03 يوليو 2019
الأعمى والفخ
أخيراً، تنضم أربيل إلى مدن الموت، في العراق، بعدما استثنتها السيارات المفخخة، طويلاً، وتركتها تنمو، وتزدهر، لينمو معها أيضاً، ويزدهر، حلم الكرد بدولة مستقلة، على بعض أرضهم التاريخية.
كان مما يثير الدهشة، لسنوات خلت، أن ينجح رئيس إقليم كردستان، مسعود البرزاني، في النأي بنفسه، وبمناطق حكمه، عن منزلقات الصراع الدامي الذي عصف بالعراق، منذ الغزو الأميركي البريطاني عام 2003، وأن ينهمك، بدلاً من ذلك، في بناء أربيل، على نحوٍ دفع، أحياناً، إلى مقارنة نهوضها الراهن، ببدايات نهوض بلدان جنوب شرق آسيا (النمور الآسيوية)، لا بل صار هناك من يبشر بجاهزيتها لإعلان الاستقلال.
أسباب هذا النجاح ظلت تتلخص، غالباً، في القول إن الكرد الذين صاروا "بيضة قبان" في عراق النزاعات الإقليمية والدولية، المغلفة بالخلافات الطائفية، قد اقتنصوا الفرصة التاريخية، واستطاعوا بلورة معادلة سياسية أمنية، تُنجيهم، إلا في ما ندر، من ضربات القوى المحسوبة على العرب السنة، وفي مقدمتها فروع تنظيم القاعدة، كما تنجيهم من بطش القوى الشيعية الحاكمة، وميليشياتها المسلحة، ليمدوا، في الوقت نفسه، جسور علاقات جديدة مع تركيا، كان من شأنها أن كفّت يد الجيش التركي عن ملاحقة مقاتلي حزب العمال الكردستاني في شمال العراق، وأحلت محله الشركات الاستثمارية التركية، لتعمل في تعمير أربيل والسليمانية ودهوك.
بيد أن الحال تغيرت، أو هي تتغير الآن، بدءاً بالعملية الانتحارية التي استهدفت، الأربعاء الماضي، مبنى محافظة أربيل، والتي سارع مسؤولون كرد إلى اتهام تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) بالمسؤولية عنها، وهو اتهام يصعب فهم أبعاده، بمعزل عن تفاعلات معركة عين العرب/ كوباني، حيث زجَّ البرزاني بمئات من مقاتلي البشمركة في أتون القتال إلى جانب قوات التحالف الدولي، تحت شعار الدفاع عن بني جلدته الكرد السوريين.
ليس معروفاً، هنا، جواب السؤال عما إذا كان رئيس إقليم كردستان، قد خرق اتفاق سلام، ضمنياً أو صريحاً مع قيادة (داعش)، فردت عليه برسالة مفخخة في أربيل. وليس معروفاً كذلك ما إذا كان "كاك مسعود"، كما يناديه الكرد، قد اضطر إلى هذه المغامرة الخطرة، تحت ضغط المشاعر الشوفينية المتأججة لدى مواطنيه، أو أنه بات يشارك كثيراً من هؤلاء قناعتهم، بأن معركة كوباني تشكل منعطفاً تاريخياً لتحقيق الحلم بدولة كردية كبرى.
لكن، الواضح أن الرجل غامر بالحقيقة القائمة في أربيل، من أجل الحلم، أو قُل الوهم، في كوباني. وغالب الظن أن فعلته قادته إلى السقوط في فخٍّ، كان التحالف الدولي قد نصبه، ليوقع فيه الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان.
تساءل العالم، مطولاً، عن سر اهتمام الغرب ببلدةٍ حدوديةٍ، لا تتمتع بأي أهمية استراتيجية. وإذ استمرت معركة عين العرب فيها، فترة تزيد على ما استغرقته حربان متتاليتان لاحتلال أفغانستان والعراق، فإن رجل تركيا القوي ظل يرفض المشاركة فيها، لأنه أدرك، على الأرجح، ما يضمره أصحابها من نياتٍ لجر بلاده إلى المستنقع السوري العراقي، ولضرب استقرارها، عقاباً لها على موقفها من إسرائيل، وبغية تدمير صورتها نموذجاً ملهماً لشعوب المنطقة.
اذهبوا أنتم، والأميركيون والأوربيون والعرب، فقاتلوا إن شئتم، قال أردوغان للكرد، وفتح أبواب بلاده لمرور مقاتلي البشمركة من العراق إلى سورية، فوقعوا، كما وقعت معهم أربيل طبعاً، في فخ الصراع الدامي.
وبعد؛ يقال إن الزعيم الكردي، الملا مصطفى البرزاني، قال مرة رداً على سؤال عن علاقته بإسرائيل: "أنا كالشحاذ الأعمى على باب جامع السليمانية، لا يهمني من يضع النقود في يدي". وبالقياس، تقول تجربة ابنه "كاك مسعود" اليوم: ليس في وسع الأعمى أن يعرف أن أحداً ما قاده إلى حقل ألغام، أو وضع في يده المتفجرات، بدلاً من النقود.
كان مما يثير الدهشة، لسنوات خلت، أن ينجح رئيس إقليم كردستان، مسعود البرزاني، في النأي بنفسه، وبمناطق حكمه، عن منزلقات الصراع الدامي الذي عصف بالعراق، منذ الغزو الأميركي البريطاني عام 2003، وأن ينهمك، بدلاً من ذلك، في بناء أربيل، على نحوٍ دفع، أحياناً، إلى مقارنة نهوضها الراهن، ببدايات نهوض بلدان جنوب شرق آسيا (النمور الآسيوية)، لا بل صار هناك من يبشر بجاهزيتها لإعلان الاستقلال.
أسباب هذا النجاح ظلت تتلخص، غالباً، في القول إن الكرد الذين صاروا "بيضة قبان" في عراق النزاعات الإقليمية والدولية، المغلفة بالخلافات الطائفية، قد اقتنصوا الفرصة التاريخية، واستطاعوا بلورة معادلة سياسية أمنية، تُنجيهم، إلا في ما ندر، من ضربات القوى المحسوبة على العرب السنة، وفي مقدمتها فروع تنظيم القاعدة، كما تنجيهم من بطش القوى الشيعية الحاكمة، وميليشياتها المسلحة، ليمدوا، في الوقت نفسه، جسور علاقات جديدة مع تركيا، كان من شأنها أن كفّت يد الجيش التركي عن ملاحقة مقاتلي حزب العمال الكردستاني في شمال العراق، وأحلت محله الشركات الاستثمارية التركية، لتعمل في تعمير أربيل والسليمانية ودهوك.
بيد أن الحال تغيرت، أو هي تتغير الآن، بدءاً بالعملية الانتحارية التي استهدفت، الأربعاء الماضي، مبنى محافظة أربيل، والتي سارع مسؤولون كرد إلى اتهام تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) بالمسؤولية عنها، وهو اتهام يصعب فهم أبعاده، بمعزل عن تفاعلات معركة عين العرب/ كوباني، حيث زجَّ البرزاني بمئات من مقاتلي البشمركة في أتون القتال إلى جانب قوات التحالف الدولي، تحت شعار الدفاع عن بني جلدته الكرد السوريين.
ليس معروفاً، هنا، جواب السؤال عما إذا كان رئيس إقليم كردستان، قد خرق اتفاق سلام، ضمنياً أو صريحاً مع قيادة (داعش)، فردت عليه برسالة مفخخة في أربيل. وليس معروفاً كذلك ما إذا كان "كاك مسعود"، كما يناديه الكرد، قد اضطر إلى هذه المغامرة الخطرة، تحت ضغط المشاعر الشوفينية المتأججة لدى مواطنيه، أو أنه بات يشارك كثيراً من هؤلاء قناعتهم، بأن معركة كوباني تشكل منعطفاً تاريخياً لتحقيق الحلم بدولة كردية كبرى.
لكن، الواضح أن الرجل غامر بالحقيقة القائمة في أربيل، من أجل الحلم، أو قُل الوهم، في كوباني. وغالب الظن أن فعلته قادته إلى السقوط في فخٍّ، كان التحالف الدولي قد نصبه، ليوقع فيه الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان.
تساءل العالم، مطولاً، عن سر اهتمام الغرب ببلدةٍ حدوديةٍ، لا تتمتع بأي أهمية استراتيجية. وإذ استمرت معركة عين العرب فيها، فترة تزيد على ما استغرقته حربان متتاليتان لاحتلال أفغانستان والعراق، فإن رجل تركيا القوي ظل يرفض المشاركة فيها، لأنه أدرك، على الأرجح، ما يضمره أصحابها من نياتٍ لجر بلاده إلى المستنقع السوري العراقي، ولضرب استقرارها، عقاباً لها على موقفها من إسرائيل، وبغية تدمير صورتها نموذجاً ملهماً لشعوب المنطقة.
اذهبوا أنتم، والأميركيون والأوربيون والعرب، فقاتلوا إن شئتم، قال أردوغان للكرد، وفتح أبواب بلاده لمرور مقاتلي البشمركة من العراق إلى سورية، فوقعوا، كما وقعت معهم أربيل طبعاً، في فخ الصراع الدامي.
وبعد؛ يقال إن الزعيم الكردي، الملا مصطفى البرزاني، قال مرة رداً على سؤال عن علاقته بإسرائيل: "أنا كالشحاذ الأعمى على باب جامع السليمانية، لا يهمني من يضع النقود في يدي". وبالقياس، تقول تجربة ابنه "كاك مسعود" اليوم: ليس في وسع الأعمى أن يعرف أن أحداً ما قاده إلى حقل ألغام، أو وضع في يده المتفجرات، بدلاً من النقود.