الأزمة السورية وخطة دي ميستورا.. ماذا بعد؟
جرى الحديث، أخيراً وبكثرة، عن خطة مبعوث الأمم المتحدة إلى سورية، ستيفان دي ميستورا، لحل الأزمة العالقة في سورية، والتي وافق عليها مجلس الأمن بالإجماع، وتتلخص في العمل بالتوازي على أربعة محاور: السلامة والحماية، مكافحة الإرهاب، القضايا السياسية والقانونية، وإعادة الإعمار، من خلال تشكيل مجموعات عمل للمحاور الأربعة، تضم طرفي النزاع المعارضة والنظام، وطرفا ثالثا يضم منظمات المجتمع المدني، ويختارهم المبعوث الأممي. ويبدو أن هذا الطرح يلقى قبولاً واسعاً من الأطراف الدولية والإقليمية، لكنه يقابل بتحفظات وتوجس من طرفي النزاع الأساسيين، النظام والمعارضة، حيث يرغب النظام في تناول المحاور الأربعة، وفق تسلسل أولويات تبدأ بمحور مكافحة الإرهاب، معتبرا إياه المدخل الصحيح والوحيد للوصول إلى تسوية سلمية للقضية، في حين يعتبر الائتلاف، الممثل لقوى المعارضة، أن الملفات الأربعة على القدر نفسه من الأهمية، ويجب تناولها على التوازي ضمن حدود المبادئ العامة لجنيف التي تفضي، في النهاية، إلى حل سياسي شامل للأزمة، ينتهي بإقصاء الأسد ونظامه عن سدة الحكم في سورية.
ومنذ موافقة مجلس الأمن مجتمعاً على خطة دي ميستورا (وهو بالمناسبة الإجماع الأول حول الملف السوري منذ بدايته عام 2011) وأصداء القبول الإيجابية للقوى الدولية والإقليمية الفاعلة في الملف، كإيران والسعودية، بدأ نوع من الحراك السياسي الدولي والإقليمي، بهدف تنسيق الرؤى والتصورات بين كل طرف من أطراف النزاع وداعميه، لخوض المفاوضات برؤية متقاربة، تخدم مصالحها وتساعدها على إحراز أكبر عدد ممكن من النقاط، في أثناء المفاوضات المتوقعة، من جهة، وبين الأطراف الداعمة والوسيطة، من جهة أخرى، لتقريب وجهات النظر وتذليل العقبات والصعوبات.
وقد ظهرت نتائج أولية لهذا الحراك في الأسابيع القليلة الماضية، وإن كان بشكل خجول، من خلال ما رشح من تسريبات عن لقاءات بين مسؤولين أمنيين وسياسيين من النظام السوري ومسؤولين سعوديين على درجات عالية من المسؤولية، كما سرت شائعات عن لقاءات حصلت بين ممثلين عن النظام السوري ومسؤولين في عواصم إقليمية، وكذلك الأمر بالنسبة لممثلي المعارضة. وفي أعقاب هذه التطورات، ساد جو من التفاؤل المشوب بحذر كثير لدى قسم كبير من أطراف القضية السورية، ومتابعيها. لكن، سرعان ما تبدد هذا التفاؤل، بعد ظهور اختلافات وتناقض في المواقف، تجلى في تصريحات متباينة لدى بعض الأطراف ذات العلاقة بالملف السوري، حول ترتيب الأولويات ضمن خطة دي ميستورا. وتبع ذلك تصعيد قوي على الأرض من خلال اشتداد حدة المواجهات بين طرفي النزاع، في أكثر من موقع ومكان داخل سورية. ومع ذلك، استمرت الجهود الدولية والإقليمية الحثيثة التي يبدو أنها تحاول، وبإصرار، دفع طرفي النزاع للوصول إلى فهم متقارب، إن لم يكن متشابهاً أو موحداً، لثنايا خطة دي ميستورا، والبدء بالعمل جديا للوصول إلى مفاوضات مباشرة بين طرفي النزاع، تفضي إلى حل سياسي وسلمي شامل.
بالطبع، لا يتوقع أن يكون مسار هذه الجهود معبّدا بالزهور والرياحين، وإنما مملوء بالأشواك والعقبات، نتيجة حدة النزاع وتفاوت الرؤى بين طرفيه، بعدما شهدت سورية واحداً، ربما، من أكثر النزاعات الأهلية عنفا في التاريخ الحديث، كما لا يتوقع أن يكون مسار المفاوضات، في حال انعقدت، آجلا أم عاجلاً، سهلا وسلسا، وإنما يتوقع أن يكون درب المفاوضات شاقاً ومعقداً، عدا عن كونه طويلاً، وذلك لعدة أسباب، منها أن الحالة السورية، بكل تناقضاتها وتشعباتها، أصبحت مسرحا لكل التناقضات المحلية والإقليمية والدولية، حيث تجلت مظاهر استعراض القوى والنفوذ، بكل أشكاله على الأرض السورية، خلال سنوات النزاع الممتدة منذ عام 2011، كما أن حجم التدخلات في الملف السوري بلغ مستوى غير مسبوقٍ ربما في تاريخ العلاقات الدولية. بالتالي، سيكون من الصعب على طرفي النزاع، لاعتبارات متعددة، تقديم التنازلات اللازمة لتسهيل الوصول إلى تسوية تاريخية شاملة متكاملة، ترضي جميع الأطراف بالحد الأدنى، بعدما شهدت سورية واحداً من أشرس النزاعات عبر تاريخها، والذي استنزف قاعدتها المادية بالمعنى العام، من خلال تدمير البنى التحتية والعمرانية والاقتصادية وغيرها، وقاعدتها البشرية، من خلال فقدان أرواح آلاف الضحايا والأفراد في خضم العمليات القتالية، ومن خلال الإصابات الجسدية والنفسية الهائلة التي ألمت بأفراد الشعب السوري، وأيضاً من خلال حركة النزوح واللجوء والتشرد والاغتراب التي أفرزت واحدة من أكثر الكوارث الإنسانية فظاعة في التاريخ الحديث.
لكن، يبقى الأمل في أن يدرك طرفا النزاع (النظام والمعارضة) والأطراف الداعمة لهما، أن استمرار الأزمة السورية، من دون حل وإلى أمد بعيد، ليس في صالح أحد، بل على العكس تماماً، كلما طال أمد الأزمة تعاظم حجم هذه الكارثة الإنسانية التي أصبحت، شئنا أم أبينا، وصمة عار في جبين الإنسانية، وكلما عزز ذلك من حدة التناقضات الإقليمية والدولية، وصولاً، ربما، إلى مرحلة المواجهة المباشرة محليا (في أكثر من بلد) وإقليميا وعالميا، ما يهدد الاستقرار والسلم العالميين. بالتالي، يحدو السوريين، كما هو حال كثيرين، الأمل في أن يتفهم كلا طرفي النزاع وغيرهما أنه ليس من مصلحتهم استمراره إلى ما لا نهاية، وأن جميع الخيارات البديلة عن الوصول إلى تسوية تاريخية شاملة ومتكاملة (تحفظ ما تبقى من سورية وتؤهلها للانتقال إلى نظام سياسي واجتماعي وإنساني، يناسب شعبها ويحفظ حقوقه ويدافع عنها ويحميها)، بما فيها خيار التقسيم، هي خيارات كارثية بامتياز، وسيكون لها انعكاسات مريرة على سورية، بالدرجة الأولى (أرضاً وشعباً)، وعلى تاريخ المنطقة وتطورها الجيوسياسي.
وقد ظهرت نتائج أولية لهذا الحراك في الأسابيع القليلة الماضية، وإن كان بشكل خجول، من خلال ما رشح من تسريبات عن لقاءات بين مسؤولين أمنيين وسياسيين من النظام السوري ومسؤولين سعوديين على درجات عالية من المسؤولية، كما سرت شائعات عن لقاءات حصلت بين ممثلين عن النظام السوري ومسؤولين في عواصم إقليمية، وكذلك الأمر بالنسبة لممثلي المعارضة. وفي أعقاب هذه التطورات، ساد جو من التفاؤل المشوب بحذر كثير لدى قسم كبير من أطراف القضية السورية، ومتابعيها. لكن، سرعان ما تبدد هذا التفاؤل، بعد ظهور اختلافات وتناقض في المواقف، تجلى في تصريحات متباينة لدى بعض الأطراف ذات العلاقة بالملف السوري، حول ترتيب الأولويات ضمن خطة دي ميستورا. وتبع ذلك تصعيد قوي على الأرض من خلال اشتداد حدة المواجهات بين طرفي النزاع، في أكثر من موقع ومكان داخل سورية. ومع ذلك، استمرت الجهود الدولية والإقليمية الحثيثة التي يبدو أنها تحاول، وبإصرار، دفع طرفي النزاع للوصول إلى فهم متقارب، إن لم يكن متشابهاً أو موحداً، لثنايا خطة دي ميستورا، والبدء بالعمل جديا للوصول إلى مفاوضات مباشرة بين طرفي النزاع، تفضي إلى حل سياسي وسلمي شامل.
بالطبع، لا يتوقع أن يكون مسار هذه الجهود معبّدا بالزهور والرياحين، وإنما مملوء بالأشواك والعقبات، نتيجة حدة النزاع وتفاوت الرؤى بين طرفيه، بعدما شهدت سورية واحداً، ربما، من أكثر النزاعات الأهلية عنفا في التاريخ الحديث، كما لا يتوقع أن يكون مسار المفاوضات، في حال انعقدت، آجلا أم عاجلاً، سهلا وسلسا، وإنما يتوقع أن يكون درب المفاوضات شاقاً ومعقداً، عدا عن كونه طويلاً، وذلك لعدة أسباب، منها أن الحالة السورية، بكل تناقضاتها وتشعباتها، أصبحت مسرحا لكل التناقضات المحلية والإقليمية والدولية، حيث تجلت مظاهر استعراض القوى والنفوذ، بكل أشكاله على الأرض السورية، خلال سنوات النزاع الممتدة منذ عام 2011، كما أن حجم التدخلات في الملف السوري بلغ مستوى غير مسبوقٍ ربما في تاريخ العلاقات الدولية. بالتالي، سيكون من الصعب على طرفي النزاع، لاعتبارات متعددة، تقديم التنازلات اللازمة لتسهيل الوصول إلى تسوية تاريخية شاملة متكاملة، ترضي جميع الأطراف بالحد الأدنى، بعدما شهدت سورية واحداً من أشرس النزاعات عبر تاريخها، والذي استنزف قاعدتها المادية بالمعنى العام، من خلال تدمير البنى التحتية والعمرانية والاقتصادية وغيرها، وقاعدتها البشرية، من خلال فقدان أرواح آلاف الضحايا والأفراد في خضم العمليات القتالية، ومن خلال الإصابات الجسدية والنفسية الهائلة التي ألمت بأفراد الشعب السوري، وأيضاً من خلال حركة النزوح واللجوء والتشرد والاغتراب التي أفرزت واحدة من أكثر الكوارث الإنسانية فظاعة في التاريخ الحديث.
لكن، يبقى الأمل في أن يدرك طرفا النزاع (النظام والمعارضة) والأطراف الداعمة لهما، أن استمرار الأزمة السورية، من دون حل وإلى أمد بعيد، ليس في صالح أحد، بل على العكس تماماً، كلما طال أمد الأزمة تعاظم حجم هذه الكارثة الإنسانية التي أصبحت، شئنا أم أبينا، وصمة عار في جبين الإنسانية، وكلما عزز ذلك من حدة التناقضات الإقليمية والدولية، وصولاً، ربما، إلى مرحلة المواجهة المباشرة محليا (في أكثر من بلد) وإقليميا وعالميا، ما يهدد الاستقرار والسلم العالميين. بالتالي، يحدو السوريين، كما هو حال كثيرين، الأمل في أن يتفهم كلا طرفي النزاع وغيرهما أنه ليس من مصلحتهم استمراره إلى ما لا نهاية، وأن جميع الخيارات البديلة عن الوصول إلى تسوية تاريخية شاملة ومتكاملة (تحفظ ما تبقى من سورية وتؤهلها للانتقال إلى نظام سياسي واجتماعي وإنساني، يناسب شعبها ويحفظ حقوقه ويدافع عنها ويحميها)، بما فيها خيار التقسيم، هي خيارات كارثية بامتياز، وسيكون لها انعكاسات مريرة على سورية، بالدرجة الأولى (أرضاً وشعباً)، وعلى تاريخ المنطقة وتطورها الجيوسياسي.