الأسلحة البلاستيكيّة.. أطفال فلسطين يُعَيدون بتمثيل حروبهم

06 أكتوبر 2014
ألعاب تُولّد العنف لدى الأطفال في المستقبل (خلف يوسف)
+ الخط -
كان عبد الله يضع نظارات للرؤية الليلية ويمتشق بندقيته، ويختبئ خلف جدار إسمنتي من غير حراك. ينتظر ظهور أحد أفراد العدو لاقتناصه. هذا جانب من "معركة وهمية" يخوضها أطفال فلسطين خلال أيام الأعياد، التي تشهد رواجاً لبيع الأسلحة البلاستيكية رغم المحاولات الرسمية المبذولة لمنعها بسبب مخاطرها على الصحة والسلامة.
لا تزال صور القصف والدمار التي شاهدها عبد الله، البالغ من العمر 14 عاماً، خلال العدوان الأخير على قطاع غزة عالقة في ذهنه. يقول إنه "يريد تقليد المقاومين الفلسطينيين في اقتناص جنود الاحتلال الإسرائيلي الذين حاولوا الدخول إلى قطاع غزة براً قبل أن ينسحبوا بسبب ضربات المقاومة، التي نفذت العديد من العمليات النوعية عبر الأنفاق، وساهمت في إرباك الاحتلال وتكبيده الكثير من الخسائر البشرية والمادية".
ينقسمُ الأطفال إلى مجموعات في الأزقة والممرات. يعرف كلّ منهم دوره بدقة. يختار أحدهم أن يكون قناص المجموعة، فيما يوفّر آخر الدعم اللوجستي والتغطية عند الانسحاب. آخرون يُمثّلون دور جنود الاحتلال. خلال هذه المعركة، يتبادل الأطفال الأدوار بعد كل جولة مواجهة يخوضونها.
يقول يزين عبد الإله (12 عاماً)، بينما كان يستعدّ لإطلاق النار: "بدي أقتل نتنياهو (رئيس الحكومة الإسرائيلي) لأنه قتل أخواتنا في غزة". أما زميله في اللعبة عبد الرحمن رزق (13 عاماً)، الذي كان يؤدي دور جندي إسرائيلي، فيؤكد أنه "لا يحب هذا الدور، لكنه من متطلبات اللعبة. كما أنه سيكون مقاوماً في جولة أخرى". وتنبع خطورة هذه اللعبة مما تحتويه بنادقهم الصغيرة من ذخيرة هي عبارة عن قطع بلاستيكية صغيرة صلبة تعرف محلياً باسم "خرز"، قد تسبب ضرراً كبيراً للعيون، أو تترك آثاراً على الجسد في حال أطلقت من مسافة قريبة.
في السياق، توضح ورود جمال أن ابنها "أُصيب في رقبته خلال لعبه مع أقرأنه بهذه الأسلحة". وتقول: "أتى إليّ وكان يبكي بعد إصابته بحبة خرز في عنقه. لحسن الحظ أن الإصابة لم تكن في العين". هذه الأسلحة عينها كادت أن تتسبّب في ضرر دائمٍ لعين معتز كايد، الذي اضطر للذهاب إلى مستشفى من أجل تلقي العلاج.
من جهته، يحمّل محمود سليم السلطة الفلسطينية المسؤولية، هي الموكلة بحماية الأطفال، ويطالبها "بضرورة توفير منتزهات وملاهٍ للأطفال كي يتسنى لهم اللعب فيها". يقول إن "الأطفال يقدمون على شراء الأسلحة البلاستيكية بسبب غياب أي بديل حقيقي لهم للفرح خلال أيام العيد". وشدّد على "ضرورة منع وصول مثل هذه الأسلحة إلى الأسواق".

خطر
يؤكد الطبيب مجدي منصور لـ "العربي الجديد" أنه "تم تسجيل العديد من الإصابات بهذه الأسلحة والألعاب النارية التي تستخدم بكثرة في الأعياد"، مبيناً أنه "عالج حالتين أصيبتا بحروق بسبب هذه الألعاب في بلدة بيتا في محافظة نابلس". ويوضح أن "الألعاب النارية باتت تنتشر بشكل أكبر، وهي أخطر لأنها تسببت في بتر أصابع بعض الأطفال والشبان".
يُضيف منصور أن "القطع التي تطلق من بنادق الأطفال صلبة وتسبب ضرراً للقرنية أو القزحية في العين، في حالة الإصابة المباشرة. لذلك، يجب منع بيع هذه الأسلحة في الأسواق بشكل كامل، وتوعية المجتمع حول مدى خطورتها".
لا يتوقف ضرر هذه الأسلحة على الجانب الجسدي، إذ يوضح المتخصّص في علم النفس أيمن يوسف أن "مستقبل الإنسان يبنى على سلوكه وأفعاله في الصغر. واللجوء لمثل هذه الألعاب قد يولّد العنف لدى الأطفال في المستقبل"، مؤكداً أن "سبب الإقدام على مثل هذه الأمور هو تأثرهم في الظروف المحيطة بهم، فالإنسان بالنهاية هو ابن بيئته". يضيف: "ما شاهدناه من دم ودمار خلال العدوان على غزة سيحمل تأثيرات وارتدادات سنعرف تأثيرها على الأجيال المقبلة".

مكلفة مادياً
وتجدر الإشارة إلى أن سعر الألعاب البلاستيكية الخطرة مرتفع نسبياً، في ظل وضع اقتصادي صعب تشهده الأراضي الفلسطينية. ويراوح سعر المسدس بين 15 و30 شيكلاً، والبندقية بين 30 و100 شيكل (الدولار يساوي 3.65 شيكل)، علماً أنها ليست ذات جودة عالية وغالباً ما تتلف بعد فترة قصيرة، ما يدفع الأطفال إلى شراء أسلحة جديدة مجدداً.
وتقف السلطة الفلسطينية عاجزة عن منع إدخال هذه الأسلحة بشكل تام إلى الأسواق، وخصوصاً في المناطق الريفية الواقعة في المناطق ج التي ليس للأمن الفلسطيني فيها سلطة كاملة. في السياق، يؤكد مصدر في وزارة الاقتصاد أنه "يتم تهريب كميات كبيرة من هذه الألعاب المخالفة للمواصفات والمقاييس إلى أسواق الضفة الغربية من قبل تجار ضعفاء النفوس، يسعون للربح السريع". ويشدّد على أن "القضاء على هذه الظاهرة يتطلب تفعيل قوانين العقوبات وزيادة جولات الرقابة وتفتيش المحال التي تعمد إلى بيعها".

الاحتلال يُسهّل التهريب
رفض غالبية التجار الذين يبيعون أسلحة مماثلة التعليق على الموضوع، باستثناء تاجر اشترط عدم الكشف عن اسمه. يقول لـ "العربي الجديد": "لا نجبر الأطفال على الشراء. هم يأتون بمحض إرادتهم. حتى إن بعض الآباء يشترون هذه الأسلحة لأطفالهم. المسألة في نهاية المطاف ربح وخسارة. نريد تحقيق الأرباح، وهم يريدون اللعب والمرح في العيد".
من جهته، يوضح مدير دائرة الاتصال والتطوير في الضابطة الجمركية نضال أبو سعيد لـ "العربي الجديد" أن "من يريد التهريب لن يعدم وسيلة"، مؤكداً أن "الضابطة تنشر دوريات عند مداخل المدن. لكن هناك العديد من الممرات الترابية التي يستخدمها المهربون، إضافة إلى المناطق ج التي يصعب السيطرة عليها بسبب عدم امتلاك السلطة صلاحيات كاملة فيها".
ويتهم مصدر في وزارة الصحة الفلسطينية إسرائيل "بتسهيل دخول هذه الأسلحة الخطرة إلى الأسواق الفلسطينية"، مشيراً إلى أنه "يتم استيرادها عبر الميناء الإسرائيلي وتدخل إلى الضفة بطرق غير شرعية".
المساهمون