الأردن يرفض استقبال نتنياهو... حفظ ماء الوجه وتجنّب الإحراج

21 أكتوبر 2015
لا تنازلات تلوح بالأفق قد يقدّمها الإسرائيليون لإرضاء الملك(Getty)
+ الخط -

يتعدّى الرفض الأردني لاستقبال رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، على أراضيه أو في ضيافة الملك عبدالله الثاني، الاستهلاك الإعلامي الرامي إلى تحقيق مكاسب شعبية لصنّاع السياسة في المملكة المرتبطة بمعاهدة سلام مع إسرائيل، منذ عام 1994، ليهدف في جوهره إلى الحفاظ على ماء الوجه بعد أن وقعت عمان في فخ التعهدات الإسرائيلية، قبل أشهر، عندما فتحت أبوابها لنتنياهو، الذي يبرهن، اليوم، من جديد للأردن أنه الأسرع في الانقلاب على وعوده.

السؤال الذي فرض نفسه، عندما أعلن نتنياهو موافقته، قبل أيام، على لقاء الرئيس الفلسطيني محمود عباس في عمّان، وعندما نشرت الصحافة الإسرائيلية تسريبات عن موافقة الملك عبدالله على استضافة قمة رباعية يحضرها وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، إلى جانب عباس ونتنياهو، ما هو الجديد الذي ستحققه زيارة نتنياهو؟

لم ينسَ الأردنيون، تماماً كما لم ينسَ ملكهم، تصريحات نتنياهو خلال قمة اللحظة الأخيرة التي استضافها الملك في 14 نوفمبر/تشرين الثاني 2014 وحضرها كيري ونتنياهو وقاطعها عباس، يومها تعهّد نتنياهو بـ"الحفاظ على الوضع القائم في الأماكن المقدسة في القدس الشرقية وعدم المساس بها بأي شكل من الأشكال، واحترام الدور الأردني الهاشمي التاريخي في الحفاظ على الأماكن المقدسة في القدس ورعايتها".

كل تلك الوعود ألقاها رئيس الوزراء الإسرائيلي، الذي يمتلك تاريخاً حافلاً في مشاكسة وإحراج الأردن، خلف ظهره، ليعود بالأوضاع في مدينة القدس إلى نقطة الصفر، بل إلى ما دون الصفر، فحين قطع تلك الوعود كانت الاعتداءات الإسرائيلية على المسجد الأقصى ما دون الوتيرة الحالية، وكانت المقاومة الفلسطينية محدودة النطاق، فيما الواقع اليوم مختلف على الأرض، فالاعتداءات تأخذ منحنى تصاعدياً، وكذلك الانتفاضة التي تتوسّع، وهو ما لا تتمناه إسرائيل ولا السلطة الفلسطينية والأردن، وسط محاولة الأخير الاستثمار في الانتفاضة لتحقيق أهداف سياسية، لا تتعدى إعادة الأوضاع إلى ما كانت عليه قبل الاقتحامات الإسرائيلية للمسجد، بما يحفظ هيبته كوصي على المقدسات في المدينة القديمة، وهي الوصاية التي ترتبط بالملك شخصياً.

اقرأ أيضاً: إسرائيل ترفض إعادة إدارة الأقصى للأوقاف الأردنية

يدرك الملك وصنّاع السياسة الأردنية، أن الموافقة على استقبال نتنياهو في مملكتهم سواءً للقاء عباس أو للمشاركة في قمة رباعية، كانت ستتسبب في حرج كبير لهم وللملك، الذي ينتقد المتظاهرون الأردنيون تضامناً مع الأقصى، عدم اضطلاعه وحكومته بدور حقيقي في الدفاع عن الأقصى، ويعيدون التذكير بتعهدات نتنياهو المراوغة التي قطعها قبل أشهر، ودشنوا حملة استباقية ترفض استقبال المجرم في عمّان.

ومع أهمية الحسابات الداخلية التي استند إليها القرار الرسمي الأردني برفض استقبال نتنياهو، فإن الإحساس بالخديعة شكّل حافزاً للقرار، وهو الإحساس الذي لا يختلف عن ذلك الذي تجرعه الملك الراحل، الحسين بن طلال، من نتنياهو أيضاً، بعد أقل من ثلاث سنوات على توقيع معاهدة السلام، حين حاول في عام 1997 اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" خالد مشعل في الأردن، المحاولة التي انتهت بالفشل وكادت تعصف بالمعاهدة لولا التنازلات التي قدّمها الإسرائيليون لإرضاء الملك الراحل. لكن المختلف، اليوم، ألا تنازلات تلوح في الأفق يمكن أن يقدّمها الإسرائيليون إرضاء للملك الحالي، الغاضب من نتنياهو من دون أن يمتد غضبه إلى معاهدة السلام، التي يواصل الأردن الالتزام ببنودها على أكمل وجه.

أمام العروض غير الرسمية المتوالية من نتنياهو لزيارة الأردن والتسريبات الإسرائيلية حول القمة الرباعية، صمتت عمّان موصلة تصريحاتها المنتقدة للاستفزازات الإسرائيلية التي حمّلتها المسؤولية عن تفاقم الأوضاع، لتكون تلك رسالتها غير المرحبة بنتنياهو الراكض وراء التصعيد.

لكن المؤكد أن عدم استقبال نتنياهو في عمّان، لا يعني غياب الأردن عن لقاء كيري-نتنياهو في ألمانيا، أو عن لقاء كيري-عباس المنتظر، فالمملكة التي سيزورها كيري، مطلع الأسبوع، طرحت شروطها على الطاولة لتكون حاضرة في اللقاءات الثنائية. شروط ترمي إلى إعادة الأوضاع إلى سابق عهدها، وصولاً لتهيئة الظروف لإعادة إحياء مفاوضات السلام، وهو ما يرى فيه الأردن حلاً أمثل يجنبه انتقال غضبه على نتنياهو إلى المعاهدة، حتى وإن كان غضباً شكلياً.


اقرأ أيضاً: الأردن: أمن إسرائيل لا يتحقق بالقبضة الحديدية