الأرض.. الصراع والمعركة

30 يناير 2019
+ الخط -
يُعيد مخطّط إسرائيلي جديد يرمي إلى سرقة 260 ألف دونم من أراضي العرب في منطقة النقب، كُشف النقاب عنه أخيرًا، وأعدّه وزير الزراعة، أوري أريئيل، من حزب البيت اليهوديّ، إلى صدارة الاهتمام، موضوع الأرض في الصراع مع دولة الاحتلال، سيّما شعار "احتلال الأرض" الصهيوني الكلاسيكي، والذي لم يكن شعارًا للتيّارات اليمينية فحسب، إنما كان أيضًا شعار تيّارات صهيونية تدّعي الاعتدال. 
يأتي هذا المُخطّط بعد أن تمّ التصدّي شعبيًّا قبل عدة سنوات لمُخطّط شبيه حتى إحباطه. والقصد "مُخطّط برافر" الذي سعى إلى مصادرة مئات آلاف الدونمات من العرب الأصلانيين في منطقة النقب، وعددهم نحو 200 ألف نسمة، من خلال حشرهم في حوالي 100 ألف دونم، أي أقل من 1% من مساحتها الإجمالية. وصادقت الحكومة الإسرائيلية على هذا المُخطّط في سبتمبر/ أيلول 2011، وجرى تعريفه بأنه "مُخطّط توطين عرب النقب". ونصّ على التهام نحو 500 ألف دونم من أصل 600 ألف دونم يملكها العرب في النقب، وترفض الحكومة تسجيل ملكيتهم عليها. ولم يكن مرتبطًا بوجود العرب في منطقة النقب فقط، إنما انطوى أيضًا على انعكاساتٍ خطرة، تتعلق بجوهر المعركة على الأرض بين الفلسطينيين في الداخل وإسرائيل.
من المعروف أن كل ما بقي من الأراضي الخاصة التي كان يملكها فلسطينيو 48 في منطقتي الجليل والمثلث لا يزيد عن 650 ألف دونم. ومن هنا رأت لجنة المتابعة العليا لشؤون العرب في الداخل أن "مُخطّط برافر" يعتبر أكبر مُخطّط كولونيالي يستهدف وجودهم منذ نكبة 1948، وأن معركة النقب تُشكل بالتالي معركة فاصلة على ما تبقى من أراضٍ عربية، بعد أن نالت المؤسسة الإسرائيلية من أراضي الجليل والمثلث والمدن الساحلية على مرّ الأعوام.
ولا تخفي إسرائيل أن كل من يعمل في إعداد المُخطّطات الخاصة بالنقب، وكذلك جميع القائمين على تنفيذها، هُم من رجال المؤسسة العسكرية والأمنية الإسرائيلية. ومُجرّد ذلك يدل على أنها تتعامل مع فلسطينيي 48 بعقليةٍ عسكرية، وبأنهم قضية أمنية، وخطر قومي!
ويجاهر كبار المسؤولين والخبراء في الشؤون الجغرافية والديمغرافية أن سرقة أراضي العرب في النقب تُعتبر "مهمة قومية" من الدرجة الأولى، تفرضها، أيضًا، الضغوط السكانية الشديدة في وسط إسرائيل، والحاجة إلى تخفيف الحضور العسكري الكثيف المنتشر حول منطقة تل أبيب الكبرى، حيث أعدّ الجيش الإسرائيلي خُططًا متعدّدة، لنقل عدد كبير من قواعده العسكرية إلى النقب، بهدف إخلاء أراض في مناطق الوسط، وتخصيصها لمشروعات سكنية، أو لمشروعات مدنية أخرى.
وكان تقرير لمراقب الدولة الإسرائيلية قد أفاد بأن 80% من "أراضي الدولة" (باستثناء الأراضي في الضفة الغربية المحتلة) في قبضة المؤسسة الأمنية بصورة مباشرة أو غير مباشرة. وتستعمل هذه المؤسسة نصف هذه الأراضي لأغراضها الخاصة، بينما تفرض قيودًا مشدّدة على استعمال النصف الباقي، في وقت يحتاج فيه البلد بصورة ماسّة إلى الأرض.
وفي مطلع 2009 صدر كتاب مُهّم بهذا الشأن بعنوان "بلد باللون الخاكي - الأرض والأمن في إسرائيل" من تأليف الباحثين عميرام أورن ورافي ريغف، عرضا فيه بشكل مُفصّل خريطة الامتداد الأمني الإسرائيلي من الناحية الجغرافية. وبيّنا أنه على الرغم من شحّ الأرض، فإن ما يقارب نصف مساحة إسرائيل يتبع للمؤسسة الأمنية، أو واقع تحت تأثيرها. وتمتد هذه الأراضي في كل أنحاء البلد، في الوسط والأطراف، وفي المدن الكبرى والصغرى، وفي الجبال وشواطئ البحر، وكذلك في المناطق المأهولة والمفتوحة، وفي هذه المساحة كلها ثمة بُنى تحتيّة أمنية ومناطق عسكريّة. وأكّدا أن الحديث يدور حول ظاهرةٍ جغرافيةٍ لا مثيل لها من ناحية حجمها، مقارنة بدول العالم الأخرى. كما أبديا دهشتهما من اكتشاف أنه، من حيث المساحة، تعتبر "دولة إسرائيل المدنية" أصغر كثيرًا مما كانا يعتقدان في السابق، وشدّدا على أن الجيش هو بمثابة دولة ظلّ، بدل أن يكون تابعًا لدولة ذات سيادة.
دلالات