الأزمة السورية اللبنانية.. التاريخ في خدمة الحل والتصعيد

29 يوليو 2017
(لاجئون سوريون يغادرون بلدة عرسال، سترينغر/ فرانس برس)
+ الخط -


اشتعلت مواقع التواصل الاجتماعي في الأيّام الماضية بسجالاتٍ حادة بين سوريين ولبنانيين، وتصدّر هذه الموجة فنانون وناشطون من كلا الطرفين ومن كل الأطراف السياسية للبلدين. بدأ هذا السجال على خلفية تداول أخبار عن اقتحام الجيش اللبناني مخيّمات اللاجئين في منطقة عرسال وتنفيذ عمليات اعتقال وتعذيب انتهت بوفاة عدد من اللاجئين السوريين، ما أثار ردود فعل غاضب في شارع المعارضة السورية وأجزاء من شارع النظام، إضافة إلى الحاضنة الشعبية اللبنانية التي تدعم حقّ اللاجئين السوريين بالوجود على أراضي بلادها، بسبب الحرب الدموية الدائرة في بلادهم، وجاء رد الفعل السوري على قدر الفعل وبعكس اتجاهه تمامًا.

من الجهة اللبنانية انطلقت دعوات لطرد اللاجئين، ودعّم هذه الدعوات سياسيون وفنانون لبنانيون معروفون وكان أشدّهم قسوة ما دعت إليه الفنانتان نادين الراسي ومايا دياب، فقد طالبت الأولى صراحة بطردهم وأيّدت الثانية حملات الاعتقال، كذلك قامت قناة الـ MTV بوقف التعامل مع الإنتاجات الدرامية السورية قائلة "ما بدنا مسلسل سوري".

أما من الجهة السورية فقد ردّ سياسيون وناشطون وفنانون كل بطريقته، بداية من الدعوة إلى التصعيد ووصولًا إلى مواقف بمقاطعة الإعلام اللبناني من الفنانة أمل عرفة والمخرجة رشا شربتجي، وإعلان السيناريست المعارض سامر رضوان عن قرار عودته إلى دمشق الذي نفذه فعلًا منذ أيّام.

صوت العقل الضامن الحقيقي للعلاقات التاريخية بين الشعبين حضر، ولكن كان خجولًا كما جرت العادة في كل الخلافات الطائفية والعنصرية التي يشهدها العالم العربي مؤخرًا، لبنانيًا أصدرت مجموعة من الصحافيين والكتاب والناشطين بيانًا دانوا فيه تصرّفات الجيش وطالبوا بالتحقيق الشفاف والمحاسبة العادلة، كذلك دعمت المحامية ديالا شحادة تنفيذ قرار قضائي لتشريح جثث اللاجئين والوقوف على حقيقة سبب الوفاة، الأمر الذي عرّضها للتحقيق أمام مجلس نقابة المحامين في بيروت، ومن جهته سجّل الصحافي فداء عيتاني موقفًا صارمًا عرّضه للاعتقال والتحقيق أيضًا.

في السياق نفسه، قالت الناشطة في مجال المجتمع المدني اللبنانية سارة شيخ علي، في حديث إلى "جيل": "إن ما قام به الجيش اللبناني، إن كان على المستوى الفردي فرضًا أو على المستوى المؤسّساتي، هو انتهاك لبنود اتفاقيات دولية وقّع عليها لبنان، ومنها اتفاقية مناهضة التعذيب في الأمم المتحدة عام 1987، كذلك قانون الأجانب اللبناني مادة 23، والذي يمنح حق اللجوء السياسي، إضافة لانتهاك اتفاقية الإبادة الجماعية في المادة 2 والإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وكذلك الدستور اللبناني، أي أن ما حدث هو انتهاك حقوقي موصوف".

وتتابع شيخ علي حديثها: "جزء كبير من اللبنانيين دعم الثورة السورية لأسباب متنوّعة منها الانتقام من نظام الأسد وأيضًا هناك أسباب طائفية؛ حيث اعتبر بعض اللبنانيين أن هناك طائفة تمرّدت على حكم ديكتاتوري في سورية، لكن اللبناني المستمرّ إلى اليوم في الدفاع عن الثورة السورية ويعتبرها ثورة قامت من أجل الحرية وحقوق الإنسان هو يشكّل جزءًا قليلًا من الشباب اللبناني الذي يمتلك موقفًا أخلاقيًا مقدمًا على كل الاعتبارات الأخرى وهؤلاء الشباب يستمرّون في الدفاع عن حقّ السوري بصفته إنسانًا قبل أي شيء آخر، وليس فقط في وجه النظام بل في وجه التطرّف والنظام العالمي المتخاذل"، وختمت المتحدّثة بالقول: "كل من لا يرفض خطاب العنصرية الموجود حاليًا هو شريك في الجريمة مع نظام الأسد".

من الجانب السوري، وقف كثير من الناشطين المدنيين في وجه ما يمكن تسميته بـ "مديح الكراهية السوري اللبناني"، واتخذوا موقفًا يؤكّد على استقلال لبنان وسيادته وحقّه في عدم التبعية لأي نظام حكم أو سيحكم في دمشق، خصوصًا عن طريق مجموعة "ناصر لأجل سورية"، والتي ضمت لبنانيين وسوريين وقفوا يدًا واحدًا للمطالبة بحقوق اللاجئين عبر كثير من النشاطات حول العالم، منها الإضراب عن الطعام.

من جهتهم، عبّر ناشطون عبر صفحاتهم في التواصل الاجتماعي عن أهمية الدور الذي لعبه الشباب اللبناني في دعم الثورة السورية واللاجئين، وعن ذلك تحدّث الناشط في مجال المجتمع المدني السوري أسعد العشي لـ "جيل" قائلًا: "لعب الشباب اللبناني دورًا داعمًا، إن كان حقوقيًا وإنسانيًا؛ إنسانيًا من خلال احتضان اللاجئين ومساعدتهم على التكيف وحقوقيًا من خلال المدافعة عن حقوق الشعب السوري محليًا ودوليًا"، وعن خلفية الأزمة التي تعيشها العلاقات بين الشعبين حاليًا وتعرّض الجيش اللبناني للاجئين السوريين تابع العشي حديثه بالقول: "هناك خلفيات متعدّدة، جزء منها سياسي بالطبع، وجزء منها أمني للتعامل مع بعض الخلايا الإرهابية، ومنها معيشي للتخفيف من وجود اللاجئين. ولكن السمة الأبرز سياسية ضمن التوافقية اللبنانية بين مختلف القوى هناك".

الأزمة السورية اللبنانية الآن آخذة بالأفول، لكن بقاء آثار العنصرية لا تختفي بسهولة، ما يضع العقلاء من كلا الشعبين أمام ضرورة العمل على تحسين العلاقات السورية اللبنانية وهذا يراه أسعد العشي من خلال "إيقاف التحريض والتركيز على الجانب الحقوقي والقيام بحملات مناصرة مضادّة عن حقّ الحماية والفائدة الاقتصادية للوجود السوري في لبنان، بعيدًا عن خطاب الكراهية والعنصرية"، في حين تقول سارة شيخ علي "نحن الحلقة الأضعف في الساحة اللبنانية، وما نستطيع فعله حاليًا هو الثبات على رفض خطاب الكراهية وهذا ما يجب أن يشاركنا فيه أصدقاؤنا السوريون، أصدقاء الثورة"، ودعت شيخ علي السوريين واللبنانيين الذين يعيشون في دول أوروبا وفي أوضاع مريحة للتوقّف عن التحريض الذي لا يضرّهم بل يضرّ اللاجئين فقط.

من غير الممكن إذن تجاهل ما حدث بأي شكل من الأشكال، هي أزمة حقيقية في العلاقات بين شعبين يجمعهما التاريخ منذ بداية البشرية، إلا أن الشعبين يأملان أن يكون لنهاية الحرب والتخلّص من الاصطفاف السياسي والطائفي دور رئيسي في عودة العلاقات الاجتماعية بين السوريين واللبنانيين إلى طبيعتها، إذا ما راهن الشرق الأوسط على السلام والاستقرار بدل الموت والاضطرابات.

المساهمون