الأغنية المصورة هل تراجعت لصالح الإعلام البديل؟

22 مايو 2016
من كليب للفنانة نجوى كرم (العربي الجديد)
+ الخط -
هل لا يزال الفيديو كليب، يحقّقُ انتشاراً واسعاً كما كان الحال في فترة التسعينيات وبداية القرن الجديد؟ ومن ينافسُ الأغنية المُصوَّرة اليوم؟ هل طغا موقع يوتيوب على ذلك؟ إذْ أصبح تنزيل الأغنية سهلاً، لدرجة لم يعد هناك من يهتمُّ بالصورة أو بسيناريو الكليب. أسئلة كثيرة، تُطرَح اليوم، بعدما عُرف الفيديو كليب بأنَّه فيلمٌ سينمائيٌّ قصير، مع القليل من التمثيل، جاء مُكمّلاً لعصر الأغنيات المسموعة إنما بالصورة، فلم يترك الفيديو كليب هذه الأغاني على حالها، أي كأغان مسموعة فقط، بل طوَّرها، بطريقة اختيار القصة والسيناريو، وتحريك المطرب والأبطال المشاركين.

قبل أشهر قام الفنان، عمرو دياب، بنشر أول كليب له من خلال أغنية "الزمن" في العام 1983، وهي من كلمات هاني زكي، وألحان هاني شنودة. وسجل دياب في العام نفسه ألبومه الأول بعنوان "يا طريق". وكان واضحاً أن المخرج يريد اكتشاف صورة حقيقية عن عالم الأغنية المصورة، ولو أن دياب أعاد نشر هذا العمل بعد أكثر من ثلاثين عاماً على إنتاجه، وهذا يعني أنه ما زال مقتنعاً بما قام به وكان في بداياته الفنية.

و يحقق كليب الفنانة، نانسي عجرم، الأول "شيل عيونك" أرقاماً قياسية، وكان قد صور نهاية التسعينيات، أي منذ أكثر من خمسة عشر عاماً، ومنه بدأت نانسي تكسب النجاح الذي لم تكن تتوقعه، لتصبح اليوم واحدة من أشهر نجمات جيلها، بعدما عبرت بالصورة، أي بالكليب، عن كاراكتير الفتاة "الشيقة" البسيطة، القريبة جداً من الناس. في السنوات الخمس الأخيرة، نستطيع القول إن عصر الكليب تراجع بشكل كبير، أو بتعبيرٍ آخر، لم يعد يرقى إلى المستوى السابق الذي جاء به مكمّلاً للأغنية، أو مروِّجاً بطريقة الصورة لها. لكن ما هي الأسباب التي أدّت إلى ذلك؟ وهل سنشهد قريباً عصر انتهاء الكليب المكلف، إلى الكليب البسيط، مع اتساع دائرة وصناعة التقنيات التصويرية، التي وصلت الهاتف اليدوي؟

شهد العالم العربي في سبعينيَّات وثمانينيات القرن الماضي، برامج اعتمدت على المنوعات، وكانت تُصوّر ضمنها الأغنيات، ثم تُعرَض على مراحل متقطعة، وأطلق البعض على تلك المرحلة زمن الأغنيات المصورة، أو ما بات يعرف اليوم بكليبات زمان. وكان للمخرج الأردني الراحل، حسيب يوسف، اليد الطولى في هذا النوع من البرامج، التي انتشرت لسنوات على أكثر من محطة عربية، وتُظهر الفنان يؤدّي أغنيته على طريقة "بلاي باك"، المسجل على خلفيات راقصات وراقصين يتمايلون على لحن الأغنية.

في المقابل، جاء عصر التسعينيات مُحمّلا بمجموعة من المخرجين، وأغلبهم كان قادماً من خلفيات الإخراج الإعلاني، ونذكر منهم، رجا زهر، اللبناني المقيم في الولايات المتحدة الأميركية، والذي أقنع عدداً من الفنانين في العالم العربي بضرورة دخول عالم الأغنيات المصورة عبر الكليبات. وشهدت تلك الحقبة أيضاً صعود أسماء كثيرة مثل فواز جابر، من سورية الذي مهد الطريق أمام عدد آخر من الفنانين اللبنانيين والعرب، لتنفيذ وتصوير كليبات، ومنهم عاصي الحلاني الذي كان في بداياته الفنية.
بعدها اتجهت البوصلة إلى القاهرة، حيث بدأ العمل مع جيل آخر من المخرجين، ومنهم جميل جميل المغازي، ثم مجدداً عادت البوصلة إلى بيروت مع طائفة من المخرجين، الذين وضعوا الأسس الجديدة لعالم الأغنية المصورة، ونذكر منهم سعيد الماروق ونبيل لبس ونادين لبكي ورندة العلم والمخرج الراحل يحيى سعادة. هؤلاء تحديداً، عمدوا إلى دمج رؤية الفن السينمائي الذين درسوه، بما يتناسب مع الأغنيات، التي صُورت وشكلت بالنسبة لهم قاعدة ثابتة.


يقول المخرج، بشير حداد، لـ "العربي الجديد": "نعم، نحن في مرحلة تراجع "الأغنية المُصورة" بعدما شهدت هذه الصناعة عصرها الذهبي في التسعينيات، وبداية القرن الحالي، لكن ما هي الأسباب الكامنة وراء ذلك؟”. يتابع حداد قائلاً: “ كلنا يعرف متى سيطرت الميديا البديلة على حياتنا اليومية، وكلنا أصبح يمتلك وسيلته الخاصة للتعبير، أو للإعلان عن جديده، بغض النظر عن كونه خبراً فنيّاً أو سياسيّاً أو حتى أغنية جديدة، وذلك بالطبع، يعتمد على المتابعين لهذا الشخص ومكانته أو لنقل شهرته، بين الناس".
من هنا أصبح المطرب أو الفنان على تماس مع متابعيه أو معجبيه في كل أنحاء العالم، ويكفيه الإعلان عن إصدار أغنية أو تنزيلها أو تحميلها على موقع متخصص بذلك، ليعرف كلُّ الناس بالأغنية ويتناقلونها. بينما في الماضي كان الإعلان عن الأغنية يتطلب متابعة الراديو أو التلفزيون أو المجلات والصحف الدورية، على عكس اليوم، إذ أصبحنا بثوان معدودة نعلن عن أي جديد. هذه هي حقيقة تراجع الكليب ولو أن البعض لا يُسلم بهذه الحقيقة.

فضلاً عن ذلك، يقول بشير حداد، إنَّ القصص أو السيناريوهات، وحتى تنفيذ الكليبات، لم يعد كما كان في السابق، "اليوم يستسهل البعض في التصوير والقصة. من السهل جداً أن تنتقل، بفريق عمل بسيط، لا يتجاوز العشرة أشخاص، إلى الطبيعة، أو مكان ما، وبكاميرات عادية وتقول إنني أصور كليب. بينما شهدت الفترة الأولى الاتجاه إلى السيناريو المتقن والقصة المؤثرة، وهو ما اعتمدته في عدد من الأغنيات القليلة التي نفَّذتها في بيروت، لكنّني اليوم لجأت إلى التلفزيون والإعلانات التجارية، لأنني تعبت قليلا من قلة التقدير التي يواجهها عالم الكليب في الوطن العربي، فضلا عن الاستسهال الزائد في تنفيذ الكليبات".


المساهمون