أهو تمهيدٌ لضمٍّ دائمٍ لأراضي الضفّة الغربية؟
تعتقد جهات قانونية إسرائيلية أنّ نقل الحكومة الإسرائيلية، في مايو/ أيّار الماضي، السيطرة على إدارة الضفّة الغربية من الجيش إلى أيدي المستوطنين، من خلال تعيين نائب لرئيس الإدارة المدنية يكون تابعاً لوزير المالية الإسرائيلي، بتسلئيل سموتريتش (رئيس "الصهيونية الدينيّة")، الذي هو وزير ثانٍ في وزارة الدفاع، ومستوطن في أراضي 1967، ينطوي على ما يمكن اعتباره بمثابة انتقالٍ من حالة الاحتلال العسكري المُؤقّت إلى حالة ضمّ مدني دائم. فبهذا التعيين، ستكون للمستوطنين سيطرة تامّة على مسائل البناء في المستوطنات، وعلى مسألة هدم منازل الفلسطينيين، إلى جانب ضمان مبالغ هائلة من الميزانية الأمنية لحراسة المستوطنات. والهدف من هذه الخطوة، بحسب ما أعلن سموتريتش، إحباط فرصة إقامة دولة فلسطينية بصورة نهائية. وفي تسجيل نقلته صحيفة نيويورك تايمز، قال سموتريتش: "هذا الأمر هائل جدًّا. ومثلُ هذه التغييرات سوف تغيّر الشيفرة الوراثية للنظام"، كما أكّد أنّ رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، على عِلمٍ بالخطّة، ويتعاون معها بصورة تامّة.
وبموجب ما تُؤكّد بعض تلك الجهات القانونيّة (منها منظّمتا "يوجد قانون" وجمعية حقوق المواطن) ينظّم القانون الدولي وضع الاحتلال بصفته إدارة مُؤقّتة للأراضي من قوّة الاحتلال، ويمنع منعاً باتّاً الضمّ من طرف واحد. وهذا ليس مُجرّد حظر، بل قاعدة مركزية، هدفها منع استخدام القوّة، إلّا من أجل الدفاع عن النفس. وإذا أمسى من الواضح أنّه لا يمكن تحقيق السيادة بواسطة القوة فستقلّ الحوافز للحروب. والمقصود هنا مبدأ هو جزء أساسي من نظام عالمي ظهر بعد الحرب العالمية الثانية، وجوهره كبح الحروب. والهدف من القانون الذي يدعو إلى إدارة حكمٍ عسكريٍّ أراضيَ مُحتلّة، وليس مباشرةً من حكومة الاحتلال، وضع حاجز مُعيّن بين مواطني دولة الاحتلال والسلطة في الأراضي المُحتلّة. ويستند هذا الترتيب إلى فهم مفاده بأنّ الجيش أقلّ التزاماً بالاعتبارات السياسية من وزارات حكومة منتخبة وملزمة بها. غير أنّ نقل صلاحيات الحاكم العسكري إلى موظّفين من حكومة الاحتلال ونوّابها يُحدِث سيطرةً مباشرةً لمواطني دولة الاحتلال في الأراضي المُحتلّة، وعمليّاً يُوسّع الخطوط السيادية إلى داخل المناطق المُحتلّة، أي الضم. وهذا ما نجح سموتريتش فيه، فقد أبعد الجيش تماماً عن عملية اتّخاذ القرارات بشأن كلّ ما ليس له علاقة مباشرة بالأمن في الضفّة الغربية، وعملياً، بدأ بتطبيق السيادة الإسرائيلية على الضفّة، أي الضم. وسيكون لذلك تداعيات على حقوق الفلسطينيين لأنّ القيود التي فرضها الجيش للحؤول دون نهب أراضي الفلسطينيين وإيذائهم ستزول الآن، وهي بالطبع قليلة جدًا.
في واقع الأمر، منذ تولّي الحكومة الإسرائيلية الحالية مقاليد الحُكم في نهاية 2022، تشهد الضفّة الغربية أكبر حركة استيطان فيها منذ بدايات حركة غوش إيمونيم عام 1974. وينعكس ذلك في؛ اعتراف الحكومة بـ13 بؤرة استيطانية حصلت على مكانة مستوطنات جديدة؛ إقامة عشرات المزارع والتلال التي تُستخدم للرعي والزراعة وتمتد على مساحة مئات الآلاف من الدونمات؛ حركة بناء لعشرات ألوف الوحدات السكنية في مستوطنات الضفّة الغربية؛ شق آلاف الكيلومترات من الطرقات الجديدة والتحويلات وساحات المرور والإشارات وتغيير جذري في المواصلات؛ مضاعفة "كتائب الدفاع" واتخاذ إجراءات تحسّن الاستجابة العملانية لعمليات دفاعية في المنطقة كلّها؛ إخلاء آلاف الخيام البدوية وطرد سكّانها بمساعدة مجموعات شبّان التلال؛ سلسلة عمليات هجومية في مدن الضفّة الغربية؛ ما توصف بأنّها "ثورة العمل العبري" في المستوطنات التي آلت إلى منع دخول عمالٍ عربٍ إلى المستوطنات واستبدال عمال يهود أو أجانب بهم.
ومثلما يُؤكّد قادة المستوطنين، بهذه الإجراءات "بدأت ثورة استيطانية جديدة ستُؤدّي بسرعة إلى تحقيق رُؤيا أرض إسرائيل الكاملة". يجري هذا كلّه وما زالت إسرائيل بعيدة عن المساءلة. ولا أحد يدري ما إذا كان من شأن قرار لمحكمة العدل الدولية الصادر أخيراً أن يُؤدّي إلى تغييرٍ ملموسٍ بهذا الشأن.