الأسد يكرّم المنتخب السوري: أسطورة فصل الرياضة عن السياسة

24 أكتوبر 2017
الأسد وعمر السومة (تويتر)
+ الخط -
استقبل رئيس النظام السوري، بشار الأسد، لاعبي المنتخب السوري، أمس الإثنين، مكرماً إياهم ومعرباً عن "سعادته" و"فخره" بـ"مستوى المنتخب الوطني السوري" في تصفيات المونديال، ومشيراً إلى أن "هذا الإنجاز لم يكن لولا جهود القوات المسلحة"، ومؤكداً أن "أي مواطن سوري وهو يحقق أي إنجاز، فإن هذا يكون رغبة منه في استكمال إنجاز قواتنا المسلحة، فكل شخص وكل عائلة ضحت في سبيل القوات المسلحة".


طبعاً، يطل علينا مجدداً أشخاص، وبينهم معارضون لنظام الأسد، كي يشددوا على أهمية الفصل بين الرياضة والسياسة وعلى ضرورة الشعور بـ"الفخر" إزاء إنجازات المنتخب السوري، تماماً كما شعر الأسد. صحيح. يجب فصل السياسة عن الرياضة، غير أنّه يغيب عن البعض، عن قصد أو غير قصد، أن النظام الديكتاتوري كامل ومتكامل، هو من لا يفصل أي جهاز فيه عن الآخر، كما قال الأسد نفسه: هذه الأجهزة كلها "تستكمل إنجاز القوات المسلحة".

ولماذا لا يفصل؟ كي يُمعن في استغلال الرياضة لخدمة أجندته السياسية؛ وهو أمر ليس بجديد في تاريخ نظام حكم آل الأسد.

لكن مجرد القراءة التاريخية لمسيرة آل الأسد مع الرياضة تؤكّد توظيفه للرياضة في السياسة، لتلميع صورته المشوّهة بصور المجازر الجماعية والأطفال الجوعى والقتلى والغرقى، والمسمّمين بسلاحه الكيميائي. 

بعد مجزرة حماة (1982)، بدأ حافظ الأسد بعملية مدروسة صلبها الرياضة، لصرف الأنظار الدولية عن جريمته. ساعدته في ذلك الأوضاع والظروف المحلية والدولية، التي مهّدت كلها لطمس آثار الجريمة؛ إذ شغل الاجتياح الإسرائيلي للبنان، في العام نفسه، الرأي العام، وصرف نظر العالم عن إحدى أبشع مجاز نظام الراحل حافظ الأسد. كما أن التورط السوري الأمني في لبنان لاحقاً عزّز إخفاء معالم الجريمة، لا سيما بعد الترنح الأميركي في بيروت، على أثر انفجاري عام 1983 (السفارة الأميركية وثكنة المارينز).

بموازاة ذلك، انطلق فريق الأسد نحو تلميع صورته أمام المجتمع الدولي. و"اللجنة الأولمبية السورية" كانت إحدى أدوات هذه العملية.

تغيّر شكل اللجنة من تجمع للضباط عام 1982 إلى مزيج مدني وعسكري عام 1983. ولاحقاً استكمل النظام العملية التي انتهت بنجاح اللجنة في استقبال بلدان البحر المتوسط في اللاذقية. وقف حافظ الأسد حينها مفتتحاً "ألعاب البحر الأبيض المتوسط"، خالعاً عباءة "البعث" العروبية، ومستبدلاً إياها بخطاب فينيفي لزوم دوره المتوسطي. ورياضياً، حصد نجله، الراحل باسل الأسد، الميدالية الذهبية عن فئة القفز على الحواجز بعد 5 سنوات فقط من مجزرة حماة. المفارقة أنّ بشار الأسد حوّل المدينة الأولمبية في اللاذقية لاحقاً إلى واحد من أكبر معتقلات ناشطي الثورة السورية.

الخطوة المذكورة أراد نظام الأسد من ورائها تقديم نفسه في المجتمع الدولي كرياضي في اللاذقية، وكمفاوض في "مؤتمر مدريد للسلام" عام 1991، ومشارك في التحالف الدولي خلال "حرب الخليج". تماماً كما يهيّئ بشار الأسد نفسه للاندماج مجدداً في المجتمع الدولي بشعار "فصل الرياضة عن السياسة" الذي لاحقنا في الفترة الأخيرة، ولا يزال. شعار ليس إلا أداة طمس جريمة ارتكبها الابن وفاقت جريمة والده، ببراميل وأسلحة كيميائية أطلقت على مدنيين، وحملات اعتقال وقتل لم توفر الرياضيين. الشعار نفسه غاب حين مثلت السباحة السورية، يسرا مارديني، فريق اللاجئين، في دورة الألعاب الأولمبية (ريو 2016).

الملفت أن متابعي مباريات كرة القدم عرفوا أن المونديال كان مبكراً بعد مباراة إيران الفاصلة، إذ احتاج المنتخب السوري إلى 4 مباريات أخرى للوصول إلى الحلم العالمي، وكانت المباراة مع أستراليا تمهيدية لا حاسمة. كانت بروباغندا النظام حريصة على استثمار شعار فصل السياسة عن الرياضة في كل مباراة، وهنا يعود إلى الأذهان عامل الوقت، ليسير الأسد الابن على خطى والده، ويتعامل مع كل مباراة على أنها ميزان الوطنية والانتماء أو "العودة إلى حضن الوطن"، كما في حالتي فراس الخطيب وعمر السومة، وتضغط ماكينته الإعلامية بشقيها الرياضي والفني باتجاه فصل السياسة عن الرياضة. هذه الماكينة قادها عشرات الفنانين والإعلاميين، ووقع في فخها كثيرون أيضاً عسى أن توقظهم صور الرئيس ومنتخبه المنتشرة جنباً إلى جنب صور أطفال الغوطة المحاصرين على مواقع التواصل الاجتماعي، وعلى أمل أن لا نرى شعاراً جديداً على شاكلة "فصل الأطفال القتلى عن القاتل".

في نهائي "ألعاب البحر الأبيض المتوسط"، في مدينة اللاذقية، عام 1987، هلل المعلق السوري الراحل عدنان بوظو، بعد تسجيل لاعب المنتخب السوري، نزار محروس، هدفاً منح منتخبه الميدالية الذهبية لكرة القدم على حساب منتخب فرنسا. وهتف بوظو حينها "انظروا إلى هذا الهدف العربي". وأعاد التلفزيون السوري الهدف النهائي مرات ومرات على شاشته. هدف كان له معلق واحد على شاشة واحدة في بلد واحد، أما هدف الأسد اليوم فله آلاف المهللين من فنانين ومعلقين يصرخون بوقاحة "انظروا إلى هذا الهدف الأسدي".


المساهمون