الأعوام

12 ديسمبر 2016
بطرس المعري/ سورية
+ الخط -

2011
بعد هروب بن علي بأيام قليلة، صارت أخبار ميدان التحرير في القاهرة تستقطب الاهتمام الإعلامي، وتتصدّر أغلفة المجلات والصحف كما تحتلّ شاشات القنوات الإخبارية. المحروسة بعد الخضراء.

وكان الحلاّق منير يتابع الأحداث على قناة "الجزيرة"، من خلال التلفاز المثبت في زاوية صالونه، عندما دخل الأستاذ توفيق وأخذ مكانه في انتظار دوره. بادره الحلاّق بالسؤال وهو يمضغ علكته: "كيف هُم الطلاب هذه الأيام؟ عساهم مهذّبين لا يثيرون لك المتاعب". ردّ الأستاذ بحمده لله. توقّف الحلاق لبرهة وقال للزبون الذي بين يديه إن الأستاذ توفيق هو أفضل أستاذ رياضيات في كل ثانويات دمشق، ثم تابع المضغ متوجّهاً بالسؤال إلى الأستاذ: "هل سيهرب حسني مبارك هو الآخر برأيك أم لا؟".

تناول الأستاذ توفيق مجلة من المجلات الموجودة أمامه على الطاولة وسط المكان وأخذ بتقليب صفحاتها مثل أي رجل أميّ يُمسك بمجلة باحثاً عن صورة تعجبه... ران الصمت لبرهة، ثم تناول الحلاّق جهاز التحكم بالتلفاز وضغط على زرين من أزراره ثم استدار إلى المرآة مخاطباً من خلالها المراهق الجالس على كرسي الحلاقة: "اسمع الطرب الأصيل... آه يا أبو وديع آه، يا أخي شو بدنا بالحكي، جورج وسوف هو سلطان الطرب، نقطة انتهى".

***

2013

تحقق حلم الأستاذ فايز، أستاذ مادة التاريخ القدير في أن يدرّس ابنه البكر والوحيد الطِبّ. وها هو ابنه إياد قد أنهى أيضاً اختصاصه في فرنسا بتفوّق. لكن الطبيب الشاب لن يعود لممارسة عمله في المدينة التي نشأ فيها، على الأقل في المستقبل القريب ريثما ينجلي أمر البلاد.

في الحقيقة كان الأستاذ فايز يمنّي نفسه في أن يمرّ معارفه من شارع العابد أو من شارع 29 أيار في قلب العاصمة ويقرؤوا على آرمة كبيرة مضاءة مكتوبة بخط أنيق "الدكتور إياد فايز الشميلي، اختصاصي جراحة قلبية من باريس..." وأن يرسل إلى عيادة ابنه الطبيب أهل بلدته فيعالجهم مجاناً، ويمشي هو في شوارعها مزهوّاً كالطاووس حيث يسمعهم يتهامسون في ما بينهم: "إنه الأستاذ فايز والد الدكتور إياد، ذهبنا إليه منذ أيام ولم يرضَ أن يأخذ أجراً مقابل المعاينة".

***

2015

هذه هي السنة الثانية على التوالي التي تطير فيها السيدة فاتن، مدرّسة اللغة الفرنسية المتقاعدة، إلى مانهايم في ألمانيا لتقضي بضعة أشهر عند ابنها الطبيب المقيم منذ سنوات هناك. تضطّر "مدام" فاتن لأن تترك زوجها وحيداً كل هذه المدّة كي لا تخسر "الإقامة الألمانيّة". "لمّ الشمل" هذا الذي أجراه الطبيب الشاب لأمه لم يشمل أباه، لا يريد الوالد، المدرّس المتقاعد أيضاً، الذهاب إلى ألمانيا ولا حتى في زيارة عابرة، فلا زال هو وثلاثة من زملاء المهنة قادرين على لعب الورق سويّة كل مساء!

ليس مهمّاً أن يخسر في اللعب، المهم ألا يخسر زميلاً... فاللاعبون لم يعودوا كثراً، لقد فرّقتهم الظروف. يقول في سرّه، إن أتت قذيفة على أحدنا، لا سمح الله، سنلمّ الشّمل هنا حول طاولة النرد، كل شيء جائز... لاعب ضد لاعب والثالث فينا يُحضّر لنا الشاي أو القهوة!

* فنان تشكيلي سوري

دلالات
المساهمون