سماعه، وما لا يريد الفلسطيني سماعه، حتى أن أحدهم خاطب الإعلامي الإسرائيلي مستغربا تباطؤ دولة الاحتلال في ضم كل الضفة الغربية لها، مدعيا أن الفلسطينيين أضاعوا كل الفرص ولا يريدون السلام، وليس من المعقول، على حد زعمه، ربط مستقبل إسرائيل ومصالح دول عربية وتنميتها بالمشكلة الفلسطينية التي لا يرى هذا الشخص حلا لها نهائيا، ويدعو إلى تجاوزها والانتقال إلى مرحلة ما بعدها، وهذا هو جوهر صفقة القرن، وما تريده إسرائيل. وقد ذهب متحدّثون عرب مع الإعلام الإسرائيلي بعيدا، وتجاوزوا المواقف الدينية والوطنية والسياسية، بطرح الرواية الصهيونية وبنفي حق الشعب الفلسطيني في فلسطين، بالقول إن إسرائيل وردت في القرآن الكريم مرّات، فيما لم يرد لفلسطين ذكر. وعلى الرغم من قلة تلك الأصوات في الشعوب العربية وهامشيتها، إلا أنها انتقلت إلى التباهي بجهلها، وسقطت في الفخ الإسرائيلي الذي يريد توريطها بمواجهة الفلسطينيين نيابة عنه وخدمة لمشروعه الاستعماري، وإضعاف الموقف الفلسطيني وتيئيسه، بأن العرب تخلوا عن فلسطين، وأصبحت أولوياتهم في العلاقة مع إسرائيل.
أعادت إسرائيل أخيرا إثارة قضية الوصاية الأردنية على المسجد الأقصى، بذريعة زيادة حجم تأثير أطرافٍ معادية عليه، وخصوصا تركيا وجماعة الإخوان المسلمين، والحركة الإسلامية في فلسطين عام 1948 وحركة حماس. وتطرح دولة الاحتلال زيادة أعضاء الأوقاف الإسلامية وإشراك السعودية في الوصاية على المسجد، لوضع حد لما سمته التدخل التركي في القدس. وفي التركيز على دور الإخوان المسلمين وحركة حماس في القدس، إنما تريد إسرائيل استفزاز السلطة الفلسطينية للاستمرار في ملاحقة حماس في الضفة الغربية، لتعميق الانقسام وإفشال أية محاولة لتحقيق المصالحة.
إضافة إلى الضغط على الأردن بإثارة قضية الوصاية على المقدسات الإسلامية في القدس،
وابتزاز مواقفه الرافضة مجمل سياسات التهويد والاستيطان الإسرائيلية، وكذا صفقة ترامب – نتنياهو، خصوصا بعد تصريحات الملك عبد الله الثاني، قبل أيام، وحذر فيها إسرائيل من تبعات ضم الأغوار وشمال البحر الميت في الضفة الغربية على علاقة الأردن بإسرائيل، إلا أن الأخيرة تريد أيضا إيصال رسالة إلى كل الأطراف في المنطقة، أنها هي التي تحدّد جهات الوصاية على المقدسات الإسلامية في القدس، وليس الأردن أو الفلسطينيين، وأنها قادرة على تحديد أدوار الدول العربية والتأثير في موازين القوى.
الأخطر أن إسرائيل لا تريد من إشراك السعودية بالوصاية على "الأقصى" إضعاف الأردن والسلطة الفلسطينية وضرب علاقاتهما مع السعودية وغيرها فقط، أو مواجهة الدور التركي والحركة الإسلامية وحركة حماس كما تدّعي، إنما تريد نقل المسجد المبارك من اعتباره قضية فلسطينية عربية إسلامية مقدّسة وحدوية وجامعة لكل العرب والمسلمين إلى قضية استقطاب بين المحاور ومفرمة الصراعات الإقليمية الطائفية المذهبية، فتكون قضية خلافية بين هذه المحاور، لإضعاف التضامن العربي والإسلامي مع "الأقصى"، كمتطلب لإحكام السيطرة الإسرائيلية عليه، وتقسيمه أولا وتدميره، وبناء الهيكل المزعوم لاحقا.
ينتظر المسجد الأقصى دعم كل العرب والمسلمين دولا وشعوبا، وأن يبقى قضية جامعة ووحدوية لا خلافية. إذ تعمل إسرائيل على استدراج أطراف عربية تجهل حقيقة أغراض الاحتلال. ولمواجهة ذلك أصبح مطلوبا وملحا تصعيد الاشتباك العربي والإسلامي مع إسرائيل، دفاعا عن هوية الأقصى الفلسطينية والعربية والإسلامية، وعدم الوقوع في الفخ الإسرائيلي بالدخول في صراعات عربية عربية، وعربية إسلامية جديدة، للوصاية على المسجد، لأن القدس بحاجة إلى عدم استثناء أي طرف عربي أو إسلامي بشأنها، والنقاش بشأن الإشراف على المقدسات الإسلامية في المدينة ورعايتها يجب أن يكون عبر التفاهم بين الأطراف الفلسطينية والعربية والإسلامية فقط، وقطع الطريق على مخطّطات التخريب والعبث الإسرائيلية بالشراكة مع بعض العرب الذين يتوهمون أنهم صاروا مهمين في الحسابات الإسرائيلية والإقليمية، ويجهلون أنها توظفهم خدمة لمشروعها الاستعماري في المنطقة.
نجاح إسرائيل في توظيف الموضوع الإيراني لتبرير علاقات أنظمة عربية معها دفعها إلى توظيف قضايا دينية لتعميق تلك الاتصالات والعلاقات وتطويرها، كما موضوع الوصاية
والإشراف على المسجد الأقصى، وموضوع أداء فلسطينيي الداخل فريضة الحج، حيث تعمل حكومة إسرائيل لسفرهم من مطار اللد (بن غوريون) إلى المطارات السعودية مباشرة، باعتبارهم في بعثة حج إسرائيلية، من دون التنسيق مع بعثات الحج الفلسطينية والأردنية، لكي توظف إسرائيل ذلك في فتح قنوات اتصال ثابتة مع السعودية من البوابة الدينية والحج، وإنهاء علاقة المؤسسات الدينية الفلسطينية في فلسطين 1948 مع المؤسسات الفلسطينية والأردنية. ولذلك باتت مسؤولية النخب الوطنية والثقافية الفلسطينية والعربية تفرض عليها التحرّك لمواجهة هذا الانهيار الذي كلما اعتقدنا أننا وصلنا إلى نهاية القاع نكتشف وجود قيعانٍ أخرى.
في ذكرى هزيمة حرب يونيو/ حزيران عام 1967، نستدعي من ذاكرة الأمة اقتحام وزير جيش الاحتلال، موشي دايان، المسجد الأقصى في مقدمة عشرة آلاف جندي إسرائيلي، وخطب فيهم من أمام قبة الصخرة المشرفة، والعلم الإسرائيلي يرفرف هناك. وقال جملته الشهيرة التي تعكس ذروة الغرور والعنجهية التي دفعته إلى محاولة تزوير الحاضر والتاريخ ، إن ما يسمى "جيش الدفاع الإسرائيلي أعاد تحرير القدس"، وان ما يسمى "جبل الهيكل" قد أصبح تحت سيطرة إسرائيل إلى الأبد. لذلك يفترض أن تشكل ذكرى هزيمة حزيران واحتلال القدس مناسبة للم الشمل وتجميع الصفوف، وأن المسجد الأقصى جسر لوحدة العرب والمسلمين لتحريره، ولا يمكن أن يكون جسرا لتعميق الفرقة بين العرب والمسلمين، وللتطبيع مع إسرائيل بدل مواجهتها، وهي تؤكد، في ذكرى احتلاله، أنها باقية في القدس إلى الأبد، على الرغم من تودد بعض العرب لها لتسمح لهم بدور هزيل على المسجد الأقصى.
وتؤكد لك مراقبة الاتصالات الإسرائيلية مع بعض الأنظمة العربية، ومقابلات الإعلام الاسرائيلي مع من يسميهم مثقفين وإعلاميين عربا، أن هذه وتلك لم تعودا اختراقا إسرائيليا في الموقف
ويواصل الإعلام الإسرائيلي استضافة متحدّثين من دول خليجية، وخصوصا السعودية والبحرين، وحين تشاهدهم وتسمع ما يتحدثون به يتأكد لديك أن استضافتهم تمت ليقولوا ما يريد الإسرائيلي سماعه، وما لا يريد الفلسطيني سماعه، حتى أن أحدهم خاطب الإعلامي الإسرائيلي مستغربا تباطؤ دولة الاحتلال في ضم كل الضفة الغربية لها، مدعيا أن الفلسطينيين أضاعوا كل الفرص ولا يريدون السلام، وليس من المعقول، على حد زعمه، ربط مستقبل إسرائيل ومصالح دول عربية وتنميتها بالمشكلة الفلسطينية التي لا يرى هذا الشخص حلا لها نهائيا، ويدعو إلى تجاوزها والانتقال إلى مرحلة ما بعدها، وهذا هو جوهر صفقة القرن، وما تريده إسرائيل. وقد ذهب متحدّثون عرب مع الإعلام الإسرائيلي بعيدا، وتجاوزوا المواقف الدينية والوطنية والسياسية، بطرح الرواية الصهيونية وبنفي حق الشعب الفلسطيني في فلسطين، بالقول إن إسرائيل وردت في القرآن الكريم مرّات، فيما لم يرد لفلسطين ذكر. وعلى الرغم من قلة تلك الأصوات في الشعوب العربية وهامشيتها، إلا أنها انتقلت إلى التباهي بجهلها، وسقطت في الفخ الإسرائيلي الذي يريد توريطها بمواجهة الفلسطينيين نيابة عنه وخدمة لمشروعه الاستعماري، وإضعاف الموقف الفلسطيني وتيئيسه، بأن العرب تخلوا عن فلسطين، وأصبحت أولوياتهم في العلاقة مع إسرائيل.
أعادت إسرائيل أخيرا إثارة قضية الوصاية الأردنية على المسجد الأقصى، بذريعة زيادة حجم تأثير أطرافٍ معادية عليه، وخصوصا تركيا وجماعة الإخوان المسلمين، والحركة الإسلامية في فلسطين عام 1948 وحركة حماس. وتطرح دولة الاحتلال زيادة أعضاء الأوقاف الإسلامية وإشراك السعودية في الوصاية على المسجد، لوضع حد لما سمته التدخل التركي في القدس. وفي التركيز على دور الإخوان المسلمين وحركة حماس في القدس، إنما تريد إسرائيل استفزاز السلطة الفلسطينية للاستمرار في ملاحقة حماس في الضفة الغربية، لتعميق الانقسام وإفشال أية محاولة لتحقيق المصالحة.
إضافة إلى الضغط على الأردن بإثارة قضية الوصاية على المقدسات الإسلامية في القدس،
الأخطر أن إسرائيل لا تريد من إشراك السعودية بالوصاية على "الأقصى" إضعاف الأردن والسلطة الفلسطينية وضرب علاقاتهما مع السعودية وغيرها فقط، أو مواجهة الدور التركي والحركة الإسلامية وحركة حماس كما تدّعي، إنما تريد نقل المسجد المبارك من اعتباره قضية فلسطينية عربية إسلامية مقدّسة وحدوية وجامعة لكل العرب والمسلمين إلى قضية استقطاب بين المحاور ومفرمة الصراعات الإقليمية الطائفية المذهبية، فتكون قضية خلافية بين هذه المحاور، لإضعاف التضامن العربي والإسلامي مع "الأقصى"، كمتطلب لإحكام السيطرة الإسرائيلية عليه، وتقسيمه أولا وتدميره، وبناء الهيكل المزعوم لاحقا.
ينتظر المسجد الأقصى دعم كل العرب والمسلمين دولا وشعوبا، وأن يبقى قضية جامعة ووحدوية لا خلافية. إذ تعمل إسرائيل على استدراج أطراف عربية تجهل حقيقة أغراض الاحتلال. ولمواجهة ذلك أصبح مطلوبا وملحا تصعيد الاشتباك العربي والإسلامي مع إسرائيل، دفاعا عن هوية الأقصى الفلسطينية والعربية والإسلامية، وعدم الوقوع في الفخ الإسرائيلي بالدخول في صراعات عربية عربية، وعربية إسلامية جديدة، للوصاية على المسجد، لأن القدس بحاجة إلى عدم استثناء أي طرف عربي أو إسلامي بشأنها، والنقاش بشأن الإشراف على المقدسات الإسلامية في المدينة ورعايتها يجب أن يكون عبر التفاهم بين الأطراف الفلسطينية والعربية والإسلامية فقط، وقطع الطريق على مخطّطات التخريب والعبث الإسرائيلية بالشراكة مع بعض العرب الذين يتوهمون أنهم صاروا مهمين في الحسابات الإسرائيلية والإقليمية، ويجهلون أنها توظفهم خدمة لمشروعها الاستعماري في المنطقة.
نجاح إسرائيل في توظيف الموضوع الإيراني لتبرير علاقات أنظمة عربية معها دفعها إلى توظيف قضايا دينية لتعميق تلك الاتصالات والعلاقات وتطويرها، كما موضوع الوصاية
في ذكرى هزيمة حرب يونيو/ حزيران عام 1967، نستدعي من ذاكرة الأمة اقتحام وزير جيش الاحتلال، موشي دايان، المسجد الأقصى في مقدمة عشرة آلاف جندي إسرائيلي، وخطب فيهم من أمام قبة الصخرة المشرفة، والعلم الإسرائيلي يرفرف هناك. وقال جملته الشهيرة التي تعكس ذروة الغرور والعنجهية التي دفعته إلى محاولة تزوير الحاضر والتاريخ ، إن ما يسمى "جيش الدفاع الإسرائيلي أعاد تحرير القدس"، وان ما يسمى "جبل الهيكل" قد أصبح تحت سيطرة إسرائيل إلى الأبد. لذلك يفترض أن تشكل ذكرى هزيمة حزيران واحتلال القدس مناسبة للم الشمل وتجميع الصفوف، وأن المسجد الأقصى جسر لوحدة العرب والمسلمين لتحريره، ولا يمكن أن يكون جسرا لتعميق الفرقة بين العرب والمسلمين، وللتطبيع مع إسرائيل بدل مواجهتها، وهي تؤكد، في ذكرى احتلاله، أنها باقية في القدس إلى الأبد، على الرغم من تودد بعض العرب لها لتسمح لهم بدور هزيل على المسجد الأقصى.